مؤسسات تشوبها الاختلالات «لارام» تتدهور ماليا وإدارة الجمارك هشة تنظيميا ومكتب الصرف ضعيف رقابيا كشف التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات عن اختلالات في تدبير العديد من المؤسسات العمومية الإستراتيجية، والجماعات الترابية التي خضعت للمراقبة خلال سنة 2010، وتهم الخطوط الملكية المغربية والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب، وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، ومكتب التسويق والتصدير، ومكتب الصرف، وصندوق التجهيز الجماعي، ومكتب مراقبة القيم المنقولة. تهدف مراقبة التدبير التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات إلى التأكد من شرعية وصحة العمليات المنجزة، وفحص صدقية ووثوقية المراقبة الداخلية، وقدرتها على ضمان تدبير يوفق بين الموارد والتحملات، وحماية الممتلكات، علاوة على تقييم جودة تدبير الأجهزة المعنية ومردودية أدائها. وكشف قضاة المجلس الأعلى للحسابات أن الوضعية المالية للخطوط الملكية المغربية عرفت تدهورا حادا منذ 2009، مما أدى إلى هشاشة التوازن المالي للمؤسسة. وازداد هذا الوضع سواء في السنة الموالية إلى درجة أن النتائج السلبية التي سجلتها المؤسسة «فاقت كل التوقعات». وسجل قضاة المجلس الأعلى للحسابات أن المراقبة الآنية التي تقوم بها إدارة الجمارك لعينة من البضائع موضوع التصاريح لا تصل إلى عتبة 10 في المائة من الكمية المصدرة، وهو ما لا يمكن من تحقيق الأهداف المنتظرة من المراقبة المادية، كما وقف قضاة المجلس الأعلى، بخصوص المراقبة المؤجلة، على أن التصاريح الأحادية للبضائع تبعث للمصلحة المعنية خارج الأجل المنصوص عليه، الشيء الذي يحول دون توفر البضاعة لدى مصالح المراقبة لفحصها ماديا. وسجل تقرير المجلس الأعلى أن إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة تمنح تسهيلات الكفالة لمقاولات لا تتوفر فيها الشروط اللازمة. وكشف التقرير أن الاختلالات المسجلة في الأنظمة الاقتصادية الجمركية أدت إلى تراكم نزاعات مهمة ، منها هيمنة حسابات الأنظمة الاقتصادية الجمركية المشمولة على قائمة النزاعات، التي تشكل حوالي 69 في المائة من هذه الأنظمة. كما توقف القضاة على اختلالات أخرى ترتبط بتصريح بعض الفاعلين بنسب تصفيات تفوق النسب التنظيمية، بالإضافة إلى تأخير في مواعيد إعداد ملفات المنازعات المرتبطة بالأنظمة الاقتصادية الجمركية، وعدم احترام الآجال المحددة لبحث الملفات إلى مصلحة المنازعات، وتأخر في وضع الشكايات لدى المحاكم، وخروقات في احترام شكليات تحرير المحاضر. أما بخصوص صندوق التجهيز الجماعي فإن الاختلالات المسجلة في تدبير هذه المؤسسات، كما كشف عنها التقرير، فإنها تتوزع إلى صرف تعويضات وعلاوات غير منصوص عليها في القانون الداخلي للمؤسسة ولا في العقود الوظيفية للأشخاص المعنيين، دون أن تتوفر شروط منحها، منها التعويضات التي حصل عليها الكاتب العام السابق دون وجه حق البالغ حجمها أكثر من 240 ألف درهم كتعويضات عن انتهاء الخدمة. وتوقف قضاة المجلس على العديد من أوجه الاختلالات في التدبير بهذه المؤسسة، من قبيل استئثار مسؤولي المؤسسة باستعمال سيارات المصلحة، بناء على أمر بمهمة دائمة واستغلال البطاقات الخضراء التي تخول لهذه السيارات بمغادرة التراب الوطني، مع العلم أن تلك البطاقات الخاصة بالتأمين تسمح فقط بالتنقل داخل التراب الوطني. واكتشف قضاة المجلس الأعلى أن صندوق التجهيز الجماعي يباشر كل سنة عمليات رعاية لبعض المؤسسات والجمعيات، من بينها معهد امديوس، الذي يديره ابراهيم الفاسي الفهري، وأن تحمله للمصاريف الخاصة بهذا المجال لا يخضع لمعايير الشفافية. وتصدر الخطوط الملكية المغربية صدارة التقرير واستأثر بالحيز الكبير من بين كل المؤسسات التي شملتها مراقبة قضاة المجلس الأعلى للحسابات. حيث فضلا عن الوضعية المتدهورة للمؤسسة والنتائج السلبية التي سجلتها، فقد كشف التقرير أيضا وجود امتيازات ومنح غير مبرة لأعضاء مجلس إدارة الشركة ومسؤوليها، حتى المتقاعدين منهم. وبلغ عدد الركاب المستفيدين من مجانية الرحلات بالشركة، سواء كانوا أعضاء مجلس الإدارة أو مسؤولين سابقين، أو موظفون حكوميين، وأفراد عائلاتهم وأقربائهم، 217 ألف و500 شخص، ما بين 2003 و2007 يمثلون ما بين 5 إلى 7 في المائة من حجم المسافرين. وسجل تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن من بين الاختلالات التي تعرفها مكتب الصرف تتمثل في الإطار القانوني المعمول به الذي أصبح متجاوزا، كما أن إصدار الدوريات المعيارية التنظيمية لا يستند إلى أي أساس قانوني. وأوصى المجلس الأعلى للحسابات بضرورة تحديث الإطار القانوني المنظم لرقابة الصرف ومراجعة مهمة المكتب في أفق التكيف مع المتطلبات الحالية لمراقبة الصرف. وكشف التقرير وجود تحويلات لرؤوس الأموال إلى الخارج بشكل مخالف للنصوص المنظمة للصرف، وقصورا على مستوى مراقبة عمليات المساعدة التقنية الأجنبية وعمليات تحويل أرباح الأسهم إلى الخارج، والعمليات التي تقوم بها البنوك وشركات التأمين وإعادة التأمين، وشركات الوساطة في البورصة مع الخارج بالعملات الصعبة. وهو ما أدى إلى نقل رؤوس أموال بشكل مخالف للمقتضيات القانونية. حيث بلغ مجموع العملات التي تم تحويلها إلى الخارج من لدن أشخاص معنويين قاطنين في إطار المساعدة التقنية الأجنبية 31.38 مليار درهم في الفترة الممتدة ما بين 2005 و2009. ويوصي المجلس مكتب الصرف بإيلاء أهمية خاصة لتحويلات الأموال للخارج في عمله الرقابي للعمليات المتعلقة بالمساعدة التقنية وبتحويل أرباح الأسهم للخارج، ووضع نظام رقابي احترازي قادر على اكتشاف العمليات المخالفة للنصوص المنظمة للصرف قبل التحويل. وبخصوص المكتب الوطني للماء الصالح للشرب فإن تقرير المجلس الأعلى للحسابات وقف على وجود إكراهات تعوق قيام المكتب بمهمة التخطيط منها تعدد المتدخلين في قطاع الماء، بالإضافة إلى العديد من النقائص على مستوى عقود البرامج وتباعد التوقعات والإنجازات. وهو ما أدى إلى وجود تقدير مبالغ فيه للاستثمار في بعض الجهات، نتيجة غياب عقد برنامج للفترة ما بين 2005 و2008 . وبلغت التفاوتات المسجلة بين التوقعات والإنجازات إلى 500 مليون درهم، دون الحديث عن عدم استفادة العديد من المراكز ذات نسبة الربط الضعيفة من استثمارات المكتب، واستخدام قاعدة تقنيات لبرمجة الاستثمارات لا تتلاءم مع الواقع. كما سجل التقرير وجود نقائص في المشاريع الاستثمارية للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب، حيث لم تتعد تنفيذ المشاريع الاستثمارية ما بين 2004 و2008 ما بين 40 إلى 80 في المائة، مع استثناء المديرية الجنوبية والأقاليم الصحراوية التي بلغت فيها 100 بالمائة. وتجلت نقائص تنفيذ المشاريع الاستثمارية للمكتب في نقص الدراسات الأولية وتخطيط المشاريع، وقصور في تتبع الأشغال، وغياب الإجراءات الكافية لمعالجة أوجه القصور المسجلة. وأفاد التقرير أن 21 حزبا سياسيا فقط من أصل 34 حزب مرخص له، قدموا حساباتهم بصفة ثانوية إلى المجلس برسم سنة 2009، منها 13 حزبا سياسيا أدلوا بحساباتهم السنوية في الأجل القانوني، وثمانية أخرى أدلوا بحساباتهم خارج الأجل، بينما لم يقدم 13 المتبقية حساباتهم بعد. وسجل التقرير وجود تباين كبير في مضمون وشكل الحسابات السنوية للأحزاب السياسية ومدى احترامها للقواعد المحاسبية المعمول بها. وقدرت الموارد الإجمالية للأحزاب السياسية برسم سنة 2009 بما مجموعه 236.19 مليون درهم، شكل دعم الدولة لتمويل الحملات الانتخابية أهم مورد لها، بحجم يصل إلى أزيد من 136 مليون درهم تمثل 57.92 في المائة، ثم الدعم العمومي السنوي البالغ 50 مليون درهم تمثل 21 في المائة، ثم الهبات 8.68 مليون درهم، وانخراطات ومساهمات الأعضاء التي لا تمثل سوى 1.35 في المائة بما مجموعه 3.19 مليون درهم. واستفادت ثمانية أحزاب من الدعم العمومي المخصص للأحزاب السياسية البالغ 50 مليون درهم، بينما كشف فحص المستندات المتعلقة بنفقات الأحزاب الثمانية، الحركة الشعبية والاستقلال والعدالة والتنمية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتجمع الوطني للأحرار والتقدم والاشتراكية والأصالة والمعاصرة أن مجموع نفقات هذه الهيئات يصل إلى أكثر من 104 ملايين درهم. وبينما كشف التقرير أن 360 مسؤولا توبعوا من طرف النيابة العامة أمام المحاكم المالية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ، ذهب إلى أن 13 قضية من قضايا الاختلال يجب أن يبث فيها وزير العدل ويحولها على النيابة العامة، وأن حوالي 24 قضية تهم التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية قد رفعت أمام المجلس الأعلى للحسابات و83 قضية أمام المجالس الجهوية للحسابات.