يبدو الأدب اليوم خارج الدراما التلفزيونية تماما، البعض يعزو ذلك لأسباب فنية، إذ تجد الشركة المنتجة نفسها في هذه الحالة أمام «كاتبين»، الكاتب الروائي صاحب النص الأصلي، ثم بعد ذلك السيناريست الذي سيكون عليه إعداد الرواية تلفزيونيا، على ما يرافق هذا من خلافات وصراعات متوقعة بين الكاتب الروائي والكاتب المعد، خصوصا لجهة الخروج عن النص الروائي ومخالفة سطوره. مع ذلك فهذا السبب ليس كافيا وحده لتفسير القطيعة بين الدراما التلفزيونية العربية عموما والأدب الروائي، والتي تبدو هذه الأيام شبه كاملة، فهناك من يرى أن الدراما العربية تلتحق غالبا بالظواهر الاجتماعية العابرة وما يترافق معها عادة من عادات طارئة وذات حضور ضار، فيما الأدب الروائي يبدو أقل تسارعا وأكثر ميلا للتعبير عن الراسخ في الظواهر الاجتماعية والقضايا الانسانية. من يتابع الأعمال الدرامية العربية التي جاءت من الأدب الروائي، يلحظ أن منتجيها لم يغامروا غالبا باللجوء إلى روايات قليلة الشهرة، إذ هذه بالنسبة إليهم لا تمتلك جاذبية استدراج المشاهدين، بل أغرتهم الأعمال الروائية الكبرى، كروايات نجيب محفوظ أو تلك التي حققت انتشارا واسعا وتجاوزت مساحة قرائها النخبة إلى القراء العاديين، وهي روايات تمتلك مسبقا عوامل نجاحها، على الأقل لجهة إقبال المشاهدين على متابعة عمل يثقون به سلفا. من اللافت أن هذه الجفوة، بين الدراما التلفزيونية العربية والأدب الروائي، تحدث في زمن يعتبره النقاد زمن الرواية، بل يذهبون أبعد من ذلك حين يعلنون أن الرواية قد أصبحت ديوان العرب، بالنظر إلى ازدهارها وارتقائها وتطورها الملحوظ، خصوصا في العقدين الأخيرين، ولافت أيضا أن هذه الجفوة تحدث أيضا في ساحات درامية تزدهر بالأدب الروائي وبالروائيين، كما هو الحال في كل من مصر وسورية، وهما أبرز ساحات الانتاج الدرامي التلفزيوني وأكثرها انتشارا في القنوات الفضائية العربية. ثمة نبع درامي متكامل العناصر والجماليات اسمه الرواية، ولكنه عالم آخر قد يغري أهل الدراما وقد لا يفعل، لكنه يظل رافدا مهما، لا نبالغ إذ نقول إنه يحمل في سطوره عوالم مختلفة ومناخات درامية ذات خصوصيات وأبعاد، والأهم هنا أنه يحمل رؤى أكثر عمقا تقترب من جوهر القضايا المثارة ويتكئ على شخصيات أكثر وضوحا وتماسكا في ينائياتها، وحتى في وعيها وفي تمثيلها للفئات الاجتماعية التي تنتمي إليها.