السياسة العامة للحكومة بشأن الوضعية الاقتصادية والمالية ببلادنا فيما يلي نص المداخلة التي ألقاها النائب كريم الزيادي باسم فريق التقدم الديمقراطي خلال الجلسة الشهرية الثالثة المنعقدة بمجلس النواب يوم الاثنين 13 غشت الجاري المخصصة لأجوبة رئيس الحكومة على أسئلة النواب فيما يخص السياسة العامة للحكومة بشأن الوضعية الاقتصادية والمالية ببلادنا. بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين السيد الرئيس، السيد رئيس الحكومة، السيدة الوزيرة، السادة الوزراء، زميلاتي زملائي النائبات والنواب، بدورنا في فريق التقدم الديمقراطي نساهم في هذا النقاش المهم والعميق الذي يهم وضعية اقتصادنا الوطني في ظل الأزمة العالمية والتدابير الحكومية الرامية إلى تجاوز الظرفية الاقتصادية الصعبة التي تجتازها بلادنا وتحقيق مناعته، وهي الإجراءات التي استمعنا إلى تفاصيلها قبل قليل على لسان السيد رئيس الحكومة. الوضعية المقلقة إذن حقيقة. ومعالمها أصبحت واقعية ولا أحد يمكنه إخفاؤها، ونسجل هنا للحكومة شجاعتها، عندما أخبرتنا في إطار اجتماع خاص للجنة المالية خلال الأسبوع الماضي بواقع الظرفية الاقتصادية التي يمر منها الاقتصاد الوطني، وهي ظرفية نتفق جميعا على صعوبتها، وتتطلب منا الاجتهاد والإبداع، كل من موقعه، للخروج منها بسلام. المفروض علينا اليوم أن نكون إيجابيين أكثر، فالوطن ليس إلا سفينة واحدة هي ذاتها التي تقل الجميع، وعلينا أن نحرص معارضة وأغلبية على بلوغها بر الأمان وعلينا كبرلمان أن نترك مواقعنا السياسية جانبا، ونبلور أفكارا ومبادرات تجعلنا بحق قوة اقتراحية تساعد الحكومة على تجاوز الظرفية الاقتصادية الصعبة. بما يجنب وطننا العزيز مخاطر أزمة مالية اقتصادية في المستقبل. والحكومة من جانبها، يجب عليها أن تكون أكثر إبداعا وألا ترضخ إلى الحلول السهلة والجاهزة والمتفرقة، واسمحوا لنا أن نحيي الحكومة على المجهودات التي تبذلها بشكل تشاركي من أجل بلورة الحلول والإمكانيات المتاحة من أجل تجاوز هذه المطبات الاقتصادية. المشاكل الاقتصادية، أيتها السيدات أيها السادة، تنشأ نتيجة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، التي تسببت في انخفاض معدل نمو وتيرة تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، وانخفاض عائدات السياحة والصناعة التقليدية، وكذا الاضطراب الملاحظ على عائدات التجارة الخارجية. ناهيك، داخليا، عن تداعيات السنة الفلاحية الصعبة التي عشناها بألم كبير هذا الموسم، وارتفاع كتلة الأجور، وتكلفة الحوار الاجتماعي، والمشكل الكبير «صندوق المقاصة»، وهذه أمور تعرفونها جميعا. ويمكن لبلادنا على الرغم من ذلك، أن تتجاوز الصعوبات الراهنة باعتماد اختيارات سياسية مستقلة، والقيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية ورد الكثير منها، بل جلها، في البرنامج الحكومي الذي نذكر مجددا بوجوب تنفيذه بكل عقلانية وبتدابير وإجراءات ملموسة في إطار مقاربة تشاركية، شمولية واستراتيجية. وما دمنا بصدد الحديث عن البرنامج الحكومي، فلا بأس من التأكيد مجددا على أهمية ما تضمنه من قبيل: إصلاح منظومة الأجور والنظام الجبائي في اتجاه أكثر عدالة، وإصلاح نظام الحكامة، مع محاربة كل أشكال الفساد التي تطال العديد من القطاعات الحيوية والإستراتيجية برؤية شمولية مستقبلية، ووضع حد لاقتصاد الريع بإجراءات ملموسة، وتحسين مناخ الاستثمار برفع كل الحواجز والعراقيل لتوفير فرص الشغل مع السهر على احترام حقوق الشغيلة والفئات المنتجة. السيد الرئيس، السيد رئيس الحكومة. السيدة الوزيرة، السادة الوزراء، زميلاتي زملائي النائبات والنواب، لاشك أن كسب رهان الحكامة سيمكننا من كسب نقاط في نسبة النمو، لذا ينبغي لعمليات الافتحاص والمراقبة القبلية والبعدية أن تتم بشكل دوري ومستمر وعادي من طرف الأجهزة والمؤسسات المختصة، وأن تتعود الإدارات والمؤسسات العمومية عليها، دون أن يتسبب ذلك في نوع من «التخويف المبالغ فيه للمسؤولين»، وفي عرقلة السير العادي للإدارة، أو يكبلها بإجراءات بيروقراطية تعيق تنفيذ الميزانية وإنجازا لمشاريع وفق الأجندة الزمنية المقررة. وعلينا جميعا اليوم بذل المزيد من الجهد لتكييف القوانين مع روح الدستور الجديد وما تضمنه البرنامج الحكومي في هذا الباب. نحن جميعا ضد الفساد بكل أشكاله وأنواعه انطلاقا من موقعنا في الأغلبية الحكومية، نحن مع الحكامة الجيدة، وتخليق الحياة العامة ومحاربة الرشوة، لكن المبالغة والإطناب في خطاب محاربة الفساد سيف ذو حدين، إذ من شأنه رسم صورة قاتمة وسوداوية عن مناخ الاستثمار في بلادنا، وينفر عنا المستثمرين الأجانب الذين قد يتخوفون، أو يعتبرون الأجواء غير مطمئنة. لذا، ورغبة في إنعاش وتصفية مناخ الاستثمار ببلادنا العزيزة، نعتبر أن محاربة الفساد، تتم بالاتفاق على إجراءات وتدابير عملية ملموسة ووفق مقاربة شمولية وإستراتيجية، مستقبلية بالأساس، بعيدا عن المزايدة السياسية، وطبقا لمقتضيات الدستور ومضامين البرنامج الحكومي. ستجدوننا معكم، نساندكم، وندعمكم متى بلورتم هذه الإرادة إلى إجراءات ملموسة متفق بشأنها، وبرؤية مستقبلية بالأساس كما سبق الذكر. كما أن السرعة بدون تسرع في الإنجاز، أصبحت في وقتنا الراهن عنصرا حاسما لربح الرهانات، واتخاذ القرارات الصائبة في وقتها المناسب دون تأجيل، ما يعطي الإشارة على يقظة الحكومة ووعيها بالإشكاليات الأساسية التي يعيشها المواطنون. فإرجاء حل المشاكل لربح الوقت، لم يعد أمرا مجديا، بل إن الاستباق هو الذي يجب أن يكون سيد الموقف ليس فقط في الأوقات الصعبة، ولكن أيضا في أزمنة التقدم والرخاء. وبطبيعة الحال نحن نثمن حصول الحكومة على خط ائتماني وقائي من طرف صندوق النقد الدولي بقيمة تعادل 6.2 مليار دولار أمريكي، وهذا يدل على ثقة المؤسسات المالية الأجنبية في الاقتصاد الوطني، ومن حقنا في فريق التقدم الديمقراطي أن نتساءل عن الصور المحتملة لاستخدامها الخط الائتماني، ونثير اهتمام الحكومة إلى ضرورة العمل على أن يتم استغلاله في أمور تتعلق بالاستثمار. وفي سياق متصل، نتساءل أيضا: أليس في إمكان الحكومة بحث خطوط ائتمانية على مستويات دولية أخرى؟ ومن دون أن نشك أو نشكك في مصداقية تعامل البنك الدولي مع بلادنا، إلا أننا نتخوف رغم ذلك على رهن طموحات الأجيال القادمة في قروض بشروط تضر بمصالحنا الوطنية. وفي المقابل، لا بأس من التفكير في طرق أخرى يمكنها أن تضمن لبلدنا الدعم اللازم، في هذه الظرفية الصعبة. مسألة أخرى لا بد من الوقوف عندها، وتتعلق بتراجع مستوى الاحتياط الوطني من العملة الصعبة التي لا تتجاوز 3 أو 4 أشهر، وعلينا حالا ضمان معالجة هذا الأمر والحيلولة دون استفحاله. ونعتقد أن تحقيق ذلك لن يتأتى إلا من خلال تحسين العرض التصديري الذي يجب أن ينطلق من تسريع وتيرة إنجاز المخططات الإستراتيجية خاصة منها تلك الموجهة إلى التصدير (المخطط الأخضر – مخطط إميرجونس..)، وتحسين تنافسية المنتوج المغربي، وتحصين الأسواق المغربية والبحث عن أسواق جديدة، وتطوير النظام المغربي لتأمين الصادرات والاستثمارات. الأمر يستدعي أيضا، السيد رئيس الحكومة المحترم، الحد من تنامي وثيرة الواردات، خصوصا منها تلك الموجهة للمشاريع العمومية، وحماية المنتوج الوطني، ومراجعة شروط التموين الطاقي والنجاعة الطاقية.. أما على المستوى الداخلي، فإن الخروج من الأزمة يقتضي عدم التردد ولو للحظة في محاربة الفساد واقتصاد الريع، وإن كنا نطالب بأن يتم ذلك وفق مقاربة شمولية وواضحة المعالم والأهداف، وإصلاح القضاء والإدارة، البوابة الأولى لكل المستثمرين، والتعجيل، كما قلنا، بإصلاح النظام الجبائي الذي تأخر كثيرا وهي خطوة نعتبرها من وجهة نظرنا مدخلا أساسيا لكل إصلاح. الموضوع يتطلب إذن اتخاذ إجراءات شجاعة والإقدام على إصلاحات بنيوية قوية ومؤثرة لمعالجة هذه الوضعية الصعبة. والظرفية الاقتصادية في نهاية المطاف هي فرصة متميزة، لمن يتقنها، للقيام بالإصلاحات الحقيقية الكبرى التي تتطلبها بلادنا، إذا عرفنا أن مثل هذه الإصلاحات نادرا ما تحدث في فترات الرخاء والازدهار. ومهما يكن من أمر، على الحكومة أن تستمر في شجاعتها وإقدامها، لكن بحذر، وفي رأينا ينبغي تفادي أي قرارات معزولة دون دراسة تبعاتها غير المتوقعة من قبيل التقشف الذي يمس بالمصالح الحيوية للمواطنين. نعم. عليها أن تواصل العمل بالإيقاع المطلوب من أجل بلوغ أهداف البرنامج الحكومي الذي صادقنا عليه وتبنيناه. الموقف اليوم، حرج فعلا، ولاشك أنكم لاحظتم بأننا لم نستعمل مصطلح «الأزمة» لأننا نعتبر أننا لم نصل إلى درجة اعتبار ما نعيشه «أزمة»، هي وضعية اقتصادية ومالية صعبة بالتأكيد، لكن هذا لا يعني بأن بلادنا بعيدة عن خطر أزمة حقيقية تهدد اقتصادها. والوضعية الصعبة التي نعيشها حاليا، لن نتغلب عليها إلا بالجدية في العمل والصدق فيه. وفريقنا، السيد رئيس الحكومة، يجدد فيكم الثقة، ويدعوكم إلى مواصلة ما بدأتموه، سلاحكم في ذلك، هو مزيد من الثقة في قدرات بلادنا بنسائها ورجالها على تحقيق مزيد من التقدم والنماء، وكما استطعنا أن نتجاوز أزمات أعمق من هذه، لنا اليقين بأن الصعوبات الاقتصادية الحالية سيتم التغلب عليها، بفضل قوة إرادتكم واستماتتكم في الدفاع عن المصالح العليا للوطن . وفقكم الله، ووفقنا جميعا.. لما فيه خير لبلدنا ولشعبنا «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون». صدق الله العظيم