ما يجمعنا بحزب العدالة والتنمية هو الوثائق والأدبيات التي سنوقعها جميعا خاصة التصريح الحكومي عبر خالد الناصري، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المنتهية ولايتها، عن يقينه بحظوظ نجاح، الحكومة التي يرأسها عبد الإله بنكيران، وتفاؤله أن يسهم مجلس النواب بتركيبته الجديدة في التغيير. وتوقع خالد الناصري حدوث اصطدامات بين من أسماهم «قوى تريد الذهاب إلى الأمام» من جهة وأخرى «هدفها كبح هذه التجربة. واعتبر خالد الناصري، في حوار مع «بيان اليوم» أن سنة 2011 بالمغرب سنة انتقال ثلاثي: دستوري، برلماني وحكومي، مع كل ما يرافق ذلك من تجدد في بنية الممارسة السياسية. وفي ما يلي نص الحوار: * عرف المغرب، على غرار العديد من دول المنطقة، تداعيات ما بات يعرف ب»الربيع العربي»، الذي امتد على مدى السنة التي ودعناها، ما هو في نظركم، أهم ما ميز هذه السنة على المستوى السياسي بالمغرب؟ - السنة السياسية في المغرب تميزت، دون منازع، بتداعيات «الربيع العربي» الذي هبت رياحه على بلادنا كذلك، حيث ساهمت في إخصاب التربة الوطنية في اتجاه تغييرات عميقة تجلت في مزيد من توسع فضاء التعبير السياسي، ثم في خلق ظروف الانتقال إلى دستور جديد ومجدد حظي بموافقة ديمقراطية واسعة. وكل ذلك أدى إلى انتخابات تشريعية أفرزت أغلبية جديدة في سياق حراك ديمقراطي جدي على العموم، حتى وإن لم يخلُ من بعض الممارسات المشينة التي ارتكبتها بعض القوى السياسية، التي لم تفقه شيئا في التحولات العميقة التي تعرفها بلادنا. موجز القول أن سنة 2011 هي سنة انتقال ثلاثي: دستوري، برلماني وحكومي، مع كل ما يرافق ذلك من تجدد في بنية الممارسة السياسية. * انخرط المغرب في مسلسل إصلاحي واسع، دستوريا وسياسيا، استجابة لمطالب الحراك الشعبي، وأيضا لمطالب القوى الحية، كانت ثمرته إقرار دستور جديد، ثم إصلاحات سياسية مؤسسة، توجت بتنظيم انتخابات تشريعية نالت تقدير الجميع. هل في تقديركم أن هذا التوجه الإصلاحي يمكن اعتباره صمام أمان من تداعيات الحراك الشعبي؟ - التوجه الإصلاحي أمر مُحبِذ في حد ذاته، وانطلاقا من ذلك فأنا أدعمه مبدئيا، وفي كل لحظة وحين، ومع ذلك، فإن الراهنية المغربية أصبحت، هي الأخرى، تفرضه أكثر من أي وقت مضى لسببين جوهرين هما: أولا الحاجة الحيوية إلى الإصلاح، وثانيا، كما جاء في طيات سؤالك، للدور الاستراتيجي الذي يضطلع به الإصلاح في تأمين تعميق الانتقال الديمقراطي في كنف الاستقرار. فأنا أعتقد، جازما، أن المزاوجة بين المنحى الإصلاحي المنهجي وصيانة مستلزمات الاستقرار، هي مزاوجة خلاقة. بتعبير آخر، فإن التفرد المغربي أفرز واقعا مغربيا متميزا، يتلاقح فيه التغيير الديمقراطي والتوجه الإصلاحي، مع حراك شعبي خصب يبعدنا عن الفتن، وهذا أمر عظيم في حد ذاته، علينا أن نصونه ونطوره في اتجاه مزيد من الإصلاح. * أفرزت الانتخابات التشريعية الأولى، في ظل الدستور الجديد، خريطة سياسية واضحة المعالم. كيف تقيمون هذه المحطة، وما هي الرهانات المستقبلية للوضع السياسي بالمغرب في ضوء هذه النتائج؟ - أنا سعيد برؤية البناء الديمقراطي يترسخ شيئا فشيئا، أي أن النضالات والتضحيات التي خاضتها القوى الديمقراطية والتقدمية والإصلاحية لم تذهب سدى. أن أرى رأي الشعب السيادي يؤخذ بعين الاعتبار، وتحترم إرادته في اختيار ممثليه، فذلك أمر عظيم دون منازع. يبقى، بطبيعة الحال، أن الديمقراطية ليست غاية في حد ذاتها بقدر ما هي مدخل لمزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. في ضوء ذلك، يجدر التأكيد على أن الرهان الكبير، الآن، هو تقديم الأجوبة المناسبة لتطلعات المواطنين، كي يلمسوا التغيير في معيشهم اليومي، وذلك هو بالضبط الرهان المطروح على عاتق الحكومة الجديدة، المعلقة عليها آمال شعبية كبيرة جدا. * بعد محطة الاستفتاء على الدستور، وبعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، ما هي، في نظركم، الإكراهات التي قد تواجه التنزيل الصحيح للدستور الجديد للملكة، وهل مجلس النواب الجديد قادر على تفعيل المضامين المتقدمة لهذا الدستور؟ - من المؤكد أن المغرب أضحى يتوفر على دستور جديد هو بمثابة تقعيد لمقاربات مؤسساتية تشكل قطيعة مع تراكمات الماضي المتجاوزة. فسواء تعلق الأمر بنوعية العلاقة بين السلطات، أوموقعها في الهندسة المؤسساتية الجديدة، فإن الدستور الجديد جاء بمنطق مجدد ينتظر الجميع تنزيله تنزيلا متقدما. وفي اعتقادي، ليست هنالك عوائق قد تحول دون ذلك، طالما أن جميع الفرقاء السياسيين متشبعون بروحه المجددة. كل ما في الأمر، أن جميع المؤسسات قد تكون في حاجة إلى استيعاب تلك المضامين في أفقها الإصلاحي الواضح، أي أننا في حاجة إلى بناء ثقافة دستورية جديدة تستلهم مقوماتها من تلك المرجعية الإصلاحية التي تعاقدنا في شأنها عند التصويت على الدستور، وذلك حتى نعطي جميعا للنظام الدستوري الجديد أبعاده الخلاقة. * تبدو صورة المؤسسة التشريعية الجديدة، الآن، واضحة المعالم: تحالف حكومي يتوفر على أغلبية عددية مريحة، ومعارضة تبحث عن لم شتاتها، فضلا عن وجود وجوه جديدة، خصوصا الشباب داخل قبة البرلمان، لم يسبق لها الاحتكاك بالعمل البرلماني. في تقديركم هل المجلس الحالي قادر على بلورة نصوص تشريعية تتلاءم مع المقتضيات الدستورية الجديدة؟ - أنا متفائل في هذا الموضوع، أي أتوقع من التركيبة البشرية الجديدة في مجلس النواب أن تكون محملة برغبة أكيدة في التحسين. إلا أنني لست من الذين يعتقدون أن خط الفصل يمر حتما بين الشبان والكهول، بل يمر عبر فضاء يميز قوى التجديد والإصلاح، من جهة، والقوى المحافظة على دار لقمان كي تظل على حالها، من جهة ثانية. ولدي ثقة في قوى التغيير الصادقة، سواء انتمت إلى العائلة الديمقراطية العادية أو إلى قوى أخرى تنخرط فعليا في ورش الإصلاحات. وانطلاقا من ذلك، أتوقع اصطدامات، تحت قبة البرلمان، بين قوى تريد الذهاب إلى الأمام، بروح من الإقدام والمسؤولية، وقوى هدفها كبح هذه التجربة، وستوظف لتلك الغاية كل ما لديها من وسائل الشعبوية والديماغوجية والإحباط، وقد رأينا مؤشرات أولية عن ذلك في جلستي مجلس النواب المخصصتين لانتخاب الرئيس وتعيين الفرق البرلمانية، حيث تبارى البعض في اللجوء إلى نقاشات سفسطائية لا ترقى بالنقاش الديمقراطي النزيه إلى مراتبه اللائقة. يعني كل هذا، أن المسؤولية كبيرة جدا، على عاتق الأغلبية الجديدة للدفع بالبرلمان للابتعاد عن هذا النوع من الانحرافات والأضاليل، حتى يسترجع كامل مصداقيته، ويحتضن فعلا الجزء الأساسي من الحياة السياسية المغربية. * حظيت التجربة المغربية في مجال الإصلاحات السياسية بتقدير كبير من المراقبين، واعتبرت نموذجا يحتذى به في المنطقة. ما هي، في نظركم، جوانب القوة لما يمكن أن نسميه «الاستثناء المغربي»؟ - الاستثناء المغربي هو أولا المزاوجة بين الإصلاح الشجاع، بحسن نية، من جهة، والحفاظ على الاستقرار السياسي في كنف مؤسسات قادرة على استيعاب متطلبات التغيير، من جهة ثانية. وقد نجح المغرب، إلى حد كبير، خلال سنة 2011، في ربح هذا الرهان الصعب. * يتخوف البعض من صعود الإسلاميين في دول شمال إفريقيا ومصر، وربما قد تنضاف دول أخرى إلى القائمة. ما هي مبررات مثل هذا التخوف أصلا؟ وهل من سبيل لتأكيد الاستثناء المغربي في هذا الصدد؟ - كانت هناك، أصلا، تخوفات من التيارات الإسلامية، لأن جزءا غير يسير منها كانت مرجعيته وخطاباته وممارساته بعيدة عن القيم الديمقراطية، فكانت للتوجس مبررات جدية ومشروعة. أما حزب العدالة والتنمية، فيجب الإقرار بأنه مارس، في بعض الأحيان، خطابا لم يكن يتسم دائما بالوضوح الكافي، وقد حصل واختلفنا في العديد من المناسبات. إلا أنه، مع مرور الأيام، طور منظومته، ورفع عددا من الالتباسات من أجل إنضاج مقارباته الفكرية، التي جعلت عددا من قيادييه أقرب إلى منطق المسؤولية السياسية. ونحن، كقوى ديمقراطية وتقدمية، علينا أن نستخرج الخلاصة من قرار الشعب بمنحه الثقة، وبالتالي، فإننا مطالبون بأن ندعم هذه التجربة الجديدة، ونوفر لها شروط النجاح. كذلك نفهم ممارسة السياسة المسؤولة بعيدا عن الدوغمائية الفكرية، وكذا دون السقوط في نوع من السذاجة أو السطحية. وعلى كل حال، فإن الذي يجمعنا بحزب العدالة والتنمية هو الوثائق والأدبيات التي سنوقعها جميعا، خاصة التصريح الحكومي الذي ستمارس السلطة في ضوئه، فضلا عن ميثاق الشرف، الذي تم توقيعه، والذي تكفل حزب التقدم والاشتراكية بإعداد مشروعه. * مع حكومة جديدة يقودها حزب العدالة والتنمية الذي منحته صناديق الاقتراع الصدارة، والذي يلج تسيير الشأن العام للمرة الأولى. ما هي حظوظ نجاح هذه التجربة، خصوصا وأن حزب التقدم والاشتراكية مشارك فيها؟ - هذا سؤال مرتبط بالسؤال السابق، حيث يظهر لي أن حظوظ نجاح الحكومة الجديدة قائمة الذات، وهي مرتبطة بعدد من الشروط تتعلق بجودة اختيار أعضاء الحكومة لانتقاء أحسن «البروفيلات» في أحزاب التحالف الحكومي، وبالقدرة على بلورة روح تضامن حكومي حقيقية، وبالإرادة القوية في إقامة جسور الثقة والتعاون بين مكوناتها ومع المؤسسات الدستورية الأخرى. ما هو مؤكد هو أن حزب التقدم والاشتراكية متشبع، حتى النخاع، بهذه العناصر، وسيجتهد، قدر المستطاع، لتوفير كل شروط هذا النجاح، إيمانا منه بأن المسؤولية الوطنية تفرض مساعدة هذه الحكومة على التوفق في مباشرة مهامها. وكل حسابات أخرى لن تكون إلا مقاربات سياسوية غير مأمونة العواقب. * باعتبار تجربتكم الحكومية الحالية، التي تشرف على نهايتها، هل الفريق الحكومي الذي سيعوضكم قادر على طرح بدائل للقضايا والمعضلات، التي لم يحالف الحظ الفريق الحالي في النجاح فيها، والاستجابة لانتظارات الشارع والرأي العام؟ - ليس هناك فريق حكومي يجد الطريق سالكا أمامه، ذلك أن ممارسة الشأن الحكومي ليست، كما يتصورها البعض، نزهة في جنان عطرة، أو تجوال في طريق سيار ومفروش بالورود. إن المسؤولية الحكومية تعب منهك، وخيارات صعبة، وقرارات مضنية، ومجهود جبار، ومساءلة يومية.الحكومة، التي اشتغلت فيها، برئاسة الأستاذ عباس الفاسي، أبلت البلاء الحسن في ظروف صعبة للغاية، ومع ذلك كان رصيدها مشرفا جدا، في كل الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. والحكومة الجديدة سيكون عليها مواصلة أوراش الإصلاحات وليس البدء من الصفر، وبالتالي سيكون عليها تعميق تلك الإصلاحات بالذهاب أبعد مما تمكنت الحكومة المنتهية ولايتها، وأنا أراهن على مرحلة حكومية صعبة نظرا لحجم التحديات، ولكنها مرحلة مرشحة للنجاح بفضل الدعم الشعبي والمؤسساتي.