التركيز على قيم التسامح والسلام والتعايش أكد فوزي الصقلي المدير العام ل «مؤسسة روح فاس» خلال لقاء صحفي عقده يوم الخميس الماضي بالدار البيضاء إن الدورة القادمة من مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة التي تنظم ما بين 8 و16 يونيو المقبل٬ ستشكل من جهة مناسبة لتكريس هذا الحدث الذي ما فتئ يدهش العالم منذ انطلاقته الأولى٬ ومن جهة أخرى فرصة للاحتفاء بعمر الخيام الشاعر والعالم والفيلسوف. وأضاف الصقلي متسائلا «هل يجوز لنا اليوم أن نعتبر بان جدار العقل الخالص، الذي تقوم عليه الحداثة، قد أصابه التشقق وأوشك على الانهيار؟ إذ يبدو على نحو مباغت أن العقلانية المنطوية على نفسها قد نسجت على مجرى الأيام، وبتزامن مع القدرة الخارقة على الاختراع، نزعة كليانية غريبة أو بالأحرى مؤثرة بشكل خفي، على الأقل في أعقاب تجاوزاتها الأخيرة أو بعد «الهول الاقتصادي» حيث كثر الحديث بكيفية ميسورة عن طغيان مالي نستشعر يوميا أثاره من دون أن ندرك ركائزه الحقيقية. لقد تضاءل عدد الذين يعتبرون أن الأمر هنا يتعلق بحتمية تدعى العولمة، يتعين على السياسي أن يخضع لها ويتعامل معها من غير أن يأمل في تجاوزها. معتبرا أن الاحتفاء بالشاعر العالمي عمر الخيام يكتسي أكثر من دلالة بالنظر إلى بعض التعاليم التي يمكن استيفاؤها من شخصية خارجة عن المألوف، من عمر الخيام الشاعر والعالم والفيلسوف والروحاني الذي تفصلنا عنه أكثر من عشرة قرون، والذي تحفل «الرباعيات» إشراقاته الشعرية بالعديد من المعاني. فقد مكن هذا الحدث الفني والثقافي العالمي٬ الذي تحظى دوراته بتغطية مكثفة من طرف العديد من وسائل الإعلام الدولية٬ مدينة فاس التي تصنف كتراث عالمي إنساني من التصالح مع تاريخها وتجديد سطوتها على قلوب عشاق الفن الراقي الذي يسمو بالذات إلى مدارج الكمال. كما يعكس المهرجان٬ الذي يشكل شهادة حية على الحراك الثقافي والفني الذي يعيشه المغرب٬ قيم التسامح والسلام والتعايش بين مختلف الديانات والأجناس التي وسمت فن العيش بالمملكة . واعتبر محمد القباج رئيس مؤسسة المهرجان أن هذا الأخير يدعونا إلى تجديد العلاقة بالفاعلية والأمل اللذين نستطيع بفضلهما أن ننظر، كما يقول الشاعر اراغون «إلى ما وراء الأفق»، من اجل أن نستشرف من خلال عالم خال من الأوهام، إمكانية صنع مستقبل «مبهج». مؤكدا على أن مهرجان الموسيقى العريقة قد أصبح ذاكرة حية تختزن طموحنا إلى تحقيق الرفعة والسمو، وعلينا أيضا أن نضيف إلى هذا البعد العاطفي بعد التأمل والقدرة على الاقتراح التي يتغياها منتدى إضفاء الروح على العولمة»، كوسيلة للتوفيق بين «القلب والعقل» بغية انجاز المشاريع الصائبة، وهذا ما تسعى إليه مؤسسة « روح فاس». فمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة٬ الذي أضحى مع توالي الدورات نافذة كبيرة تطل على العالم٬ استطاع منذ انطلاقته سنة 1994 أن ينتزع مكانة هامة على الصعيد الدولي كإحدى التظاهرات العالمية الكبيرة التي تشد إليها الرحال سنويا. أما بالنسبة لهذه الدورة ستحتضن رياض فاس وبعض المآثر التاريخية الأخرى فنانين ومبدعين من بينهم الأمريكية جوان بايز التي من المنتظر أن تقدم روائع من إبداعاتها التي تحتفي بالروح إلى جانب الفنان العربي الكبير وديع الصافي وكذا لطفي بوشناق وغيرهم. ومن جهة أخرى سيعرف المهرجان تنظيم جلسات في إطار منتدى فاس ستبحث التحولات التي يعيشها العالم من خلال فتح نقاش واسع بين مفكرين وأكاديميين وجامعيين عرب وأجانب حول الأسباب السياسية والاجتماعية الكامنة وراء هذه التحولات. وسيتمحور منتدى فاس٬ الذي سيعرف مشاركة أزيد من 25 مفكرا٬ حول مجموعة من المواضيع المتعددة والمتنوعة من بينها «الشاعر والمدينة» و«ما بعد الربيع العربي .. أي مستقبل» و «الأزمة المالية أو أزمة الحضارة» وغيرها. وكما دأب على ذلك سيحافظ المهرجان على انفتاحه على مختلف الفضاءات العمومية ورياضات المدينة العتيقة٬ وذلك من خلال الليالي الصوفية التي تحتضنها دار التازي والتي أضحت تقليدا سنويا إلى جانب إحياء فرق موسيقية شعبية مغربية ونخبة من الفنانين العالميين لسهرات مجانية لفائدة سكان المدينة بفضاء باب أبي الجنود. وإلى جانب الحفلات الموسيقية سيتم تنظيم معارض فنية وتشكيلية مختلفة في عدة فضاءات كدار التازي ومتحف البطحاء وقصر الجامعي ودار المقري ودار عديل وغيرها . وحسب المنظمين فإن أكثر من 300 صحفي يمثلون الصحافة المرئية والمسموعة والمكتوبة من المغرب والخارج سيقومون بتغطية فعاليات الدورة 18 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة. وتجدر الإشارة إلى أن من بين الفقرات الأساسية الموازية للحفلات الموسيقية والتي دأب عليها هذا المهرجان المنتدى الذي يقع تحت مسمى «إضفاء الروح على العولمة» وهو موعد أساسي في المهرجان، يجمع على نحو خاص بين المنظورات السياسية والعلمية والفنية والثقافية والروحية، ويتيح ، في رحاب حدائق متحف البطحاء الأندلسية البهية، إمكانية التفكير في مجمل المواضيع التي تشغل الإنسان في الوقت الراهن، وربطها بالتأمل الفلسفي والروحي الشامل. هذه اللقاءات التي تعقد خلال الصبيحات الخمس الأولى من أيام المهرجان ستتمحور في هذه الدورة حول تيمة «إعادة البهجة إلى العالم».