طرح مشكل التشرد والانحراف وبسط محتوياته دون أن يأتي بحل إن التشرد والانحراف تعبير طاف في جميع المجتمعات، ولكنه يعكر صفو المدن وخاصة المدن الكبرى في المجتمعات المتخلفة. وأكبر المشاكل التي تتعب الدول، وهي تكوين عصابات من الأطفال والمراهقين (أطفال الشوارع) تتكلف بارتكاب جرائم من جميع الأنواع: مخدرات، سرقات، تحرشات، اعتداءات ربما تصل إلى القتل... وكثيرون من المشردين وأطفال الشوارع يعانون من مشاكل نفسية واضطرابات عقلية، لو أنها شخصت مبكرا وعولجت مبكرا، لربما لم يصل الطفل إلى هذه المرحلة من المعيشة ومن الإجرام. والانحراف والجنوح عند الأطفال والشبان يتطور، لسبب بسيط، و هو أن الحكومات لا تعمل شيئا للحد من ذلك. ولأن المجتمع غير قادر على التعامل مع هذه الحالات. ومسؤولية الآباء واضحة وسبب من أسباب انتشار هذه الظواهر. لقد ثبت أن التعامل بالقوة ضروري لتأكيد القيم عند الأطفال، القيم التي يجب أن تسود في المجتمع. وإذا تقدمت الجريمة والتشرد وأطفال الشوارع، فلأن المجتمع المدني وضمنهم آباء وأولياء الأطفال، والحكومة لا يفعلان شيئا لكبح ولفرملة هذه الظواهر. والتساهل مع المجرمين وخاصة الأطفال أدخل إلى عقولهم فكرة سهولة السرقة وسهولة السطو والحق في الاعتداء على الغير، وفي هذا المنوال فالضحية التي تقاوم يجب عليها أن تعاقب. إن التشرد والجريمة المصاحبة له ليست بالضبط وليدة الفقر وحده، فكم من فقراء سعداء وغير مشردين مع فقرهم، بل على عكس ذلك، فالمجتمعات الثرية تحتوي على الجريمة أكثر من الدول الفقيرة لأن الإغراءات والضحايا أكثر عددا وأكثر ضعفا. لقد اختفت المعايير المقدسة للعقاب فأصبحت الدولة تعاقب من تشاء وتعفو عن من تشاء. إن دور الوالدين مهم. ومن أسباب هذا التشرد مشاكل الوالدين من خصام وعنف واغتصاب وتعنيف وتطليق. ودور المحيط والدولة مهم كذلك، فقلة أو عدم وجود عمل، الهجرة من البادية ومن نواحي المدينة أو من مدينة أخرى، عدم توفير التعليم الكافي، عدم نشر الثقافة، عدم توفير شروط الصحة والتطبيب، الانتشار الصاروخي للمخدرات، وكثرة القنوات غير النافعة بل المضرة أحيانا. والفكرة التي تقول بأن المشردين هم ضحايا هي خاطئة/غير خاطئة، وهي فكرة ضارة وغير دقيقة. وبرامج الوقاية الاجتماعية والمنظمات الدولية والوطنية كثيرة وكبيرة، وغامضة في نفس الوقت تمتص بعضها أموالا كثيرة، ولكننا لا يمكننا قياس فعاليتها، وتظهر أنه ليس هناك نتائج ملموسة. فالواجب أن تكون الوقاية مستهدفة ومحدودة المعالم وفق قوانين علمية يمكن الاعتماد عليها. وفيلم «علي زاوا» يصب في هذا المنوال، فهو يحكي قصة ثلاثة أطفال مشردين، بل قصة كل الأطفال المشردين في مدينة كبيرة وواسعة كالدار البيضاء. لقد اختار نبيل عيوش أطفالا مشردين حقيقيين عاشوا مهمشين في المجتمع لم يتربوا في ديارهم ومع آبائهم. والتربية المنزلية الأسرية من أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات وخاصة العربية والإسلامية. لأن هذه التربية هي الأساس، والإجماع حاصل عليها كسبيل من سبل الرقي والنهضة. وهذه التربية الأسرية هي مرآة حقيقية لصورة المجتمع ولأحوال الناس. وتؤدي هذه التربية، زيادة على التربية المدرسية إلى تحديد السلوكات اليومية، التي توجه التواصل الاجتماعي واللغوي والحركي لدى الأطفال والشباب. وإذا ما فلت الطفل وزاغ عن هذه التربية، فإنه يعرج نحو الانحراف الفكري واللغوي والحركي والجنسي ويتبع الانحراف والتشرد والإجرام، الذين عرفوا تطورا خطيرا واختلطت الأوراق حول الأسباب والمسببات، وزاد الطين بلة تطور التكنولوجيا ووسائل الاتصال. وأطفال فيلم «علي زاوا» مهمشون وقد تعددت الأسباب ولكن النتيجة واحدة وهي العيش في الشوارع واللفظ بالكلام البذيء الساقط، والجمل التي يخجل الإنسان العاقل الفصح بهن. ويعبر الفيلم عن عدة حالات: الحالة التي يعيشها أطفال الشوارع من تيه ووسخ ومشاكل النوم والسكن والطعام والنظافة، الحالة التي يعيشها بعض أولياء هذه الشريحة من المجتمع (مثال ذلك أم علي زاوا المومس)... الحالة/الشمعة المضيئة وهي حلم هؤلاء الأطفال رغم البؤس والحرمان والتشرد وهي مشخصة في حلم علي زاوا لكي يصبح بحارا ويسافر إلى جزيرته «ذات الشمسين»، بمساعدة أشخاص يثقون في الطفل ويقدرون حلم الطفل. إن الفيلم طرح المشكل وبسط محتوياته ولكنه لم يأت بحل.