كشفت الجولة الملكية الأخيرة في بعض البلدان الخليجية والأردن، وأيضا مناقشات الحوار الاستراتيجي المغربي الأمريكي التي كانت قد جرت في واشنطن قبل ذلك، واللقاء المغربي الإسباني عالي المستوى الذي كانت احتضنته الرباط، عن قناعة مترسخة لدى أطراف دولية وإقليمية عديدة بالأهمية الإستراتيجية للاندماج المغاربي، أي أن يستعيد النظام الجزائري وعيه، ويحسن الإنصات لتحولات المنطقة والعالم، ولمطالب وانتظارات الشعوب، وضمنها الشعب الجزائري. واليوم، مع انطلاق جولة جديدة لكريستوفر روس في المنطقة، وتواصل مباحثاته في المغرب حول النزاع المفتعل في الصحراء، فإن كل التحاليل والآراء تقف عند ذات المعطى، أي أن المشكل الحقيقي موجود في الصمم الذي يعاني منه النظام الجزائري. ولهذا، فلم يكن بلا معنى إصرار جلالة الملك، أثناء استقباله في الرباط للمبعوث الأممي روس، على تأكيد تشبث المملكة الدائم بإرساء علاقات أخوية ونموذجية مع الجزائر، معتبرا ذلك لبنة أساسية لبناء مغرب كبير موحد، في ظل مناخ إقليمي يشهد تطورا مستمرا، ويطبعه على الخصوص تنامي التهديدات الأمنية بمنطقة الساحل والصحراء. وبدوره لم يغفل كريستوفر روس، في تصريحه البروتوكولي الاعتيادي الذي أدلى به عقب استقباله من طرف جلالة الملك، التأكيد على أنه يريد حلا للنزاع يجعل من الممكن إكمال بناء الاتحاد المغاربي، وتعزيز الأمن والاستقرار في شمال إفريقيا والساحل. وعليه، فمرة أخرى يتأكد أن الحل لا يوجد لدى القيادة المتنفذة في تيندوف، وإنما في قصر المرادية بالجزائر، وهنا بالذات يجب أن يبحث الديبلوماسي الأمريكي عن الحل، ويختبر مهاراته الديبلوماسية والتفاوضية، لأنه من دون تغيير النظام الجزائري لعقليته العتيقة، ولحساباته المتوهمة، فإن الدوران سيستمر في الفراغ، وبأن البدايات ستعاد في كل مرة بلا فائدة. كريستوفر روس هذه المرة، التقى في الرباط وفي العيون شخصيات سياسية ومدنية غير حكومية، ولم يقدم له المغرب أسماء أو لوائح، وإنما هو من أعد القائمة، وهو من تولى الاتصال بالمعنيين بالأمر، برغم كثير حديث يمكن أن يقال عن بعضهم، وعن تمثيليتهم وحقيقة ما يمتلكونه من رأي في الموضوع، ولكن الأساس أن المقاربة نفسها يجب أن يعتمدها روس لدى وصوله إلى تيندوف أو الجزائر، حيث عليه أن يلتقي أيضا بأصوات تخالف الموقف الرسمي هناك، ويتولى هو اختيار الأسماء وأماكن اللقاء، تماما كما فعل هنا في الرباطوالعيون، وليس كما فعلت رئيسة مؤسسة كنيدي عندما زارت المغرب مؤخرا. وفي المجمل، فإن مباحثات روس ومنهجيته الجديدة سيتم اختبار صدقيتهما ونجاعتهما من خلال ما سيكشف عنه من استنتاجات لاحقا، ومن خلال التقرير الذي سيقدمه أواخر الشهر الجاري في نيويورك. أما بالنسبة للجزائر، فإن ما تشهده المنطقة العربية من تحولات وأزمات، وما تعانيه شمال إفريقيا والساحل من مخاطر وتهديدات، وأيضا ما يطرح على البلدان المغاربية اليوم من تحديات تنموية وأمنية وإستراتيجية، كل هذا يفرض عليها تجاوز حالة الصمم، والمبادرة إلى فتح البصر والبصيرة عما يشهده العالم من تحولات، والعمل من أجل تمكين شعوب المنطقة من فضاء تنموي واقتصادي مشترك، بإمكانه تحقيق التقدم والأمن والاستقرار والحرية لشعوب المنطقة.