لجنة التحكيم ستجد نفسها أمام اختيارات صعبة على إيقاع التبادل والاقتسام تتواصل فعاليات الدورة الثانية عشر لمهرجان مراكش الدولي للفيلم بمدينة مراكش الحدث الفني والثقافي المتميز، تبادل التجارب السينمائية والإنسانية من خلال الكلمة والصورة وتبادل الحكايات التي تحيل على ثقافات إنسانية وأنماط حياة مختلفة ومتنوعة. فبعد إحدى عشر سنة قطعها المهرجان، وفي كل مرة كانت مدينة مراكش تتحول الى قطب جدب دولي للنجوم وصناع السينما العالميين، ويصير المهرجان على ما هو عليه الان عقب محطات أساسية عديدة، كرست أهميته وأعطته إشعاعا دوليا، كما ساهمت في التعريف بالمغرب عالميا، منذ الدورات الأولى، عبر تمرس تدريجي على أمور التنظيم وانتقاء الأفلام وتشكيل لجن التحكيم وغير ذلك من فقرات البرنامج العام. بعد 11 سنة من الاجتهاد والانفتاح والتطور، أن يكسب ثقة النجوم، ومضاهاة مهرجانات عالمية كبيرة. وعلى الرغم من صعوبة ارضاء كل الاطراف فان الكل من جمهور ونفاد وسينمائيين يجد ضالته في مهرجان مراكش، وحتى فئة الشباب من خريجي مدارس السينما تجد الدعم والتشجيع من خلال الدروس التي ما فتىء يلقيها دورة بعد أخرى مخرجون عالميون لهم باع طويل في الممارسة السينمائية. أما الجديد حقا هذه الدورة وهو أن مؤسسة المهرجان، اختارت فيلمين مغربيين للمشاركة في المسابقة الرسمية للفيلم الطويل، وهذه سابقة تنم حسب المنظمين عن تطور السينما المغربية في السنوات الأخيرة، حيث صار الفيلم المغربي يجول المهرجانات العالمية ويحرز بعض جوائزها ومع ذلك فانه لا يجب ان يمضي بنا الاعتقاد الى اننا صرنا في مستوى منافسة الأفلام المختارة للتنافس في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش التي تتضمن بعض أجمل وأرقى ما أنتجته دول لها باع طويل في مجال الفن السابع والفرق بين لا يحتاج إلى مزيد من التوضيح ولكن المشاركة وحدها الى جانب هذه الانتاجات هائلة الجودة يعد وحده مكسبا كبيرا، نتمنى ان يسفر عن تطور حقيقي في السنوات الأخيرة خصوصا مع الدعم الذي يستفيد منه على أعلى مستوى. هذا وتميزت المسابقة الرسمية هذه الدورة بعرض العديد من الانتاجات الممتازة من بينها شريط « شاحنة للمخرج الكندي رافاييل أوويلي هذا المخرج الذي حاز جوائز المهرجانات منذ تجاربه السينمائية الأولى ما ينم عن موهبته العالية وقدرته الكبيرة على الخلق والإبداع، ففي عام2007، نال فيلمه الروائي الأول «الأرز المائل»جائزة الجمهور في ملتقى السينما بالكيبيك، فيما شارك فيلمه الثاني «ورائي» في المسابقة الرسمية لمهرجان سان سيباستيان عام2008، أما في العام الموالي، فقد اختير فيلمه «الدانمارك الجديدة»، الذي أنتجه بنفسه، للعرض في مسابقة مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي. وهاهو الان يقدم فيلمه الاخير أمام لجنة تحكيم الدورة أملا في الحصول على احدى نجمات مراكش الدولي. ويحكي أوويلي في فيلمه «شاحنة»، قصة ذلك الأب الذي يحاول إعادة بناء حياته وأبنائه، الذين من خلال سعيهم لمساعدته في تحقيق مبتغاه، يضطرون للعودة إلى الأصل، رغبة في إظهار الجانب الهش والمرهف في تشكيل شخصية الإنسان والذي قد يؤدي إلى فقدانه الثقة في النفس. ويسلط الفيلم الضوء على الجانب الأكثر جمالا وقوة وصدقا، في هذه المنطقة، ريف الكيبيك، التي تعيش من الغابة وتحاول اليوم البحث عن هويتها. بطل الفيلم، سائق شاحنة متمرس يدعى جيرمان، يملك هذا الأخير تجربة مهنية طويلة، لكن حياته ستنقلب رأسا على عقب، وهو يحس وكأن العالم انهار من حوله عندما تورط في حادثة سير تسببت في وفاة امرأة. وجد جيرمان نفسه أمام قدر مرير، يخالجه شعور بالذنب والندم، الشيء الذي أفقده الشجاعة للجلوس مجددا خلف عجلة القيادة، ما أغرقه في حالة من الاكتئاب. نفسية جيرمان الأب، أقلقت ابنه الأصغر، الشيء الذي جعل هذا الأخير يقرر تعليق عمله كحارس في مونتريال، ليذهب بحثا عن شقيقه الأكبر آلان، في نيو برونزويك على أمل العودة معا لمسقط رأسهما لمساعدة والدهما. كما تم عرض فيلم «ليلة واحدة» للمخرجة البريطانية الشابة لوسي مولوي التي تكشف من خلال هذا العمل عن موهبة كبيرة وهي تحكي عن الشباب المحبط في مجتمع كوبي يعاني من اختلالات اقتصادية واجتماعية ولا يلبي احتياجات مواطنيه. ازدادت لوسي مولوي عام 1979 بلندن، وتابعت دراستها في السياسة والفلسفة والاقتصاد بجامعة أكسفورد. تخرجت من مدرسة السينما في جامعة نيويورك وحصلت على ترشيح لجائزة الأوسكار للطلاب. ويرصد فيلم مولوي معاناة المعيش الصعب لشباب كوبا، الشباب المغمور بالأحلام، لكن المحبط بالصعوبات والمختنق في محيط اقتصادي واجتماعي لا يلبي الاحتياجات والتمنيات. وبغض النظر عن مطبات التجربة الأولى من حيث الكتابة السردية أو تلك المرتبطة بالمعالجة الفنية للموضوع، أبانت لوسي مولوي عن قدرة مثيرة للانتباه على التسلل الى عوالم ذهنية مغايرة وإدارة ممثلين كوبيين، في غالبيتهم، غير محترفين. غير أن الفيلم لا يخلو من تكريس كليشيهات حول أوضاع الشباب في بلد مثل كوبا، تتجاور فيه حالة الضياع التي يحياها الشباب مع أجواء دولة بوليسية، تستدر العملة الصعبة التي يوردها السياح الغربيون، وتدير ظهرها لاحتياجات أبنائها. هي قصة مجتمع كوبي يتخبط في اليأس، يحلم راوول بحياة جديدة في ميامي. لم يعد له خيار سوى مغادرة هافانا خاصة بعد اتهامه بالاعتداء على سائح أجنبي. لذلك طلب من أفضل أصدقائه إليو، أن يترك كل شيء جانبا وأن يساعده في الوصول الى شواطئ العالم المحظور الواقعة على بعد 145 كلم في الجهة الأخرى للمحيط. لكن إليو حائر بين رغبته في حماية شقيقته التوأم أو مغادرة البلاد. فيلم جميل مفعم بالمشاعر ويحتفظ بحظوظ قوية للمنافسة. ويجدر بالذكر أن الدورة 12 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش ، مساء يوم الأحد الماضي بتجربة سينمائية فريدة جسدها المخرج الصيني زهانغ ييمو، الذي قدم للفن السابع باقة من الأفلام تعكس رؤية إخراجية مراهنة على جماليات الصورة في المقام الأول. وقال كوستوريتشا «حينما شاهدت حفل افتتاح الألعاب الاولمبية ببكين (التي أشرف عليها فنيا زهانغ ييمو) عرفت أن القرن الواحد والعشرين قد بدأ بالفعل»، في إشارة منه الى قوة التخييل الإبداعي لمخرج «عملية جاغوار». حصدت أفلام زهانغ ييمو العديد من الجوائز الدولية. ففيلم «جو دو» هو أول شريط صيني يرشح لنيل جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي سنة 1990، وفيلم «زوجات وخليلات» نال الأسد الفضي في مهرجان البندقية السينمائي لسنة 1991، كما رشح بدوره لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، وفيلم «كيو جو، امرأة صينية»، فاز بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي في العام 1992، كما حقق فيلم «عيش» جائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان كان للعام 1994، وفي سنة 1999 نال فيلم « ولا واحد أقل « جائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي، ليحقق في السنة الموالية «طريق المنزل» جائزة الدب الفضي وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان برلين السينمائي.