وزير العدل والحريات يشخص وضعية العدالة ويحدد الاختلالات المعيقة لبرامج الإصلاح «إشكالية التخليق في قطاع العدالة، صعوبة الولوج إلى القانون والعدالة، وبطء البث في القضايا وضعف البنيات التحتية ونقص في الموارد البشرية، هذا فضلا عن عدم ترشيد الاعتقال الاحتياطي، وقصور في انفتاح مبادرات الإصلاح القضائي على المجتمع المدني، ومعضلة الإضرابات بالقطاع...»، كانت هذه بعض من المعيقات التي رصدها التشخيص الذي قامت به وزارة العدل والحريات بشأن وضعية العدالة في المغرب، والذي كشف عنه الوزير مصطفى الرميد في عرض ألقاه أمام لجنة العدل التشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب مساء أول أمس الأربعاء بمناسبة مناقشة الميزانية القطاعية للوزارة. وأكد وزير العدل والحريات، أن الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة يعد ضمن أولويات برامج الإصلاح التي أعلنت الحكومة عن مباشرتها، خاصة وأن الدستور الجديد قد ارتقى بالقضاء إلى سلطة قضائية مستقلة، وبالنظر أيضا إلى الدور الذي يضطلع به القضاء في البناء الديمقراطي وتوطيد الاستقرار الاجتماعي، وحماية حقوق والتزامات المواطنة، وصون الحريات وضمان ممارستها الفعلية، وتحقيق الأمن القضائي والالتزام بسيادة القانون وترسيخ الثقة الكفيلة بالتحفيز والمبادرة والاستثمار. وأعلن في عرضه الذي قارب فيه منهجية تنفيذ مبادرة الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، ومشروع أرضية مخطط الإصلاح الشامل للقطاع والذي يمتد على مدى الأربع سنوات القادمة، أن تشخيص الوضعية القضائية أظهر وجود عدة معيقات وصعوبات تعاني منها العدالة، محددا إياها في سبعة عشرة من المستويات، إحداها ترتبط بضعف الميزانية المخصصة للوزارة والتي تؤثر بشكل ملموس على جهود ومبادرات إصلاح القطاع، مشيرا في هذا الصدد إلى الغلاف المالي المخصص للوزارة والذي لا يفوق ثلاثة ملايير و146 مليون درهم تشمل تغطية نفقات الموظفين ونفقات المعدات والاستثمار. فيما يرتبط مستوى آخر من المعيقات بمسألة تنزيل مقتضيات الدستور الخاصة بالسلطة القضائية، داعيا إلى الإسراع في القيام بها عبر إعداد القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة. هذا فضلا عن المعيقات التي تخص البطء في البت والتطور غير المتكافئ بين القضايا المسجلة والقضايا المحكومة والأحكام المنفذة، مسجلا في هذا الصدد ارتفاع عدد القضايا الرائجة أمام المحاكم والتي تجاوزت ثلاثة ملايين وثلاثمائة وإثنين وسبعين ألف قضية سنة 2011، فيما لم يبلغ عدد القضايا المحكومة سوى 2 مليون و456 ألف قضية، بنسبة بت بلغت 72.85 في المائة، في حين تخلف أمام محاكم الموضوع حوالي تسع مائة وخمسة عشر ألف قضية بنسبة 27.15 في المائة من القضايا الرائجة. وأشار في هذا الإطار إلى إشكالية التنفيذ خاصة ضد الإدارات العمومية وشركات التأمين، ووجود إشكالية التبليغ، قائلا «إن عددا مهما من الأحكام يبقى من غير تنفيذ بنسبة 20 في المائة، مع وجود صعوبات في التنفيذ ضد الإدارات العمومية وشركات التأمين، وصعوبات وإشكاليات في التبليغ والتي تساهم في البطء في البت، بالإضافة إلى عجز كبير بالنسبة لقضايا التنفيذ الزجري». وفيما يخص التخليق في قطاع العدالة التي ما فتئت فعاليات المجتمع المدني تطالب بها، أفاد الوزير أن المجلس الأعلى للقضاء أصدر خلال دوراته الأخيرة الخاصة بسنتي 2011-2010، عقوبة العزل في حق 6 قضاة، و38 عقوبات أخرى تشمل الإحالة على التقاعد التلقائي بالنسبة لقاضيين، والإقصاء المؤقت عن العمل في حق ثمانية قضاة، والتأخير عن الترقي بالنسبة لقاض واحد. فيما وجه إنذارا واحدا في حق سبعة قضاة، والتوبيخ بالنسبة لقاض واحد، في حين قضى المجلس بالبراءة بالنسبة 13 من الحالات، ومن المقرر أن ينظر المجلس الأعلى للقضاء في دورته الحالية في 8 ملفات للتأديب. وكشف الوزير فيما يتعلق بالموظفين، عن معالجة 72 ملفا تأديبيا خلال المدة الفاصلة بين سنتي 2010 و2011، انتهت بحفظ 13 ملفا، ورد الاعتبار في 10 ملفات، وعدم المؤاخذة في 4 ملفات أخرى وتطبيق عقوبات تأديبية في 45 ملفا، تدرجت من التنبيه إلى العزل والحذف من الأسلاك عن طريق الإعفاء، معلنا في ذات الوقت عن متابعة 149 ملفا من بينها 98 ملفا يتعلق بمتابعات قضائية و51 ملفا حول إخلالات مهنية. هذا ومن بين الجوانب الأخرى التي أحاط بها العرض التشخيصي لوضعية العدالة، توجد مسألة عدم ترشيد الاعتقال الاحتياطي، الذي اعتبره الوزير من أهم المعوقات التي تحول دون تطور السياسة الجنائية، مشيرا في هذا الصدد إلى أن 43 في المائة من السجناء هم معتقلون احتياطيون، إذ بلغ عددهم 28 ألف و500 من أصل 65200 نزيل، مع نقص في تفعيل الآليات البديلة للاعتقال، وعدم التفعيل الأمثل لمبدإ الملاءمة بما يخدم مصالح الأطراف والصالح العام. وسجل في هذا الصدد قيام النيابة العامة بتغليب التطبيق الآلي للنصوص القانونية، وهذا الأمر يستوجب، يقول المسؤول الحكومي، «جعل النيابة آلية أساسية لتوفير الحماية وضمان احترام ممارسة الحقوق والحريات والسهر على التطبيق السليم للقانون، والاهتمام بتظلمات وشكاوي المواطنين ومعالجتها بالفورية اللازمة، وتقوية ضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان بين الأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون». هذا ولم تقف المعيقات والصعوبات التي تحف بالمنظومة القضائية بمسألة القوانين والعمل القضائي بل تمتد إلى مسألة الخصاص المسجل في الموارد البشرية وتوزيعها بشكل غير مناسب، وضعف البنية التحتية، فعدد القضاة لا يتجاوز عددهم 3749 قاض، بمعدل 12 قاضيا لكل 100 ألف نسمة، منهم 2879 قاض مختص للحكم فقط، و870 قاض للنيابة العامة. فيما عدد الموظفين لا يتجاوز 14 ألف و588 موظف، الأمر الذي ينعكس بشكل جد سلبي على معدل القضايا المحكومة من القضايا الرائجة، والتي لا تتجاوز في المعدل نسبة 80 في المائة، بحيث أن نسبة القضايا المخلفة أصبح يتجاوز 20 في المائة، مما يساهم في زيادة البطء وتراكم القضايا، مسجلا في ذات الوقت وجود نقصا في الأطر المختصة في ميادين الإعلاميات، إذ لا يتعدى عددهم حاليا 130 مهندسا. وأوضح فيما يتعلق بقصور البنية التحتية للعديد من المحاكم، إلى أن وضعية 30 محكمة هي في حاجة إلى معالجة عاجلة، فيما 50 محكمة أخرى تنتظر أن يشملها التحديث من خلال توفير البنية المعلوماتية، مسجلا ضعف الشبكة الكهربائية للعديد من المحاكم وقلة السيارات المخصصة للجلسات التنقلية والتفتيش والزيارات التفقدية لمخافر الضابطة القضائية والمؤسسات السجنية.