80 مغربيا مصابون بالسل وسط كل 100 ألف نسمة كشف وزير الصحة البروفيسور الحسين الوردي، أمس الأربعاء، عن المحاور الرئيسية لخارطة الطريق التي ستعتمدها الوزارة لتنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة داء السل بالمغرب خلال الثلاث سنوات القادمة 2013-2016، والتي تتأسس بشكل خاص على تأهيل البنيات والتجهيزات والموارد البشرية لتحسين جودة الخدمات الوقائية والعلاجية والمخبرية، واعتماد المقاربة التشاركية بين مختلف القطاعات الحكومية والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية. وأقر البروفيسور الوردي في كلمته الافتتاحية لأشغال اللقاء الوطني الذي نظمته الوزارة بالرباط تحت شعار «جميعا معنيون بمكافحة داء السل»، والذي شارك فيه عدد من البرلمانيين وممثلي القطاعات الحكومية وخبراء بمنظمة الصحة العالمية، وفاعلون من المجتمع المدني ومهنيو قطاع الصحة، (أقر) بكل واقعية باستمرار تفشي داء السل في المغرب وارتفاع نسبة المصابين به، إذ بالرغم من الجهود التي تم بذلها خلال السنوات الأخيرة على مستوى الكشف عن المرض من طرف الوحدات الخاصة بالسل، إلا أن تفاعلات المرض مع المحددات غير الصحية خصوصا منها السوسيو- اقتصادية التي تساهم بشكل كبير في بقاء المرض، يقول الوزير، «تعرقل الجهود الكبيرة التي يبذلها المغرب للقضاء على هذا الداء الذي يصيب الساكنة الشابة التي يتراوح عمرها بين 15 و45 سنة». وأورد بهذا الخصوص معطيات تبرز مدى تفشي المرض، حيث أن المراقبة الوبائية التي يعتمدها البرنامج الوطني لمحاربة داء السل رصدت استمرار هذا الداء بنسبة تفوق 80 حالة جديدة لكل مائة ألف نسمة، وأن 70 في المائة من المرضى، 58 في المائة منهم رجال، و42 في المائة نساء، ينتمون للأحياء الهامشية لكبريات المدن كالدار البيضاء، سلا، فاس، طنجة وتطوان، وهي هوامش معروفة بكثافة ساكنتها وهشاشة أوضاعهم المعيشية. وأكد المسؤول الحكومي على ضرورة إبداع مقاربات جديدة تنبني على مبدأ التشاركية والالتقائية بين مختلف الأطراف المعنية بمكافحة الداء ومختلف مظاهرة الهشاشة والفقر، وذلك من أجل التوصل لسيطرة قوية على إشكالية السل بالمغرب، قائلا بهذا الخصوص على أنه بات من الضروري «إعداد خطة جديدة لمكافحة الداء تبني على مقاربات ومناهج متطورة تتناسب وشروط الحكامة الجيدة وجودة الخدمات العلاجية والوقائية مسايرة للتطور العلمي الذي يعرفه هذا النوع من التخصص مع الانفتاح على كل الفاعلين سواء منها القطاعات الحكومية أوغير الحكومية المعنية، بل وباقي برامج الحكومة التي تهدف إلى معالجة الفقر والتهميش وكل المبادرات الرامية إلى تكريس دولة الحق والقانون». وأوضح البروفيسور الوردي في تصريح لبيان اليوم، على أن خارطة الطريق التي سيتم إقرارها والتي تشكل أساسا للإستراتيجية الوطنية لمكافحة السل ستعتمد مجموعة من الأسس أبرزها الالتزام السياسي للحكومة بمكافحة هذا الداء، والاستمرار في الحفاظ على البرنامج الوطني لمكافحة السل ضمن أولويات الوزارة. وأكد على أن اعتماد المقاربة التشاركية من طرف الوزارة لمكافحة السل والتي توصي بها منظمة الصحة العالمية تعد أمرا أساسيا ضمن محاور خارطة الطريق سالفة الذكر، وذلك اعتبارا لطبيعة الداء الذي يرتبط انتشاره بالعوامل والظروف الاجتماعية والاقتصادية للمرضى، حيث يستوطن وبشدة في ضواحي المدن الكبرى والأحياء الهامشية ذات الكثافة السكانية العالية، بل ويرتبط بعوامل سوء التغذية والفقر والهشاشة الاقتصادية . لكن بالرغم من الجانب القاتم الخاص بمعطيات تفشي الداء، فإن المغرب من خلال البرنامج الوطني لمكافحة السل المبني على المجانية ولامركزية العلاج، والذي سيتم تطوير أساليب إدارته من خلال إقرار خارطة الطريق المشار إليها سالفا، تمكن من تحقيق تطور ملموس على مستوى الكشف المبكر تفوق نسبة 95 في المائة، ونجاح العلاج بنسبة تتجاوز 85 في المائة وذلك في ظل الإستراتيجية العلاجية قصيرة الأمد ذات الإشراف المباشر. وأفاد المسؤول الحكومي في هذا الإطار على أن البرنامج الوطني لمكافحة السل عمل على تنويع تدخلاته، إذ اعتمادا على نتائج التقييم الذي قام به تحت إشراف منظمة الصحة العالمية، تم تخصيص إمكانيات ووسائل إضافية تهم الحد من عبء داء السل المقاوم للأدوية والكشف عن داء فقدان المناعة المكتسبة عند مرضى السل. ومن جهته، قدم الخبير المغربي بمنظمة الصحة العالمية الدكتور عثماني، خارطة انتشار داء السل ببلدان العالم، حيث يتوزع 80 حالة إصابة بالداء على 22 بلدا، 60 في المائة منها بالبلدان الأسيوية، وفيما نسبة 38 في المائة يتقاسمها بلدا الصين والهند، في حين منطقة شرق حوض البحر الأبيض المتوسط والتي تم ترتيب المغرب في إطارها فإنها تشهد نسبة إصابة تصل إلى 7 في المائة. هذا وحذر الخبير الأممي من تفاقم انتشار داء السل المقاوم للأدوية، بل وتوسعه بارتباط مع وجود الظروف السوسيو اقتصادية، وانتشار بعض الأمراض المزمنة وبالأخص داء فقدان المناعة المكتسبة. أما الدكتور بحلاوي الذي قدم مختلف التصورات التي تحيط بالداء داخل المجتمع المغربي كمرض خطير ومعد، يتعرض المصاب به لشتى أنواع التهميش والتمييز والإقصاء، فقد أكد من جهته على أهمية اعتماد المقاربة التشاركية لمكافحة الداء، وتحسين ظروف عيش الساكنة، على اعتبار أن ارتفاع نسبة الإصابة يتمركز في هوامش المدن الكبرى التي تنعدم بها شروط عيش سليم، فالفقر وسوء التغذية والسكن غير الملائم وانعدام النظافة، كلها عوامل تساهم بشكل كبير في انتشار المرض وصعوبة الحد منه بل وتطوره إلى داء مقاوم للأدوية. ودعا إلى ضرورة تشجيع الطلبة الأطباء على اختيار التخصص في هذا المجال، على اعتبار أن عدهم حاليا لا يفوق 14 طبيبا متدربا بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء، هذا فضلا عن تشجيع البحث العلمي وتقديم الدعم لهيئات المجتمع المدني العاملة في المجال علما أن عددها جد محدود.