كريم غلاب: الاتحاد ضرورة إستراتيجية تنموية وأمنية ملحة الغطرسة الإسرائيلية تجاه حقوق الشعب الفلسطيني لا تعبر مطلقا عن إرادة في السلام اختتمت، مساء أول أمس الأحد بالرباط، أشغال الدورة الثامنة للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط بالمصادقة على خلاصات أشغال اللجان ومجموعات العمل، وتسليم رئاسة الجمعية للرئيس الجديد حيث تم تعيين رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز رئيسا جديدا للجمعية لمدة سنة. وكانت قد عقدت صباح نفس اليوم جلسة عامة في إطار أشغال هذه الدورة التي احتضنها مقر مجلس النواب يومي السبت والأحد، وتمحورت حول موضوع «الاتحاد من أجل المتوسط والتحديات الرئيسية لمنطقة المتوسط». وعرفت هذه الجلسة، على الخصوص، تدخل كل من رئيس مجلس النواب كريم غلاب ورئيس البرلمان الأوروبي مارتين شولتز ورئيس الاتحاد البرلماني الدولي عبد الواحد الراضي، وعدد من رؤساء البرلمانات ومجالس الشعب في أوربا ودول حوض المتوسط. وتميزت الجلسة بحضور كل من أندريه أزولاي مستشار جلالة الملك ورئيس مؤسسة آنا ليند، ومحمد الشيخ بيد الله رئيس مجلس المستشارين، وفتح الله السجلماسي الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط، ويوسف العمراني الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، وممثل كاثرين أشتون وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي. وأكد رئيس مجلس النواب كريم غلاب، في كلمته بالمناسبة، أن الاتحاد من أجل المتوسط يعتبر ضرورة إستراتيجية تنموية وأمنية ملحة، يزيد من حتميتها عصر التكتلات، وتطلعات شعوب الضفة المتوسطية إلى تجسيد الروابط المتجذرة التي تجمع بينها استنادا إلى علاقاتها التاريخية والحضارية ومصيرها المشترك. وشدد غلاب في كلمة خلال افتتاح الدورة الثامنة للجمعية البرلمانية للاتحاد على أن التجمع البرلماني للجمعية في سياق الظرفية الإقليمية والدولية الراهنة، من شأنه الإسهام بفعالية في تدعيم الروابط التاريخية للحوض المتوسطي التي تعتبر منبع الحضارات الإنسانية والديانات السماوية الثلاث، وموطن الشعوب المختلفة، ومنطلق التكنولوجيات الحديثة، وملتقى الثقافات، وتلاقح النظريات والأفكار. وقال في السياق ذاته «إن إيماننا قوي واقتناعنا راسخ بأن الطريق الأنجع لتحقيق التطلعات المشتركة لبلداننا الأورومتوسطية في التكامل والتنمية، والأمن والاستقرار، ورفع التحديات التي تفرضها تداعيات شمولية الاقتصاد، ومتطلبات التنمية المستدامة، ومواجهة المصاعب الأمنية المشتركة، تتمثل أساسا في تعميق تشاورنا البرلماني بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك بشكل منتظم ووفق منهجية ناجعة». من جهة أخرى، جدد رئيس مجلس النواب التأكيد على عزم البرلمان المغربي الثابت على تنشيط العمل الأورو متوسطي، مضيفا أن الاتحاد «يعد حصانة للمنطقة في وجه الأزمات الاقتصادية والمالية، والتهديدات الأمنية، ومن شأنه أن يؤهل تجمعنا ليصبح فاعلا أساسيا وشريكا استراتيجيا قويا في محيطه الإقليمي». وحول الدورة الثامنة للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، أبرز غلاب أن الجمعية تلتئم في ظل تغييرات بنيوية تشهدها المنطقة الأورومتوسطية معربا عن أمله الكبير للمضي قدما نحو مستقبل زاهر ينبني على الحوار البناء، والتشاور المتواصل والعمل البرلماني الميداني الدؤوب، لتتبوأ المكانة اللائقة بها من خلال تمكينها من كل الآليات الفعالة للنهوض بدورها الحيوي حتى تتمكن من كسب الرهانات السياسية والاقتصادية والتنموية والأمنية للمنطقة. ونوه بحصيلة الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، التي كان للمغرب شرف رئاستها منذ مارس 2011، والتي استطاعت عبر دوراتها واجتماعات لجانها وندواتها أن تؤطر حوارا برلمانيا بين ضفتي المتوسط على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، من خلال تشخيص التحديات والمشاكل، واقتراح البدائل حتى تصبح البحيرة المتوسطية عامل تلاق وتعاون وتضامن، وفضاء للسلم والاستقرار على أساس مبادئ القانون الدولي. وأشار غلاب إلى ما شهدته الضفة الجنوبية للمتوسط، منذ انعقاد الدورة الأخيرة للجمعية في روما، من تحولات وتقلبات سياسية عاصفة، وذلك نتيجة لارتفاع وتيرة الاحتجاج الجماهيري في بعض بلدان الضفة دفاعا عن مطالب جوهرية مشروعة لصيانة الكرامة الفردية والجماعية. وقال إن بعض بلدان جنوب المتوسط كالمملكة المغربية اختارت مبكرا الانفتاح والتعدد والممارسة الديمقراطية، مما أمكنها من أن تستوعب هذه اللحظة، وأن تستبقها بالإمعان في أوراش الإصلاح السياسي والدستوري التي كانت قد انطلقت منذ أكثر من عشر سنوات. ولم تفت غلاب الفرصة للتأكيد على الضرورة المستعجلة لإنهاء معاناة الشعب السوري و»ما يتعرض له من قمع وتقتيل وسفك للدماء وخرق لأبسط مبادئ حقوق الإنسان، وذلك من خلال مواقف حازمة للمجموعة العربية والمنتظم الأممي بما يضمن للشعب السوري حقه في الحرية والديمقراطية والكرامة، وفي إطار احترام سيادته ووحدته واستقراره». كما ندد بالسلوك الرسمي الإسرائيلي المتغطرس تجاه الشعب الفلسطيني، حيث تتواصل الاغتيالات الممنهجة، والاعتقالات غير المشروعة وهدم البيوت والمساكن، إمعانا في العداء والكراهية والعنصرية والنيل من طمأنينة واستقرار وراحة المدنيين العزل، والمضي بدون رادع في سياسة الاستيطان المرفوضة سياسيا وقانونيا وأخلاقيا، وعدم التردد في خرق الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني، والاستهتار بكل قرارات الأممالمتحدة ذات الصلة. وقال غلاب في هذا الصدد «إننا نستنكر بشدة هذا التعنت الإسرائيلي، ونحمل المسؤولية لإسرائيل حول تبعات وتداعيات هذه السياسة العدوانية التي لا تعبر مطلقا عن إرادة في السلام أو تطلع إلى المستقبل، أو انخراط في الأخلاق الإنسانية والحضارية المعاصرة بما تقتضيه من التزام بالمبادئ والقيم والأعراف والقوانين الدولية».. ومن هنا، يضيف رئيس مجلس النواب، فإن مسؤولية المتوسطيين اليوم في استتباب السلم والأمن والوفاق على المستوى العالمي تعتبر جسيمة لأن المدخل الأساسي للسلم العالمي هو الحل العادل والشامل والنهائي للنزاع العربي الإسرائيلي وذلك على قاعدة قرارات الأممالمتحدة ومبادئ العدل والإنصاف المتمثلة في الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتلك هي القيم الموحدة التي ستمكننا من بناء تحالف الحضارات. وخلص إلى أنه، وبالنظر للظرفية السياسية والاقتصادية والجهوية والدولية العامة التي تنعقد في إطارها الدورة الثامنة، ولنوعية القضايا السياسية التي حضرت في شأنها تقارير اللجان سواء تعلق الأمر بالقضايا السياسية ومستلزمات الأمن والاستقرار، أو القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، أو قضايا الحوار بين الثقافات والحضارات، والمساواة بين الجنسين، فإن هذه الانشغالات تعبر عن جدية الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط وتفاعلها مع محيطها، والتحولات والتحديات التي يشهدها عالم اليوم، والتي تجعل المشاكل المطروحة على البشرية في كل الميادين تتجاوز في كثير من الأحيان الخيارات الوطنية، وتتطلب مقاربة شمولية وعملا جماعيا على الصعيد الدولي من أجل عالم أكثر توازنا وعدلا وأمنا وتكافؤا وتضامنا وإنصافا. أما رئيس البرلمان الأوربي مارتين شولتز، فقد شدد في تدخله على أن الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، تشكل، بالرغم من بعض الاختلالات الوظيفية ومحدودية وسائلها، فضاء للحوار السياسي وقوة اقتراحية بامتياز. وعبر شولتز عن اقتناعه بأن التحلي بالرؤية والإرادة السياسية من شأنه أن يساهم في إحراز تقدم ملموس في عدد من مجالات التعاون، وذلك بالرغم من الأزمة الاقتصادية العالمية والتوترات الإقليمية التي تطبع المعيش اليومي، معتبرا أن هذا الطموح هو الذي غذى إطلاق الاتحاد من أجل المتوسط. ومن جهتها، أكدت ا أمنية طه ممثلة الأمين العام للجامعة العربية «أننا نعيش لحظة تاريخية لإعادة بناء منطقة أورومتوسطية ديمقراطية وسلمية، مستقرة ومزدهرة»، مضيفة أن العالم العربي يشهد تحولات متسارعة، وأن الجامعة العربية، تجاوبت مع هذه التحولات وأقرت، لأول مرة، شرعية تطلعات الشعوب العربية، في مواجهة أنظمتها، من أجل الحرية والانعتاق. وسجلت أن الجامعة العربية، باعتبارها عضوا في الاتحاد من أجل المتوسط، تدعم بشكل كبير المشاريع التي تمت بلورتها لفائدة الضفة الجنوبية للمتوسط، ملاحظة في ذات الوقت أنه لا يمكن لهذه المشاريع أن تحجب المشاكل السياسية، مما يسلط الضوء على الحاجة الكبيرة لأن يتم إعادة النظر في السياسة الأوربية اتجاه بلدان الجنوب. وأضافت أن العلاقات الأورومتوسطية عرفت خلال العقد الأخير تراجع المقاربة السياسية لتفسح المجال أمام مقاربة أمنية، موضحة أن الأحداث والثورات العربية كانت بمثابة امتحان لصناع القرار الأوربيين بخصوص الطريقة التي سيتعاملون بها مع جيرانهم في الجنوب. وأكدت أن أوربا مطالبة بإعطاء الأولوية لشركائها في الجنوب على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، وهو الأمر الذي يبرز الدور الذي ينبغي أن تضطلع به الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، مسجلة أن هذه الجمعية تشجع الفاعلين في الضفتين من أجل بناء مستقبل يسوده السلم? ويقوم على أساس التضامن والاحترام المتبادل، وهو ما يستدعي، في نظرها، أهمية تعاون وثيق مع البرلمان العربي الانتقالي. غلاب يحسم الجدل حول المشاركة الإسرائيلية في أشغال الدورة يذكر أن أشغال هذه الدورة العامة الثامنة للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، جرت على إيقاع جدل أثير في أوساط البرلمانيين المغاربة من جهة، وبين هيئات المجتمع المدني ووسائل الإعلام من جهة ثانية، حيث اعتبر متتبعون هذه التظاهرة بمثابة امتحان لحزب العدالة والتنمية الذي يرأس الحكومة الحالية، ويشكل الأغلبية البرلمانية، وذلك على خلفية حضور وفد عن الكنيست الإسرائيلي للمشاركة في أشغال الدورة. وفيما أعلن فريق العدالة والتنمية عن مقاطعته للاجتماع المتوسطي انسجاما مع مواقفه المعلنة ضد التطبيع مع إسرائيل، وأكد رئيس الفريق عبد العزيز العماري أنه قام بإخبار وزير الشؤون الخارجية والتعاون سعد الدين العثماني بهذا الموقف، اعتبر بعض المتتبعين أن موقف الحزب ينطوي على نوع من التناقض، فيما ارتأى آخرون أنه موقف طبيعي للحزب بعد أن تحول من المعارضة إلى الحكم خاصة أن العدالة والتنمية، وفي كلا الموقعين، كان قد قبل دخول اللعبة السياسية التي تقتضي «القبول بدفتر تحملات معين»، وتحديدا على مستوى الاحترام التام لمواقف المغرب الرسمية والتزاماته تجاه شركائه الدوليين. موقف الحكومة المغربية أكده رئيس مجلس النواب، كريم غلاب الذي شدد أن المغرب اختار منذ بداية مسار الاتحاد من أجل المتوسط أن يكون فاعلا قويا ويتحمل مسؤولياته كاملة في الدفاع عن رؤية الاتحاد الذي يعتبره ضرورة استراتيجية وأمنية ملحة. وأضاف غلاب في ندوة صحافية أول أمس الأحد، رفقة رئيس البرلمان الأوربي في اختتام أشغال هذه الدورة، أن الأمر «لا يستدعي تلك الضجة التي أثارتها بعض وسائل الإعلام»، علما بأن هذه المشاركة «كانت باهتة حيث شارك موظف واحد من سفارتهم في بروكسيل وليس وفد برلماني». وقال «لم يكن له حق تناول الكلمة رغم حضوره». وعلى عكس ذلك فإن ما برز في مختلف النقاشات التي طبعت أشغال الدورة «هو التضامن مع فلسطين ومواقف التأييد لقضيتها العادلة». وأشار المسؤول إلى أن ذلك تجلى في التوصيات الصادرة عن المؤتمر والتي أكدت على «أهمية واستعجالية التوصل إلى تسوية عادلة ونهائية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني كشرط ضروري لسلام دائم في المنطقة. ودعت التوصيات في هذا السياق إلى اعتراف إسرائيل بمبادرة السلام العربية واستئناف مفاوضات السلام على أساس إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة ديموقراطية وقابلة للحياة». وأكد غلاب أن موقف المغرب كدولة واضح، إذ لديه التزامات ويشارك في مؤسسات دولية من قبيل الاتحاد من أجل المتوسط وهي فضاءات اختار المغرب تحمل مسؤولياته فيها والمشاركة للدفاع عن مواقفه وتصوراته وقضاياه ولعب دور على الساحة الدولية، مؤكدا أن حضور المملكة في هذه المؤسسات يقوي مكانتها من أجل الدفاع على مصالحها الوطنية. يشار أن الاتحاد من اجل المتوسط يضم برلمانات الاتحاد الأوروبي ال27 و10 برلمانات لدول الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط و6 برلمانات لدول أخرى. ويهدف الاتحاد من أجل المتوسط الى تنمية الشراكة الأورومتوسطية وتشجيع تبادل وجهات النظر حول مختلف المسائل المرتبطة بها.