لجنة تفعيل م.ت.ف. ومتابعة تنفيذ ورقة المصالحة، عقدت اجتماعين الأول في القاهرة (20/12/2012) والثاني في عمان. مثل الجبهة الديمقراطية فيها الرفيق فهد سليمان عضو المكتب السياسي. وقد طرحت الجبهة ثلاث قضايا تحتاج إلى حسم: الأولى ما هي الصلة بين المجلس التشريعي والمجلس الوطني الفلسطيني. الثانية توحيد قوانين الانتخابات، للتشريعي والوطني، على قاعدة التمثيل النسبي الكامل. والثالثة أن يعاد انتخاب المجلس الوطني، وأن يبقى حوالي 50 مقعداً، تتم بالتعيين لشخصيات ولمناطق لا يمكن أن تدخل الانتخابات. وتباينت المواقف بين مؤيد لموقف الجبهة الديمقراطية، وبين معارض، دون أن نتجاهل تلك الأصوات التي حاولت أن تغمز من قناة الجبهة، مدعية أنها دعت إلى العودة لنظام الكوتا، حين اقترحت الإبقاء على خمسين مقعدا يتم ملؤها بالتعيين. في اجتماع »القيادة الفلسطينية« مؤخراً في رام الله (9/2/2012)، أعيد طرح قضية «العلاقة بين التشريعي والوطني» و»قضية قوانين الانتخابات». القضية الأولى حسمها النقاش بين أعضاء اللجنة التنفيذية، وممثلي الفصائل، والكتل البرلمانية وغيرهم، بحيث يكون «التشريعي» جزءاً من «الوطني». الجبهة الديمقراطية حذرت من خطورة عدم الربط بين المجلسين، وخطورة أن يظلا مجلسين متوازيين، لا رابط بينهما. مع ملاحظة أن «التشريعي» يقتصر انتخابه على الناخبين في الضفة (والقدس) والقطاع. أما «الوطني» فيجب أن يتم انتخابه في الداخل والخارج معاً، أي أن الأول يتمتع بتمثيل مجزوء، ووظيفته جزئية، أما الثاني فتمثيله هو الشامل، ووظيفته هي الشاملة، باعتباره الهيئة التشريعية لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده. فالمنظمة هي المرجع السياسي الأعلى للسلطة الفلسطينية وبالتالي يفترض أن يكون مرجع «التشريعي» (في المعنى السياسي) هو المجلس الوطني. وإن الإبقاء على الوضع معلقاً، بحيث يكون المجلسان متوازيين، يسيران جنباً إلى جنب، لكل منهما صفته التمثيلية المستقلة عن الآخر، معناه فتح الباب على مصراعيه للتلاعب بالشرعية الفلسطينية وتالياً بالحقوق الوطنية الفلسطينية. خاصة وأن هناك من يحاول أن ينفذ إلى تأكيد شرعية «التشريعي» والغمز من قناة شرعية «الوطني»، بالقول إن «التشريعي» منتخب، وإن «الوطني««غير منتخب، بل جرى تشكيله وفق نظام الكوتا. هؤلاء يحاولون أولا أن ينسفوا التاريخ الفلسطيني الذي قام في جزء كبير منه على مبدأ «الشرعية الثورية» ويتجاهلون أن «الشرعية الثورية» لم تتشكل مجاناً، بل بتضحيات غالية وغالية جداً، من دماء وعرق وعذابات الشعب الفلسطيني. وأن هذا المجلس، غير المنتخب، هو الذي تحمل الأعباء الثقيلة في المحطات السياسية الخطيرة واتخذ القرارات الضرورية، بدءاً من تبني البرنامج المرحلي الذي وحد الشعب الفلسطيني، وشق الطريق أمامه نحو الاستقلال والعودة، وصولاً إلى إعلان الاستقلال الذي يشكل الآن الأساس السياسي للحملة الدبلوماسية نحو الأممالمتحدة.. إلى جانب قضايا كبرى لسنا الآن بوارد سردها واحدة واحدة. ونعتقد أن الإبقاء على العلاقة معلقة بين المجلسين، معناه، في ظل وجود نزعة انقسامية لدى قوى وتيارات باتت معروفة، ليس من المستبعد، يوماً ما، أن نجد أنفسنا بين مجلسين، يدعي كل منهما تمثيل الشعب الفلسطيني، وأن يستند «التشريعي» في ادعائه إلى فكرة أنه منتخب وأن غيره غير منتخب. ما يعني في النهاية التشكيك بشرعية كلا المجلسين. وفي حال إن أقرت (فرضاً) «شرعية التشريعي»، فإن الأمر لا يقتصر على خطورة شطب «الوطني»، بل وكذلك شطب من يمثلهم «الوطني»، أي ملايين اللاجئين في الشتات، ممن لم يشاركوا في انتخاب التشريعي. وهكذا يقتصر الشعب الفلسطيني على «الداخل» ويشطب الخارج. من هنا (ولأسباب أخرى) كان إصرار الجبهة على أن يكون «التشريعي» جزءاً من «الوطني». مادام «التشريعي»، بناء لقرار القيادة الفلسطينية، جزءاً من «الوطني»، فإنه لا يجوز، قانوناً، ولا سياسياً، أن يتم انتخاب الاثنين بقانونين مختلفين. أن ينتخب «التشريعي»، وفق النظام المختلط (75% تمثيل نسبي و25% دوائر) وأن ينتخب «الوطني»، بالتمثيل النسبي الكامل. ويستطيع أي قانوني، لم يتدرج بعد في القانون، أن يطعن بشرعية هذا النظام لما فيه من تمييز وعدم مساواة، وأن يقدم سلسلة من الملاحظات، التي يمكن لها أن تضع الحالة الفلسطينية كلها في مأزق قانوني، يفتح على مأزق سياسي، ويفتح الباب، لكل من يرغب في الطعن بالمؤسسة الفلسطينية، أن يفعل ذلك بسهولة ويسر، وأن يحقق ضربات قاتلة في المرمى الفلسطيني، وأن يخلق بلبلة وفوضى في صفوف الفلسطينيين. القرار الذي اتخذته القيادة الفلسطينية بضرورة توحيد القانونين لصالح التمثيل النسبي الكامل، جيد، لكنه غير كافٍ. لابد من أن يصدر بذلك قانون وفق الأصول القانونية، بحيث يصبح القرار نافذاً. وعلى اللجنة التنفيذية، باعتبارها المرجع السياسي الأعلى، وعلى رؤساء الكتل البرلمانية الذين حضروا الاجتماع القيادي أن يواصلوا العمل بحيث يصدر القرار ممهوراً بتوقيع رئيس السلطة والجهات المعنية الأخرى، بما يدخل التعديلات الضرورية على قانون انتخاب المجلس التشريعي، ليحوله من «النظام المختلط» إلى «التمثيل النسبي الكامل». قد يقول قائل إن النص على «المختلط» ورد في الورقة المصرية للمصالحة. وهل يجوز المس بالورقة؟. رداً على هذا نقول إن الورقة المصرية تعرضت على يد فتح وحماس لتعديلات كثيرة خاصة في رزنامة تطبيق ما ورد فيها من بنود. بحيث تأجلت مواعيد، ومواعيد، أكثر من مرة، دون أن يتم الالتزام بالجدول الزمني، والذي حمل تواقيع القيادات الفلسطينية الأولى في 4/5/2012فكيف يجاز العبث برزنامة التنفيذ، وأن يتم الصمت المطبق على هذا، وأن، يثار الآن موضوع قانون الانتخاب باعتباره تدخلاً في نص الورقة، علماً أن النص بالأساس خاطئ، فضلاً عن أنه نص «غير مقدس»، تجاوزته الأحداث، حين أقرت القيادة الفلسطينية تبعية التشريعي للوطني، وبالتالي، ضرورة توحيد القوانين الانتخابية. التعديل هنا هو تصويب يخدم الورقة المصرية كما يخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا. الجبهة الديمقراطية اقترحت تخصيص خمسين مقعداً في المجلس الوطني المنتخب، يعين فيها من لا يستطيع دخول الانتخابات. لذلك اقترحت (خلافا للآخرين) أن يتشكل المجلس الوطني من 400 عضو، 350 منهم منتخبون، و50 بالتعيين. قامت قيامة البعض ولم تقعد، واتهم البعض الآخر الجبهة بأنها تريد أن تعود بالحالة الفلسطينية إلى «نظام الكوتا» أي الحصص الفصائلية. الجبهة الديمقراطية واضحة وصريحة وشجاعة. والنصوص تدعم مواقف الجبهة وشجاعتها. ألا ينص القرار بالانتخاب على أن «يتم الانتخاب في الداخل وحيث أمكن في الخارج»؟ ما معنى «حيث أمكن»؟ يعني أنه لا يمكن إجراء انتخابات للمجلس الوطني في كل المناطق التي يتواجد فيها الفلسطينيون. مثلاً: هل يمكن تنظيم انتخابات في الأردن؟ إذن كيف يمكن تمثيل الأهل في الأردن، إن لم يكن بالتعيين؟ ماذا لو أن الأهل في مناطق 48 قرروا أن يشاركوا كأعضاء كاملي العضوية في المجلس الوطني؟ هل يمكن تنظيم انتخابات في مناطق 48. وهل يمكن تنظيم انتخابات (الآن) في كافة الدول العربية حيث يتواجد الفلسطينيون (ماذا عن العراق، ومصر، وسوريا، واليمن؟) لذلك كان الاقتراح حكيماً، يترك هامشاً للقيادة الفلسطينية ليكون المجلس الوطني المنتخب ممثلاً لكل تجمعات الشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده. وبالتالي فإن المسألة لا تتعلق بالكوتا بل تتعلق بالإحساس بالمسؤولية الوطنية. في اتفاق الدوحة في 6/2/2012، اتفق الرئيس عباس وخالد مشعل على «إعادة تشكيل المجلس الوطني» التشكيل شيء والانتخاب شيء آخر. عادة يقال: «إعادة التشكيل بالانتخاب». النص الحرفي لاتفاق الدوحة ينص على «إعادة التشكيل» فقط، دون أي ذكر للانتخاب. أين هم هؤلاء الذين ارتفعت أصواتهم تتهم »الديمقراطية« بأنها تريد العودة بالحالة الفلسطينية إلى نظام الكوتا؟ لم نسمع أصواتهم على الإطلاق، تعليقاً على اتفاق الدوحة، بل ذهبوا أكثر من غيرهم للترحيب به، باعتباره خطوة كبيرة على طريق إنهاء الانقسام. هناك حالات في الصف الفلسطيني لا لون لها. هي كالحرباء، تتلون، في كل مرة، باللون المناسب، الذي يتلاءم مع الجغرافيا السياسية، أو يتلاءم مع المصالح الضيقة. هؤلاء هم الأكثر خطراً على القضية الفلسطينية.