انتقادات داخلية للحكومة التونسية بسبب طرد السفير السوري أثار القرار الذي اتخذته السلطات التونسيةالجديدة بطرد السفير السوري من تونس «على خلفية قصف مدينة حمص ليلة ذكرى المولد النبوي الشريف، مما أسفر عن مقتل أكثر من مائتي شخص وإصابة مئات آخرين»، أثار ردود أفعال متباينة من العديد من الأحزاب السياسية المعارضة والمنظمات المدنية، حيث اعتبر البعض قرار الطرد «غير مدروس» و»متسرعًا» و»سابقة خطرة»، بينما رأى البعض الآخر أنّه جاء معبّرًا عن أهداف الثورة التونسية، ومتماشيًا مع مبادئها النبيلة في نصرة الشعوب التي ترزح تحت الظلم والاستبداد. فقد أعلن الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية التونسية أنّ تونس «ستشرع في الإجراءات العملية والترتيبية لطرد السفير السوري من أراضيها، وسحب أي اعتراف بالنظام الحاكم في دمشق». وأكد البيان على «ما يتعرّض له الشعب السوري الشقيق من مجازر دموية على يد النظام الحاكم في دمشق»، وأعرب عن تضامن تونس الكامل مع الأشقاء في سوريا وعن إقرانا بأن «هذه المأساة لن تعرف طريقا إلى الحل إلا بتنحّي نظام بشار الأسد عن الحكم، وفسح المجال أمام انتقال ديمقراطي للسلطة» -حقق الأمن للشعب السوري». من جانبه أكد رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي أنّ «سيادة الدول يجب أن تحترم، لكن عندما ترتكب جرائم ضد الإنسانية، فإنه يتوجب تظافر الجهود الدولية لتحرير الشعوب المضطهدة وإعلاء قيم العدالة والديمقراطية». وطالب خلال مشاركته في أعمال المؤتمر السنوي الثامن والأربعين للأمن في مونيخ «المجتمع الدولي باتخاذ موقف واضح من النظام السوري، داعيًا مجلس الأمن إلى مراجعة آلية الفيتو». وانتقد الجبالي مواقف بعض القوى الدولية الكبرى، ومنها روسيا والصين، اللتان استخدمتا «الفيتو». من جانبه، أكد وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو أنّ قرار طرد السفير السوري «نهائي وغير قابل للمراجعة»، لأنّ «تونس لا ترتبط بأي قوة في اتخاذ قراراتها، سواء كانت أميركية أو أوروبية أو عربية». وأضاف ديلو: «تونس التي أنجزت الثورة لا يمكن إلا أن تتفاعل مع الشعب السوري الذي يقتل بالمئات، وأنها لا تبالي بالنظام السوري». وحول مدى خطورة هذا القرار وتأثيره على وضع التونسيين في سوريا، قال وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية: «وضعية التونسيين في سوريا، سواء الذين يعملون هناك أو الذين يوجدون في السجون السورية، لا يمكن أن تحول دون اتخاذ قرارات دبلوماسية». من ناحيته، أشار عدنان منصر الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية إلى أنّ «مطالبة السفير السوري بالمغادرة لا يعني قطع العلاقات، بما أنه يمكن أن يواصل القائم بالأعمال الإشراف على السفارة السورية، وبالتالي فهي أمور دبلوماسية وتقنية». من جهة ثانية، فإن القانون المنظم للسلطات العمومية المؤقتة يخوّل اتخاذ مثل هذا القرار، وهذا لا يعني عدم وجود مشاورات، وبالتالي فقد تم التشاور قبل اتخاذ هذا القرار بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وهذا الموقف في مضمونه متفق عليه من طرف كل الفرقاء السياسيين». أما عن التدرج في اتخاذ هذا القرار، وهو ما تطالب به الأحزاب المعارضة، فقد قال الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية: «لقد عملنا بالتدرج قبل اتخاذ هذا القرار، حيث استدعينا سفيرنا في دمشق للتشاور، واستدعينا السفير السوري في تونس للتباحث». وعن الحديث عن تقاليد تونس في السياسة الدبلوماسية الحكيمة، قال عدنان منصر: «لو وقع في تونس أثناء الثورة عشر ما حصل في سوريا، وما يقع اليوم، لانتظر منا إخواننا في سوريا عشر الموقف الذي اتخذناه، وبالتالي هذا الموقف ينسجم تمامًا بالتزامنا بالمبادئ التي قامت عليها ثورتنا، ومع عراقة المواقف الدبلوماسية التونسية». أما عن الجالية التونسية في سوريا، فأشار إلى أنّ «هناك تضخيمًا أخشى أن يكون متعمّدًا حول عدد التونسيين في سوريا، فمعظمهم قد عادوا إلى تونس منذ اندلاع الأحداث، ومعظم الحالات هي عبارة عن زيجات بين الطرفين، وسفارتنا تتابعها باهتمام، وكذلك سفاراتنا في الدول المحيطة بسوريا، وهناك اتصالات انطلقت بدول المغرب العربي من أجل رعاية المصالح الدبلوماسية التونسية في سوريا». وأوضح محمد الصغير، عضو حركة النهضة ل»إيلاف» أنّه: «لا أحد يقبل ما يحصل للشعب السوري الشقيق من قتل على يد النظام السوري، وكل يوم تتزايد وتيرة القمع والقتل، وما حصل في مدينة حمص لا يقبله أحد، حيث تجاوز النظام كل الحدود، وأصبح يقصف المدنيين بالمدافع، وبالتالي لا يمكن أن يزايد أحد على مثل هذا القرار الجريء، الذي يتماشى والمبادئ، التي قامت عليها الثورة التونسية، وهو قرار يتناسب مع الثورة التونسية، التي كانت مثالاً في رفض الظلم و الطغيان، ومن غير المعقول أن تكون مساندًا للشعب السوري، ولا تكون ضد نظام بشار الأسد». من ناحيتها، انتقدت أحزاب ومنظمات عدة قرار طرد السفير السوري من تونس، حيث عبّر الحزب الديمقراطي التقدمي في بيانه عن «استغرابه لهذه الخطوة غير المألوفة في الأعراف الدبلوماسية التونسية، وتزامنها مع سعي أطراف عديدة إلى تدويل الصراع، وإيجاد مبررات لتدخل أجنبي، يعيد توزيع الأوراق في المنطقة العربية تحت غطاء دعم ثورة الحرية التي يخوضها ببسالة الشعب السوري الشقيق»، ودعا السلطة التنفيذية «إلى التشاور مع كل القوى الوطنية قبل اتخاذ قرارات تنعكس بحكم أهميتها على مستقبل علاقات تونس العربية والدولية». وعبّرت حركة التجديد «عن استغرابها لهذا القرار المتسرع وغير المدروس، الذي لا يأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، ومخاطر تدويل الصراع، الذي تسعى إليه أطراف عربية وخليجية على وجه الخصوص، بإيعاز وتشجيع من بعض الدول الغربية». وأضاف الأمين العام لحركة التجديد أحمد إبراهيم في تصريح ل»إيلاف»: «هذا القرار جاء متسرعًا، بالرغم من أنه يعبّر عن رفض الشعب التونسي لما يحصل للشعب السوري، وما يلقاه من ظلم واستبداد، ولكن من جهة ثانية كان على الحكومة التونسية الابتعاد عن منطق الاندفاع والتسرع، والتحلي بالحكمة والرصانة، لأن أصول العمل الدبلوماسي تتطلب ذلك». وعبّر القطب الديمقراطي الحداثي عن «رفضه لكل تدخل مسلح في الأراضي السورية ومساندته المتجددة والمطلقة للشعب السوري في نضاله من أجل حقه في إرساء نظام ديمقراطي، يضمن له الحريات والعدالة الاجتماعية»، وعن «استغرابه لهذا القرار المتسرع، الذي يدل من جديد على تذبذب دبلوماسية الحكومة التونسية بصفة عامة، ووزارة الخارجية بصفة خاصة، ويعتبر أن قرار بهذا الحجم تجاه دولة تربطنا بها علاقات ثقافية وتاريخية، لم يأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، ويمكن أن يؤدي إلى الانزلاق في مخاطر صراع، تسعى إليه أطراف عربية خليجية، وتشجع عليه بعض الدول الغربية». ودعا اتحاد عمّال تونس الحكومة إلى الالتزام بالحكمة، واعتبر أن قرار طرد السفير السوري «جاء متسرعًا وارتجاليًا». وأشار البيان إلى أن «هذا القرار لا ينسجم مع طبيعة الدور الذي يجب أن تقوم به الدبلوماسية في المحافظة على المصالح الحيوية للشعب التونسي». أما الاتحاد العام التونسي للشغل فقد اعتبر طرد السف-ر السوري قرارًا متسرعًا وغير مدروس، وجاء في البيان الذي اطلعت عليه «إيلاف» أنه «لم يراع لا الأعراف الدبلوماسية، ولا مصالح تونس في إرساء علاقات عربية، لا تتأثر بالتدخلات الخارجية». ويرى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أنه «قرار مفاجئ حقيقة، وبقدر تعاطفي مع الدوافع الإنسانية والسياسية للحكومة ورئاسة الجمهورية، فإنني أتساءل، ألم تكن عملية التدرج ضرورية في اتخاذ مثل هذا القرار، وهناك سؤالان يمكن أن نطرحهما: ماذا ربحنا من هذا القرار؟، وتكون الإجابة، لقد ربحنا أننا اتخذنا موقفًا مبدئيًا، وأننا وجّهنا رسالة إلى الشعب السوري، لنقول له إننا معه ونسانده ضد هذا النظام المستبد، وإن كان توقيت الإعلان عن هذا القرار غير موفق، لأننا اتخذنا القرار وأشغال مجلس الأمن متواصلة، وهناك مواقف لدولتين مهمتين على الصعيد الدولي، بحيث عندما ننظر إلى صدى هذا القرار التونسي نجده قد ضاع في خضم هذا الحراك الدولي». وتابع الجورشي: «والسؤال الثاني الذي نطرحه هو ما يمكن أن نخسره من جراء هذا القرار؟. الجواب هو أن هذا القرار أثار حالة من الضبابية والارتباك على مستوى الرأي العام، حيث لم يحصل التفاعل الذي كانت تنتظره الحكومة ورئاسة الجمهورية من قرار في هذا المستوى، فالتونسي يتساءل لماذا هذا القرار، ولماذا الآن، وما هي دلالاته». وأضاف «من جهة ثانية، فهذا القرار زاد من تعميق الفجوة بين الحكومة ورئاسة الجمهورية من جهة، والمعارضة والطبقة السياسية من جهة ثانية، والأمر الثالث الذي كان تتوجب مراعاته هو مصير الجالية التونسية في سوريا، والتي يصل عددها إلى نحو ثلاثة آلاف تونسي، وجدوا أنفسهم فجأة أمام مشكل كبير، والأمر الرابع هو أننا دخلنا في إشكال مع روسيا والصين، بينما نحن في أشد الحاجة إلى أن تكون علاقاتنا ممتدة نحو الجميع».