عاش إقليم أوسرد على إيقاع «مهرجان تيرس» في دورته الثالثة المنظمة على مدى ثلاثة أيام، تحت شعار «الثقافة الحسانية في خدمة الجهوية المتقدمة» محتفيا بذلك بمختلف تجليات هذه الثقافة ومراهنا على الفعل الثقافي كآلية من آليات صيانة الذاكرة الحسانية وتكريس الوحدة الوطنية والتنمية المستدامة في علاقتهما بالمكان والزمان والإنسان. ووسط حضور جماهيري كثيف جاء من مختلف جماعات الإقليم والجهة للاستمتاع بلحظات ثقافية وتراثية تروم من خلالها الجهات المنظمة المحافظة على الذاكرة الحسانية وإبراز جماليات الإرث الحضاري للمنطقة، أعطيت الانطلاقة الرسمية لهذا المهرجان بحضور وزير التربية الوطنية محمد الوافا، ووالي جهة وادي الذهب لكويرة حميد شبار وعامل اقليم أوسرد لحسن بولعوان رفقة عدد من المنتخبين والفعاليات الجهوية والمحلية ورؤساء المصالح وعدة شخصيات. وحرصت جمعية مهرجان تيرس للتنمية المنظمة للمهرجان بتعاون مع عمالة أوسرد والمجالس المنتخبة والمديريتين الجهويتين لوزارتي الثقافة والفلاحة بالفعل على أن تكون الكثير من أوجه الثقافة الحسانية حاضرة في فعاليات المهرجان في بادرة ترمي إلى التعريف بغنى وتنوع الانماط الثقافية الحسانية التي تعد مكونا هاما من مكونات الثقافة المغربية. واشتملت فعاليات المهرجان في جانبها التنموي على عرض مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية باقليم أوسرد الفتي بالإضافة إلى تدشين تهيئة الشارع الرئيسي بمركز أوسرد. والتقي على أرضية المهرجان الذي احتضنه مركز أوسرد الواقع على بعد حوالي 280 كلم جنوب شرق مدينة الداخلة قصائد الشعر والألعاب الشعبية والطرب والأهازيج الحسانية والألعاب الشعبية وسباقات الهجن في نسيج ثقافي يتوخى من خلاله المنظمون وفقا للكلمات التي ألقيت بالمناسبة واللوحات التراثية التي تم عرضها، إبراز معالم الثقافة الحسانية بمختلف تجلياتها مع الحرص على تجديد عمليات إحياء التراث الحساني والتعريف به. ومنحت الخيام المنصوبة والعروض والأنشطة المختلفة التي تنهل من الموروث الحساني المادي واللامادي، الفرصة لزوار المهرجان لاكتشاف كنوز من التراث الحساني تجمع بين البعدين الجمالي الذي يبهر العين والتراثي الذي يبعث على التأمل وأيضا الإعجاب. وقد انتصبت عشرات الخيام على فضاءات تحفها جبال داكنة اصطفت وكأنها على موعد، واتخذت كنسق جمالي لها شكل الخيام ذاتها المصنوعة من وبر الماعز، مشكلة لوحة تجمع بين جمال الطبيعة الأخاذ في هدوئه واتساع مداه، وبين مكونات تراثية غاية في جمالية الصنعة والإتقان طقوسا ولباسا وأشكال حياة مجتمعية ما زالت تتمسك بقيم البداوة في أصالتها وعفويتها وطيبوبة ناسها وفيض احترامهم لموروث ألفوا العيش بين تفاصيل ثقافته المبنية على الوحدة والقيم المثلى. ووجد العديد من السياح والضيوف الذين توافدوا على المكان ومن ضمنهم وفد من جزر الكناري يمثل أربع جمعيات اجتماعية وثقافية، طقوسا آسرة لم يألفوها، فراحوا يسجلون لحظاتها بكاميراتهم وآلات التصوير التي لم تهدأ توجه عدساتها لالتقاط كل تفاصيل المهرجان أثاثا ومتاعا وأزياء ومشغولات يدوية وأكواب شاي وخياما وطبيعة خلابة. وتضمن المعرض أجنحة تراثية متنوعة تلخص بعض أوجه التراث الحضاري الحساني ومختلف منتوجات الصناعة التقليدية بما فيها الأزياء التقليدية والزرابي والأواني والمسكوكات الفضية والمشغولات الجلدية والأدوات ذات الاستعمال الأساسي في حياة سكان الأقاليم الجنوبية للمملكة، فضاءات طبيعية ساحرة كمعصم تزين به مركز أوسرد جبال ذات ارتفاعات متوسطة كجبال بوكطاية وجحفون وبوكرمة وبوسرز وجبال كلابة تيرس التي تشبه إلى حد بعيد بتكويناتها وتشكيلاتها الطبيعية شكل الخيام الصحراوية. وبالإضافة إلى سباقات الهجن التي تستحضر ذاكرة تراث لا يزال يحتل شغاف القلب لدى الساكنة، أعطت ليالي المهرجان طعما خاصا لهذه التظاهرة، بحيث استقطب أداء مجموعة من الفرق الموسيقية من الداخلة واوسرد والأقاليم الجنوبية وفرقة غنائية من موريتانيا الشقيقة مئات المولعين بالأهازيج الحسانية التي صدحت على دقات الطبول وأنغام الآلات الوترية التي تجد فيها الساكنة المحلية متعة لا تضاهى. كما اشتمل برنامج هذه التظاهرة تنظيم مهرجان شعري تنظمه المديرية الجهوية للثقافة ضمن فعاليات المهرجان بمشاركة 26 شاعرا من الجهات الجنوبية الثلاث، جمعتهم جلسة شعرية تداولوا فيها أنماط الشعر في بوح شعري باللهجة الحسانية، صاحبته مقطوعات غنائية للفنان الموريتاني سيداتي ولد آبا الابن، مع تقاسيم آلة تيدينيت من أداء مواطنه سيدى أحمد ولد زيدان، وأمسيات فنية من إحياء فرق للموسيقى الحسانية فضلا عن ندوة حول «تجليات تيرس في الشعر الحساني» نشطها الناقد والباحث ابراهيم الحيسن. والتقت على موائد الشعر قصائد تغنى فيها نخبة من الشعراء من الجهات الجنوبية الثلاثة بقيم الوحدة وشيم البطولة والجهاد في سبيل تحقيق هذه الوحدة في مجال شكل مصدر الهام للشاعر الحساني فتغنى بمحاسنه وطقوسه ومآثره.