تلقى المدافعون عن حقوق الإنسان تصريحات وزير العدل والحريات أثناء دراسة الميزانية الفرعية لوزارته بمجلس النواب بكثير من الاستغراب والخيبة، خصوصا أنها جاءت على النقيض تماما من الدينامية الحقوقية المتنامية على الصعيد الدولي، وعلى خلاف كذلك مع الأفق الذي أسس له الدستور المغربي الجديد. لم يكن المستغرب له هو أن يدلي السيد الرميد بموقف مناهض لإلغاء عقوبة الإعدام من التشريع الوطني، فمواقفه على كل حال معروفة بهذا الشأن منذ سنوات، ولكن الذي كان غير مستساغ هو أن يرمي في وجه الجميع بالقول المتسرع، بأن الحكومة ليس في نيتها إلغاء هذه العقوبة. لن نقف هنا عند أهمية الحرص التواصلي والسياسي لدى الوزراء، وبالتالي ضرورة حسن تمثل الصفة الجديدة، وتفادي الخلط بين تصريحات ومواقف تلزم الحكومة والدولة، والكلام الذي لا يعدو كونه مواقف سياسية وحزبية لا يجوز، رغم كل شيء، فرضها على أطراف أخرى. لقد نص الدستور الجديد على الحق في الحياة، ما جعل الكثيرين يعتبرون ذلك بداية لتوجه المغرب نحو إلغاء عقوبة الإعدام من تشريعاته، خصوصا أن المشرع الدستوري شدد على حماية القانون لهذا الحق، كما أن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي تمت دسترتها الآن دعت أيضا إلى الإلغاء، والكثير من الجمعيات الحقوقية والأوساط القانونية والقوى السياسية في البلاد انخرطت منذ مدة ضمن ائتلاف وطني للمطالبة بذلك، علاوة على أن التزامات المملكة على الصعيد الدولي أصبحت تفرض عليها ملاءمة تشريعاتها الداخلية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها كونيا. ولقد تشكل اليوم عبر العالم اتفاق واسع حول ضرورة إلغاء عقوبة الإعدام، وهي تمثل انتهاكا للحق في الحياة وهي أشد العقوبات قسوة ولا إنسانية وحطاً بكرامة البشر. لقد صدم الرأي العام عندما عبر المسؤول الحكومي نفسه، وعبر شاشة التلفزيون، عن رفضه لأي تعديل في بنود مدونة الأسرة بشأن زواج القاصرات، بحجة أن المدونة كانت بمثابة اختيار الأمة وقد صفقت لها كل أطراف المجتمع، واليوم يعود ليعرض موقفا شخصيا وحزبيا مناهضا لإلغاء عقوبة الإعدام، ويقدمه ضمن نية الحكومة ككل، وإذا استحضرنا صفة المعني بالأمر، كوزير للعدل والحريات، فإن ما عبر عنه يجسد انحيازا وتأثيرا، بالرغم مما يبديه من حرص على غير الوضوح في التعبير وفي المعجم المستعمل. في الخرجتين معا كان الوزير أقرب إلى الدفاع عن عقوبة الإعدام، وإلى ترك سلطة التقدير للقاضي في تزويج الفتاة القاصر، وبالتالي إعادة إنتاج مأساة أمينة الفيلالي وسط فتياتنا. الخرجتان معا جاءتا ضد مسار البلاد، وفي تناقض مع زمنها الدستوري الجديد، وتقتضيان العودة إلى المعنى، وإلى تمثل الزمان والمكان والأفق. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته