يجلسن صافات قرب بعضهن، تقابلهن موائد ممتلئة ب «البغرير»، فرصهن في بيع بضاعتهن في رمضان أكثر منها في باقي شهور السنة القمرية. فاطمة، أم لأربعة أبناء، عادة تستيقظ عند العاشرة صباحا، غير أن اليوم رمضاني، فغسلت صاحبة الخمسين ربيعا وجهها عند الثامنة، وشرعت في تحضير دوائر «البغرير» و«رزة القاضي»، وأخواتها... تتحرك الثواني بسرعة، وتنتهي فاطمة من صناعة «قطعها الذهبية»، تضعها في أكياس بلاستيكية من فئتين، الأول يضم ست «بغريرات»، والثاني يضم عشرة منها، أما «رزة القاضي»، فتحددها نوعية طلب الزبون. عقارب الساعة تتحرك نحو منتصف النهار، تخرج فاطمة من منزلها ب»حي السمارة»، بالدار البيضاء، متأبطة كرسيا صغيرا، وبيمناها شيء من لوازمها، تمشي بخطواتها المتثاقلة بسبب وزن اللوازم، وجهتها «قسارية الحفاري» بدرب السلطان، حيث النساء يتجمعن لبيع ما صنعت أياديهن. تخترق زحمة السوق وحرارة الجو أسالت من جبينها عرقا بلل ثيابها الداخلية، تشارك صديقاتها اللاتي سبقناها بدقائق إلى المكان، تخرج الأكياس البلاستيكية التي ملأتها «البغرير»، وترتب بعضها فوق بعض بانتظار عشاق «البغرير». فضاء يستقبل الأزبال، حيث النتانة تبعد المارة بأمتار،أما أدخنة بائعي «الصوصيص» فتجعلهن غير مرئيين من قبل عشاق «البغرير»، الأمر الذي يدفعهن للانتظار. «قسارية الحفاري» تضيق بكل شيء يتحرك فوق ترابها، والعرض يضاعف الطلب، أما فاطمة فلازالت عاكفة أمام «رغيفها»، بين الفينة والأخرى تنادي بصوت صائم، «خودو ليكم البغرير»، بنظراتها ترقب حركة المارة المتسارعة، تجلس بجيوب فارغة متمنية استدراك اليوم بدراهم ما بعد الزوال. بآذان العصر، بدأ الزبناء يقبلون على شراء الدوائر الذهبية، رواج كسر ركود حركتهن التجارية ووجوههن ترسم البسمة من جديد. دراهم من هنا و من هناك، كميات «البغرير» بدأت تتقلص، يصرفن الأوراق والقطع النقدية بعضهن البعض دون الحاجة لدكان مجاور، يعملون كجسد واحد ويتعاملن بعضهن البعض كأفراد العائلة. الشمس تتجه إلى مغربها،»مول المليح باع و راح، هكذا تنهي فاطمة وأخواتها يوما من أيام رمضان، تجمع عدتها على إيقاع رنين اصطدام الدراهم، وتجلس لحساب ما بحوزتها. يوم كامل قضته «بيان اليوم» رفقة «بائعات البغرير»، لتنقل جزءا من الصورة، ولقطة من المشهد، الذي يتكرر كل رمضان.