أجمع ممثلو أحزاب اليسار بالمغرب أن وحدة اليسار أصبحت ضرورة ملحة وتاريخية من أجل تحصين الهوية اليسارية، وترسيخ النضال الديمقراطي الذي يرتكز على مشروع مجتمعي. بالرغم من أن كل مكون من مكونات اليسار الخمسة، يرى توحيد اليسار من جانب مغاير، ولكنها تتقاسم مرجعيات ومبادئ أساسية فيما بينها. وبينما اعتبر سعيد الفكاك، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، في مداخلته، خلال ندوة «اليسار.. الآن» التي نظمتها الكتابات الإقليمية لأحزاب تحالف اليسار الديمقراطي ليلة أول أمس بالرباط، أن وحدة اليسار شكلت موضوع لقاءات ونقاشات بين العديد من المكونات على مدى 20 سنة دون إحراز أي تقدم، وبالتالي فإن الواقع يفرض الآن وباستعجال البحث عن آفاق جديدة للعمل الوحدوي، أكد حسن طارق، النائب البرلماني وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على ضرورة إعادة التفكير في الوحدة، مع الإقرار بتعددية اليسار بالمغرب، والحاجة إلى إعادة تعريف اليسار على ضوء المرحلة السياسية التي تعرفها البلاد. في الوقت الذي أقصى الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي، مصطفى البراهمة، الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية من أي مشروع لتوحيد اليسار بالمغرب، وحدد مصطفى الشافعي، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد الروابط التي تحدد وحدة اليسار، والتي من شأنها أن تساعد على صياغة أجوبة للانتظارات الكبرى لتوحيد اليسار. نائب الكاتب العام لحزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي، على بوطوالة، أبرز أن تشثت مكونات اليسار يؤثر على مصداقية خطابها، محذرا من النتائج الوخيمة التي قد يتعرض لها المغرب في حال فشل توحيد اليسار، وفي نظر عبد السلام العزيز، الكاتب العام للمؤتمر الوطني الاتحادي فإن المرحلة تفرض على مكونات اليسار، أكثر من أي وقت مضى اتخاذ قرارات شجاعة والتخلي عن ذاتيتها، والانطلاق من تحليل الواقع من أجل إعادة بناء اليسار الجديد. وقال الفكاك إن غياب التنسيق بين جميع المكونات اليسارية جعل مشروع الوحدة يتعثر منذ حوالي 20 سنة التي دامها النقاش حول هذا المشروع. ودعا في نفس الوقت إلى قيام كل الأحزاب المنتمية لليسار بنقد ذاتي، حول ما قامت به من أجل توحيد مكونات اليسار، ولمعرفة وزنها الحقيقي سواء تنظيميا أو انتخابيا. وشدد الفكاك على أن المغاربة على اختلاف مستوياتهم وفئاتهم يريدون حلولا لمشاكلهم اليومية، وبالتالي فإن الجميع، في تقديره، يحلم بمغرب الديمقراطية والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية. وأعلن الفكاك أن التحالفات والعمل الوحدوي شكلا دائما محور الشعارات التي رفعها حزب التقدم والاشتراكية، وعمل على إنضاج شروطها مع حلفائه من الأحزاب اليسارية الأخرى. وتساءل الفكاك عما إذا كانت هناك طريقة أخرى لممارسة العمل السياسي خارج إطار المؤسسات، وما هي طبيعة اليسار الذي يريده المغرب. وخلص إلى أن المقاربة الإدماجية في وحدة اليسار لن تجدي شيئا، وقد أثبتت استحالتها، ويظل خطاب التنسيب في رأيه هو الأقرب إلى توحيد مكونات اليسار. ويتفق حسن طارق إلى حد بعيد مع سابقه في التأكيد على أنه لا وجود لمستقبل لليسار إلا داخل المؤسسات، دون أن تكون له قطيعة مع الشارع والحراك الجماهيري. وقال عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إن اليسار اليوم أصبح ضرورة تاريخية وبنيوية، فالمغرب في حاجة إلى إعادة تعريف اليسار، بفعل وجود دينامية مجتمعية اليوم اسمها «شعب اليسار» الموجود داخل المجتمع، والعمل على تحويل هذه الطاقات إلى قوة سياسية وانتخابية. وذكر حسن طارق أن النقاش حول توحيد اليسار بالمغرب انطلق منذ 2007، بمبادرات ميدانية بين الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية والحزب الاشتراكي الموحد، بعد أن تبين أن البلاد دخلت في أزمة سياسية، وهذه المبادارت هي التي شكلت تفاعلا في تشكيل المشهد السياسي بالمغرب. وشدد على أن اليسار بالمغرب اليوم لازال يواجه التحكم وبقايا النزوع السلطوي، وقوة ذات نفوذ مجتمعي قوي، متمثلا في الاتجاه المحافظ. وخلص حسن طارق إلى أنه بات من الضروري إعادة التفكير في الوحدة، وفي نفس الوقت الإقرار بتعددية اليسار بالمغرب، والتركيز على نقط الالتقاء لا على نقط الاختلاف، والتفكير بأن الوحدة ليست وحدة أجهزة، بل ترتبط بإعادة بناء شامل لمشروع مجتمعي، ونبه إلى أنه «لا يمكن لأحد أن ينصب نفسه جمركيا لمنح حق الانتساب إلى اليسار أو لا. في إجابة على الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي، مصطفى البراهمة، الذي نزع عن الاتحاد والتقدم والاشتراكية صفة الانتساب إلى أسرة اليسار. وحدد الشافعي ست روابط من شأنها توجيه النضال الديمقراطي وإيجاد أجوبة لموضوع وحدة اليسار، أولها تصور كل مكون لكيفية بناء الديمقراطية، وثانيها طبيعة الممارسة السياسية في ظل الصراع على بناء الديمقراطية، وثالثها طبيعة الإطار السياسي لممارسة الوحدة، ورابعها تحرير الفكر من اليقينية وتقوية بعد التنسيب في الخطاب السياسي للأحزاب اليسارية، وخامسا النقد الذاتي والداخلي والخارجي، ثم أخيرا البحث في الوعي الحاصل لدى المواطنين حول الديمقراطية.