المعهد الملكي للشؤون الدولية: الأعضاء الدائمون بمجلس الأمن يعارضون إقامة دولة هشة في شمال إفريقيا أكد المعهد الملكي للشؤون الدولية (شاتام هاوس)، الذي يوجد مقره بلندن،ن القوى العالمية، وخاصة البلدان الدائمة العضوية بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لن تتسامح مع إقامة دولة هشة في منطقة شمال إفريقيا،في إشارة إلى مخططات انفصاليي البوليساريو ومؤيديهم. وفي هذا الصدد، أوضحت كلير سبينسر، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمعهد، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن يعارضون إقامة دولة هشة ومجزأة في شمال إفريقيا، المنطقة المعرضة للتهديدات التي يشكلها عدم الاستقرار الخطير الذي تعرفه بلدان الساحل. وقالت إن عدم الاستقرار في هذه المنطقة يطرح تحديات حقيقية بالنسبة للبلدان المغاربية وحتى بالنسبة للقارة الأوروبية، مشيرة إلى أنشطة تنظيم (القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي)، الذي استغل سقوط النظام الليبي السابق لتعزيز أنشطته لاسيما تهريب الأسلحة. وحذرت من أن هذا التنظيم لم يعد اللاعب الوحيد في المنطقة مع ظهور مجموعات أخرى في النيجر ومالي ونيجيريا، مبرزة، أن المشاكل التي تعاني منها منطقة الساحل ازدادت حدة بسبب خطر التجزئة الناجم عن غياب دولة قوية قادرة على ضمان الاستقرار. وأبرزت سبينسر أن الأمر يتعلق بوضع يوفر تربة خصبة لجميع أنواع التهريب (الأسلحة والمخدرات والبشر) وكذا للأنشطة المرتبطة بالاختطافات خاصة تجاه المواطنين الغربيين، لافتة الانتباه إلى أن البلدان المغاربية ليست في مأمن تماما عن تأثيرات هذا الوضع. وقالت إنه سيكون من الصعب على هذه البلدان ضمان مراقبة فعالة لحدودها في بيئة معقدة دون زيادة التعاون، مشددة على ضرورة التوصل إلى تسوية لقضية الصحراء. وبعد أن أبرزت المديرة بمعهد (شاتام هاوس) أن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، لا سيما فرنسا والولايات المتحدة، «يشجعون الجهود التي يبذلها المغرب لتنمية» الأقاليم الصحراوية، أعربت عن أسفها ل»رفض» الجزائر مباشرة مباحثات مع المغرب للتوصل إلى تسوية.وقالت إن السلطات الجزائرية « تقول إن بلادها ليست طرفا في النزاع رغم أنها لا تزال تحتضن مخيمات البوليساريو على أراضيها في تندوف». واعتبرت أن «محادثات ثنائية بين الرباطوالجزائر يمكن أن تساعد في التقدم وإيجاد أرضية تفاهم بشأن مسألة الصحراء»، مشيرة، إلى إرادة المغرب لإعادة الدفء لعلاقاته مع جارته الشرقية عقب الزيارة التي قام بها مؤخرا إلى الجزائر وزير الشؤون الخارجية والتعاون، سعد الدين العثماني. وأكدت سبينسر، من جانب آخر، أن تعزيز الاندماج الاقتصادي في المنطقة المغاربية، أضحى ضرورة، نظرا للتغييرات التي حدثت في العام الماضي على الساحة الإقليمية، التي من شأنها أن تسهم في إزالة الحواجز بين المغرب والجزائر، وبالتالي تشجيع إيجاد تسوية لقضية الصحراء. وبخصوص القرار الذي اتخذه المغرب مؤخرا والقاضي بسحب الثقة من كريستوفر روس، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، اعتبرت سبينسر أن الوقت قد حان بالنسبة للمنظمة الدولية لتغيير مبعوثها من أجل إعطاء دفعة جديدة للمحادثات. وقالت إن الوسيط الأممي المقبل يجب أن يتمتع بخبرة واسعة في مثل هذه الملفات ليكون قادرا على تقديم رؤية جديدة ترتكز على قاعدة أساسية تتعلق بالنزاهة. ومن جهة أخرى، أكدت سبينسر أن الملكية بالمغرب تمثل ضمانة لاستقرار واستمرارية الدولة. وقالت سبينسر، إن هذا المعطى يظهر جليا من خلال الحكمة والتبصر اللذين يقود بهما جلالة الملك محمد السادس مسلسل الإصلاح السياسي في المملكة. وأبرزت سبينسر، أن الملكية تفرض نفسها، في إطار العملية السياسية المغربية، كحكم ونقطة تجذر، مشيرة إلى أن توافق المجتمع المغربي بكل مكوناته حول النظام الملكي، تم تجسيده طيلة النقاشات حول الإصلاحات التي أنجزت السنة الماضية. وسجلت أن هذه النقاشات، خاصة بين الشباب، سلطت الضوء على دور النظام الملكي كمصدر للاستمرارية والاستقرار. وقالت إن «هناك تمسكا حقيقيا في المغرب بالإصلاحات في إطار الاستمرارية»، مضيفة أن الأمر يتعلق بمصدر قوة بالنسبة للمغرب مقارنة مع بلدان أخرى دخلت في دوامة الشك وعدم الاستقرار. ولاحظت المسؤولة بالمعهد أن المغرب نجح ، بمهارة كبيرة وبرد سريع، في التكيف مع المناخ الجديد الذي تولد مع «الربيع العربي»، حيث أبان عن قدرة كبيرة على الإنصات لنبض الشارع. وتابعت أن مراجعة الدستور خلال العام الماضي فتحت الباب أمام فئة واسعة من الفاعلين من أجل إشراكهم في العملية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث أن الأحزاب السياسية انخرطت في هذا المسلسل الذي انطلق بعد المصادقة على الدستور الجديد خلال استفتاء يوليوز 2011، فضلا عن أن أطرا شابة ترشحت للانتخابات التشريعية التي جرت بالمملكة شهر نونبر من السنة ذاتها، مؤكدة أن إجراء هذه الانتخابات، في سياق إقرار الدستور الجديد، كان في حد ذاته اختيارا حكيما، بخلاف بلدان أخرى في المنطقة حيث دخلت عملية الإصلاح في مستنقع، مما خلق مناخا من الشك وعدم الاستقرار. وشددت سبينسر على أن « الخيار الذي نهجه المغرب بمراجعة دستوره لتعزيز انفتاح الحقل السياسي على أصوات جديدة، كان قرار جيدا»، مشيدة ، في هذا السياق، بالسلطات المغربية عن حسن تدبيرها للعملية برمتها، وهي العملية التي توجت بالانتخابات التشريعية في نونبر 2011. وقالت إن «المغرب كذب، خلال هذه الاستشارة الانتخابية، توقعات بعض المحللين الذين شككوا في إمكانية قيادة تشكيل سياسي كحزب 'العدالة والتنمية' لحكومة بعد الانتخابات»، معتبرة أن المغرب أعطى الدليل على أنه من الممكن لحزب ذي مرجعية إسلامية تشكيل حكومة، وأن ذلك أمر طبيعي لكون هذا الحزب كان دائما طرفا من المشهد السياسي بالمملكة. وسجلت أن وصول ائتلاف حكومي يقوده حزب 'العدالة والتنمية' عزز صورة الانفتاح السياسي للمغرب، وأن هذا الائتلاف الذي يشتغل في ظرفية اقتصادية إقليمية ودولية غير ملائمة، يواجه مهمة صعبة، لاسيما تحسين أداء القطاعات الرئيسية كالصحة والتعليم، مبرزة، أن الحكومة التي يرأسها عبد الإله ابن كيران مدعوة لتقديم أجوبة سريعة وفعالة لانتظارات المواطنين، خاصة منهم الشباب الذي تتمثل مطالبهم الأساسية في خلق مناصب شغل. ويتوفر المغرب الذي سجل تقدما ملموسا على الصعيد السياسي، على أساس متين وإطار ماكرو-اقتصادي سليم لمواجهة تحدي تشغيل الشباب، عبر التشجيع على إنشاء مقاولات صغيرة ومتوسطة وتنشيط الاستثمار في القطاعات الواعدة مثل الطاقات المتجددة. وحسب سبينسر، فإن تحدي خلق مناصب الشغل لا يقتصر على المغرب فقط، بل هناك بلدانا أخرى بالمنطقة وحتى أوربا، تواجه نفس الوضعية. وقالت إن تطورا اقتصاديا بأوربا خاصة بفرنسا وإسبانيا، سيكون له تأثير مباشر على الوضعية الاقتصادية بالمملكة التي ترتبط بالقارة العجوز بعلاقات تعاون متينة. ولم يفت المديرة بالمعهد الملكي للشؤون الدولية الإشادة، في هذا السياق، بالسياسة التي ينهجها المغرب لتنويع أسواقه، بانفتاحه على مناطق أخرى من العالم كغرب إفريقيا وأمريكا اللاتينية. وأعلنت، بالمناسبة، أنها ستزور المغرب في شتنبر المقبل لحضور مؤتمر حول العلاقات بين المملكة وأمريكا اللاتينية، لاسيما البرازيل، من أجل إنشاء منطقة استثمار تجمع القارات الثلاث. ومن جهة أخرى، لاحظت سبينسر أن المغرب يوجد في موقع جيد يسمح بمواجهة تحد آخر مرتبط بتطوره السياسي والاقتصادي، يتمثل في تعزيز الجهوية. وقالت إن المغرب انخرط في برنامج انتقال طموح في إطار سياسة الجهوية، معتبرة، أن من شأن هذا البرنامج الناجع، بحكم تنوع المجتمع المغربي، أن يعزز الملكية كسلطة رقابية لحكامة مبنية على الشفافية في تدبير الشأن العام.