ينشد شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع المدني تتزايد حدة موجة السخط والغضب التي أعلنتها مكونات المجتمع المدني على إثر إصدار الحبيب الشوباني الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني لمنشوره الشهير المتعلق بتصور جديد لتأطير العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، واعتبرت مكونات «نداء الرباط»، والتي تضم أكثر من 400 جمعية بأن المنشور سالف الذكر يعد بمثابة محاولة لإضعاف المجتمع المدني ونوع من فرض الوصاية على هيئاته بل وضرب للمسلسل الديمقراطي برمته ومسار الحداثة الذي يتلمس المغرب طريقه. وأكد يوسف لعرج، عضو الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، العضو بلجنة متابعة نداء الرباط، على أن حكومة بنكيران لا تأخذ بعين الاعتبار، حين إطلاق مبادراتها اتجاه المجتمع المدني، المضامين الجوهرية التي يحملها الدستور الجديد، وأنها تحاول الانفراد بالقرارات السياسية وتغييب فاعلي المجتمع المدني الذين اعترف بهم الدستور الجديد كشريك رئيسي في بلورة السياسات العمومية وتفعيلها وتقييمها مركزيا وجهويا ومحليا. وأوضح المتحدث أن المنشور يستشف منه سوء النية اتجاه المجتمع المدني، ففضلا عن روح التحكم والوصاية التي تريد إعمالها وزارة الشوباني والتي تبدو بشكل جلي من خلال استعمال صيغة «ضبط الجمعيات» في المنشور، فإنه تم تحديد ميادين العمل في المجالات الخيرية، إذ حاولت الوزارة بذلك تقزيم دور المجتمع المدني وجعله أداة منفذة للبرامج الحكومية واختزال علاقته مع الدولة في الجانب المالي. ومن جانبه انتقد مصطفى بوحدو، عضو الفضاء الجمعوي، النهج الذي تسلكه الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان والمتجمع المدني، والتي منحت لنفسها سلطة الوصاية على المجتمع المدني ولم تجرؤ على القيام بذلك اتجاه البرلمان، مبرزا أن مكونات المجتمع المدني حين الإعلان عن التشكيلة الحكومية كانت قد أعطت تفسيرا إيجابيا لاختصاصات هذه الوزارة معتقدة أنها ستكون وسيطا بين المجتمع المدني والبرلمان بل والسلطة التنفيذية، خاصة على مستوى مقترحات القوانين والقضايا الأساسية، لكن مكونات المجتمع المدني فوجئت بروح الهيمنة التي سيطرت على هذه الوزارة . وأضاف أن ذلك يظهر بشكل جلي من خلال المنشور سالف الذكر، والعمل على محو الذاكرة الجمعوية المغربية، فضلا عن الظرف الزمني الذي تم اختياره لإصداره والذي يتزامن مع ظروف العطلة حيث كانت الوزارة تتوسم من وراء ذلك أن يمر دون أن يثير الانتباه، مبرزا أن ذلك ينم عن غياب استراتيجية واضحة المعالم لدى الحكومة للرقي بالعمل الجمعوي وتثمين تراكماته. ومن جهته انتقد عبد الحكيم الشافعي رئيس الفضاء الجمعوي العضو بلجنة نداء الرباط، تقمص الوزير الحبيب الشوباني لدور النيابة العامة وإطلاقه في العديد من التصريحات اتهامات بالفساد اتجاه المجتمع المدني، عبر استغلال المعطيات التي تتوفر عليها الأمانة العامة للحكومة حول التمويل والتي لم يكن مصدرها بالأساس سوى التصريحات التي تقدمها الجمعيات ذاتها، يشير المتحدث. واعتبر الأمر بأنه محاولة لخلط الأوراق حين الحديث عن التمويل الخارجي والريع ورخص لاكريمات والتشكيك في مصداقية العمل الذي تقوم به الجمعيات، في حين أن هناك جمعيات لها علاقة بلون سياسي معين تلجأ إلى الإحسان العمومي خارج القانون وتأتيها التمويلات من الخليج ودول أخرى، ولا يتم تصنيفها ضمن الجمعيات الفاسدة. وشدد المتحدث على أن هيئات المجتمع المدني خاصة جمعيات الصف الديمقراطي كانت سباقة إلى إثارة قضايا الفساد، وهي ضد الفساد أيا كان مصدره أو لونه السياسي، مذكرا في هذا الصدد بمجموعة من المراسلات التي تم توجيهها منذ سنوات إلى الحكومات والبرلمانات السابقة والتي طالبت فيها بإعمال الشفافية في التمويل والحكامة والمحاسبة، مبرزا أن «نداء الرباط» ليس ضد حكومة من لون معين ولكن ضد محاولات إقرار نهج للاشتغال يحيد عن مفهوم الشراكة الحقيقية. وقال الشافعي إن الممارسات والتصريحات الصادرة عن بعض الوزراء تشتم منها رائحة تصفية حساب إيديولوجي، خاصة وأنه يتم تسليط الضوء على صنف معين من الجمعيات التي ساهمت في إطلاق دينامية متميزة حول عدد من القضايا التي ترتبط بالبناء الديمقراطي للمغرب، والتي كان من نتائجها دسترة قيم حقوق الإنسان ومأسسة آليات حمايتها والمساواة وترسيم الأمازيغية ومواصلة النضال من أجل إعمال الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكسر جدار الصمت عن العديد من الطابوهات... وأكد المتدخل على أن حكومة بنكيران ستكون الرابح الأكبر في حال قررت الانفتاح على المجتمع المدني والتعامل معه في إطار شراكة مبينة على المساواة وليس على روح الهيمنة والوصاية، بل سيكون هذا المجتمع المدني حليفا استراتيجيا لها، داعيا الحكومة إلى تجاوز هذه المنهجية التي أطلقتها في تعاطيها مع قضايا الحركة الجمعوية لكونها تصنف خارج المقاربة التشاركية وبعيدة عن مضامين وروح الوثيقة الدستورية. كما دعا في ذات الوقت إلى فتح حوار وطني جدي مع المجتمع المدني للنهوض بأدواره ودعم استقلاليته كفاعل دستوري في التنمية الديمقراطية، مشيرا إلى «أن تجارب الدول الديمقراطية المتقدمة تؤكد بأن الديمقراطية تبنى بتضافر والتقائية الجهود الرسمية وجهود المجتمع السياسي وكذا المجتمع المدني وغيره من القوى الفاعلة، محذرا من أن أي إقصاء أو إضعاف لأي لبنة من تلك المكونات لن يؤدي إلا إلى إضعاف جسم الدولة ككل، وبالتالي إلى ضرب المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي الذي يحتل فيه المجتمع المدني والمواطن والمواطنة دورا رياديا».