بفخر كبير٬ تتابع دينا بنسعيد أداء المواهب الشابة التي استضافها مهرجان ربيع موسيقى الأليزي٬ وفي عينيها نظرة تماهى بين ثناياها حنين إلى ماض قريب كانت تقتعد خلاله نفس المكان٬ واستشراف لمستقبل الموسيقى الكلاسيكية بالمغرب. فرغم حداثة سنها٬ إذ تخطت ومنذ وقت قريب ربيعها الثاني والعشرين٬ استطاعت عازفة البيانو ابنة مدينة الرباط أن ترتقي في مدارج الموسيقى الكلاسيكية بالمغرب وسافرت لتحلق بطموحات موهبتها إلى العاصمة الفرنسية باريس أرض الفنون٬ لتنال هذه السنة٬ وللمرة الثانية على التوالي شرف الإشراف على الإدارة الفنية لمهرجان ربيع موسيقى الأليزي الذي يستضيف أسماء تألقت في مجال موسيقى الصالونات عبر العالم. «تذوقت أول لحظات اللقاء مع الجمهور حين كنت في الثانية عشر من العمر هنا بدار الصويري٬ لذلك تظل هذه التجربة الأغلى عندي٬ فقد جعلت من الموسيقى معنى حقيقيا لمساري في الحياة»٬ تحكي دينا بتواضع عن تجربتها المهنية في عالم الموسيقى الكلاسيكية٬ مضيفة أن نشأتها في بيت خصص حظا وافرا للموسيقى ساهم في الانجذاب والتعامل مع الآلات الموسيقية مبكرا. في هذه السن المبكرة أيضا ولجت دينا مدرسة ألفريد كورتو للموسيقى بباريس وانخرطت ضمن الصفوف التي كان يدرسها جاك لاغارد٬ لتحصل ثلاث سنوات بعد ذلك على شهادة تنفيذية. واصلت دينا بعد ذلك الانتساب إلى عدد من المعاهد الموسيقية الراقية بالعاصمة الفرنسية٬ لتطور بذلك موهبة متميزة فتحت أمامها أبواب أرقى وأعرق صالات الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية٬ من قبيل قاعة كورتو بباريس أو بلغاريا كونسيرت هول في صوفيا٬ كما تدرس دينا بالموازاة مع البيانو٬ إدارة الأوركسترا لتحمل بذلك مشعلا مألوفا لديها. فدينا بنسعيد التي نهلت من ريبروتوار الموسيقى الكلاسيكية منذ الطفولة المبكرة٬ ليست سوى ابنة فريد بنسعيد٬ الرئيس المؤسس لأوركسترا فيلارمونيك المغرب وعازف الكمان المعروف٬ لتختزن دينا في ذاكرتها مفاتيح النوتات الموسيقية المرهفة٬ وتصقل موهبتها في العزف على آلة البيانو من خلال أداء متقن لعدد من روائع موسيقى كبار العازفين٬ دي فالا وسانت سينز٬ شوبان وراكمانينوف٬ ألبنيز وتشايكوفسكي وغيرهم. خلال فقرات المهرجان المتعددة٬ تنتقل دينا بسلاسة بين دور تقديم ضيوف المهرجان٬ من كبار العازفين والمواهب الشابة٬ ودور العزف على آلة البيانو٬ كما تحرص على تحقيق الرؤية الفنية المتكاملة لتمكين الجمهور من تذوق مختلف مشارب الموسيقى الكلاسيكية٬ في تنوع آلاتها وريبرتوارها الموسيقي٬ «تعد الموسيقى الكلاسيكية بالنسبة لي جسرا للحوار بين الثقافات المختلفة٬ إذ يعبر الأداء الصادق والإحساس المرهف للفنانين عن تجربة إنسانية فريدة» تؤكد دينا٬ إذ تقدم الموسيقى رسالة نبيلة تحكي عن كونية التعبير الفني الصادق من خلال مناجاة الآلات الموسيقية للمشاعر الإنسانية المرهفة. حين تضع دينا بنسعيد٬ التي اكتشفت آلة البيانو في سن الرابعة٬ أناملها على لوحة مفاتيح البيانو٬ تكون على يقين أنها ستدخل تجربة إنسانية متميزة في كل مرة تلتقي فيها جمهورا مختلفا٬ غير أن القاسم المشترك الذي سيجمعها بهذا الجمهور يظل على الدوام شغفها الحقيقي بمنحه لحظات من الأداء المتسم بالصدق والصفاء والجمال الفني.