يقولون إنني رياضية محظوظة، لكن الحظ لا يمثل إلا نسبة واحد في المائة في مسيرتي الناجحة مارست ألعاب القوى حافية القدمين، وفزنا بذهبيتين أولمبيتين تحت إشراف جامعة لا تتعدى ميزانيتها السنوية 60 ألف دولار نوال المتوكل النائبة الأولى لرئيس اللجنة الاولمبية الدولية، منصب لم يسبق أن وصلته أية سيدة من قبل، فما بالكم بامرأة مغربية، عربية، إفريقية مسلمة، تمكنت من الوصول إلى أعلى المراتب، إلى درجة جعلت أوساط الرياضة الدولية ترشحها لتعويض البلجيكي جاك روغ، على رأس (السيو). نوال تمكنت بما وصلت إليه، من تغيير واقع الحركة الأولمبية الدولية، هذه الحركة التي كانت تنظر للمرأة نظرة دونية، لكنها كرست بالفعل بفضل طموحها الشخصي، التحولات العميقة التي أصبح تعرفها إمبراطورية الرياضة الدولية. خلال حفل افتتاح الجناح المغربي بالقرية الإفريقية هنا بالعاصمة البريطانية لندن، كان لنا لقاء مع البطلة الأولمبية السابقة، والوزيرة السابقة، تحدثت لنا عن منصبها الجديد، والتحول الذي عرفته مسيرتها من رياضية متقاعدة، إلى واحدة من أعمدة التسيير الرياضي على الصعيد الدولي، وكما ستلاحظون فاسترسال نوال في الحديث جعلنا في غنى عن طرح المزيد من الأسئلة، حيث جاء الحوار انسيابيا، تلقائيا، عفويا، حمل كلمات من القلب، صادرة عن إنسانة، أعطت الدليل على أن الطموح مشروع، شريطة أن يواكبه العمل والمثابرة والجد، وهي مميزات تؤكد نوال أنها سر نجاحها غير المسبوق. * انتخاب نوال المتوكل كنائبة أولى للرئيس هو تشريف للمرأة عموما؟ - هو أولا تشريف كبير، لكنه في نفس الوقت تكليف آخر، فليس من السهل على أي شخص الوصول إلى هذا المنصب الهام، وهنا أنحني إجلالا لأصدقائي أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية، على الثقة التي وضعوها في شخصي، وقد ظهر ذلك جليا في كثافة ونسبة التصويت العالية، الشيء الذي فاق كل تصوراتي، وهذا ما يفرض علي بذل قصارى جهدي، وتقديم جزيل العطاء للمؤسسات الدولية التي أنتمي لها، سواء الاتحاد الدولي لألعاب القوي أو اللجنة الأولمبية الدولية التي احتضنتني بكل المودة والدفء منذ سنة 1984، تاريخ إجراء دورة لوس أنجلس التي توجت خلالها بذهبية 400 متر حواجز. هذه الحركة الأولمبية قدمت لي الشيء الكثير، وجعلتني أتبوأ المكانة التي أحتلها الآن على الصعيد الدولي، وما علي إلا مواصلة نفس الخطة التي اتبعتها منذ دخولي هذه المؤسسات، ألا وهي الانفتاح على المرأة وتسهيل ولوجها لكل التنظيمات الوطنية والقارية والدولية، نفس الشيء بالنسبة لعنصر الشباب للوصول إلى ربح المستقبل، وأكبر دليل على ذلك تنظيم دورات أولمبية خاصة بالشباب، أضف إلى ذلك الحرص على وجود رياضة نظيفة وسليمة خالية من المنشطات، وغيرها من المهام والمسؤوليات والتصورات والأحلام التي تشغل بالي، وبال باقي أعضاء المكتب التنفيذي للجنة الأولمبية الدولية، حتى تتحقق كل البرامج والخطط التي تناضل من أجلها الحركة الأولمبية الدولية. * بما وصلت إليه نوال، هل تمكنت من تحقيق كل أحلامها؟ - تتفقون معي على أن الحلم مشروع، شريطة أن يواكبه الاجتهاد والعمل بتفان وروح من المسؤولية ونكران للذات، منذ بروزي كرياضة بطلة، وصفوني بالإنسانة المحظوظة، لكن الحظ لا يمثل إلا نسبة واحد في المائة، أما 99 في المائة المتبقية فكلها عمل جاد، وعلاقات مبنية على التقدير والاحترام، كان من الممكن أن أعتزل الممارسة والابتعاد عن عالم الرياضة مباشرة بعد دورة لوس انجلوس، عمري حاليا 50 سنة، قضيت منها حتى الآن أكثر من 30 سنة في خدمة الرياضة ومبادئ الحركة الأولمبية، قدمت لي الرياضة الكثير من الأشياء الجملية، وبالمقابل لا يمكنني أبدا أن أغلق الباب، والعيش على الماضي، بل بالعكس، اخترت مسارا مغايرا، ألا وهو الانفتاح على المحيط الرياضي، وخدمة الحركة الأولمبية، وتسهيل ولوج باقي الفئات لعالم الرياضة، وطبيعي أن يكون للشخص أحلام وطموحات. تتذكرون المقولة الشهيرة للمناضل مارتن لوتر كينغ، حين قال «عندي حلم»، ليس عيبا أن يحلم الإنسان أو يكون لديه طموح، شريطة كما قلت أن يواكب ذلك العمل والمثابرة، وهذا يشكل بالفعل درسا للأجيال القادمة، فالإنسان من لا شيء يمكن أن يحقق الكثير من الأشياء الجميلة والكبيرة، وأنا أستشهد دائما بالمثل الإنجليزي القائل «من زيرو .. إلى هيرو» أي من الأسفل إلى القمة. مارست رياضة ألعاب القوى حافية القدمين، تحملنا جميعا الخصاص من حيث الإمكانيات ووسائل العمل، عملنا تحت قيادة جامعة لا تتعدى ميزانياته السنوية 60 ألف دولار، ومع ذلك فزنا بميداليتين ذهبيتين خلال دورة سنة 1984 بواسطة كل من سعيد عويطة ونوال المتوكل، أشكر كل من فرح لانتخابي بهذا المنصب، أشكر كل وسائل الإعلام التي غطت الحدث، وتحدثت بكثير من الإيجابية على مساري الرياضي، وبصفة خاصة وسائل الإعلام المغربية والعربية، التي وصفت الحدث بالتاريخي، وهو بالفعل حدث تاريخي، فلأول مرة تنتخب امرأة في هذا المنصب، فما بالكم أن تكون مغربية، عربية، إفريقية ومسلمة، وهذا ما ألغى نهائيا النظرة الدونية للمرأة، الشيء الذي يحسب لعائلة الرياضة الدولية، التي ناضلت من أجل احتلال المرأة المكانة اللائقة بها، فإلى زمن قريب، كانت المرأة تتعامل بنظرة دونية، حدت كثيرا من طموحاتها المشروعة... فتواجد المرأة خلال الدورات الأولمبية التي جرت القرن الماضي كان ممنوعا منعا كليا، والجميع يتذكر أن بيير دو كوبرتان أعتبر دائما ظهور المرأة بميادين التباري بالمسألة المعيبة، والمكان الطبيعي بالنسبة لها هو المنزل، والاهتمام بالأسرة وتربية الأطفال، لتتغير النظرة الآن، فخلال دورة لندن 2012 ، نلاحظ التواجد المكثف والطاغي للمرأة في تركيبة وفود الدول المشاركة، فلأول مرة في تاريخ الدورات الأولمبية تتواجد المرأة بنسبة واضحة في بعثات كل الدول التي يصل عددها خلال هذه الدورة 204، فدول مثل السعودية، سلطنة بروناي وقطر، التي كانت تحتل فيها المرأة الصفوف الأخيرة، ظهرت خلال حفل الافتتاح بوفود توجد بها نساء، والأكثر من ذلك فقطر منحت شرف حمل علمها لامرأة، وهذا أكبر دليل على التحولات التي يشهدها العالم. وما يؤكد على انفتاح اللجنة الأولمبية هو تواجد ثلاث نساء داخل المكتب التنفيذي، وهن الألمانية كلوديا التي أصبحت تمثل الأبطال مكان الناميبي فرانكي فريدريكس، والتي انتخبت من طرف الرياضيين بالقرية الأولمبية، ونوال المتوكل، وهذا يعتبر محطة مهمة بالنسبة للحركة الأولمبية، فالولايات المتحدةالأمريكية التي تعد الأقوى رياضيا على الصعيد الدولي، قدمت خلال حفل الافتتاح وفدا احتلت فيه النساء نسبة تفوق بكثير نسبة الرجال، وهذه سابقة لا مثيل لها. * كيف ترين حظوظ الرياضيين المغاربة خلال هذه الدورة؟ - أعتقد أن الرياضيين المغاربة استعدوا جيدا للمشاركة بهذا الحدث الدولي الهام، ولا أظن أنهم سيكتفون بالوصول إلى المسابقات النهائية، بل بالعكس سيتنافسون على كسب ألقاب ونتائج جيدة، تليق بقيمة وسمعة الرياضة الوطنية، أتمنى أن يحالفهم الحظ في تحقيق هذه المهمة التي لا تخلو من صعوبة، نظرا لمنافسة القوية التي تعرفها جل المسابقات، خاصة وأن كل الأبطال يستعدون جيدا من أجل تحقيق نتائج في مستوى تطلعات دولها. المتوكل.. البطلة التي انطلقت من نقطة الصفر لتصل إلى القمة نوال المتوكل، مواليد 15 أبريل 1962، بدأت مسيرتها الرياضية في 1978، لتصبح بطلة مغربية وأفريقية في وقت قياسي حيث توجت بلقبي بطلة أفريقيا في سباقي 100م حواجز و400 م حواجز في 1982. واستمر تألقها حتى بلغ ذروته في 1984 بإحرازها الميدالية الذهبية في 400م حواجز بألعاب لوس أنجلس الأمريكية، لتكون أول امرأة أفريقيا وعربيا تحقق هذا الإنجاز. لذلك تقول إنها انتقلت «من زيرو إلى هيرو». وتضيف أنها أرادت «الانسحاب في 1984 ولكن حبها للرياضة» كان أقوى. بعد توقف مسيرتها، انتقلت البطلة المغربية إلى جامعة ولاية أيوا الأمريكية حيث بدأت مسيرة أخرى، فتخرجت منها بشهادة التدريب. ثم انتخبت عضوا في الهيئات الرياضية المغربية، لاسيما جامعة ألعاب القوى، قبل أن تدخل اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لألعاب القوى في 1995. وفي 1998 أصبحت عضوا في اللجنة الدولية الأولمبية ثم عضو اللجنة التنفيذية فيها في 2008 قبل أن يتم انتخابها نائبة للرئيس الحالي البلجيكي جاك روغ. فهل ستتوقف عند هذا الحد؟ لا جواب من البطلة الأولمبية.. ولكنها تقول إنها خططت لكل شيء في حياتها، ولاشك أن ترشحها لخلافة روغ، الذي لن يترشح لولاية أخرى عقب انتهاء عهدته في 2013، أمر مفروغ منه.