الحاجة إلى إعادة بناء الثقة بين الفاعلين السياسيين والمجتمع ودعوة الأحزاب للارتباط بقضايا المواطنين ممر ساحة البريد بالرباط يعج بالحركة الدؤوبة كالعادة في ليالي رمضان، وزادها حركة إقامة معرض للكتاب بأروقة بسيطة ولكنها تحتوي على كتب نادرة تشكل فرص لمحبي القراءة على اكتشافها. وسط هذا الزخم الكبير اختار الفرع الإقليمي لحزب التقدم والاشتراكية أن ينظم برنامج «أبواب الحزب المفتوحة» للاستماع إلى نبض الشارع وإشراكه همومه وقضاياه والتواصل معه حول الحلول التي يقترحها لتجاوز المعضلات القائمة. الليلة الثانية من برنامج الحزب برواق ساحة البريد التي نظمت أول أمس الأربعاء خصصت لموضوع «حزب التقدم والاشتراكية والوضع السياسي الراهن». وكانت مناسبة لطرح موقف الحزب بخصوص القضايا التي يعرفها المغرب في ظل الحراك الاجتماعي وفي خضم ما سمي ب «الربيع العربي». وأكد يوسف بلال، عضو المكتب السياسي للحزب، في مداخلته في هذه الأمسية الرمضانية إن تحليل الواقع السياسي الراهن للمغرب يجب أن ينطلق من الحراك السياسي والاجتماعي الذي عرفه المغرب منذ 20 فبراير والحركة الشبابية المرتبطة بها، والتي تدعو إلى تغيير أنماط الممارسة السياسية وتجديد أسسها. وأبرز يوسف بلال أستاذ العلوم السياسية أن هذا الحراك الاجتماعي جاء نتيجة بروز الحركة الاحتجاجية في الفضاء العام، بالرغم أن المغرب كان يعرف حركات احتجاجية في السنوات السابقة، إما بارتباط مع قضايا اجتماعية محددة، أو ذات طبيعة سياسية. وقال إن حركة 20 فبراير شكلت الامتداد الطبيعي للحركات الاجتماعية التي عرفها المغرب، وجعلت الديمقراطية في صلب النقاش السياسي، واستطاعت هذه الحركة التي حركت بركة المياه الراكدة في المغرب أن تجمع أطيافا سياسية مختلفة. واعتبر يوسف بلال أنه لا يمكن الحديث اليوم بالمغرب عن ديمقراطية، مضيفا أن المغرب يوجد في وضعية سياسية غير ديمقراطية، أي أن النظام السياسي بالمغرب مزدوج وذو شرعيتين: الاولى شرعية ديمقراطية والثانية غير ديمقراطية، حسب تعبيره. وأكد يوسف بلال أن حزب التقدم والاشتراكية قرر العمل من داخل المؤسسات ، وهو المعروف عنه في تاريخه الطويل أنه كان يناضل دوما من أجل التغيير. تغيير طبيعة ممارسة الحكم سمن داخل الملكية نفسها. وأتى بلال بالذكر على ما أسماه «المؤيدون» وغير المؤيدين» لحركة 20 فبراير داخل الحزب. وأبرز الباحث في العلوم السياسية أن الدستور المغربي الجديد ليس ديمقراطيا مائة بالمائة، على الرغم من أن الحزب اختار التصويت بنعم على الدستور. وحذر مع ذلك من أن المرحلة التي يعيشها المغرب في الآونة الأخيرة تنذر بكثير من المخاطر، وهو ما يستدعي الإسراع إلى إعادة بناء الثقة مع المجتمع. وقال في هذا السياق إن الممارسات السائدة رغم التصويت على الدستور الجديد لا تدل على أن هناك إشارات كافية تدل على أن المغرب يريد فعلا الدخول في مرحلة انتقالية للتهييء للديمقراطية. وشدد على أن الرهان المقبل يقع كله على عاتق الحكومة الأولى التي ستنبثق من صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبلة، وهي التي يعول عليها وضع أعراف ستحدد موازين القوى. وتساءل المتدخل عن الإمكانيات التي يتيحها الدستور الجديد، وما إذا كان بالإمكان القول إنه سيقطع مع ممارسات السابق. متسائلا عما إذا كان مقبل الأيام سينهي ما وصفه ب «زواج المتعة» بين السلطة السياسية والقوى الاقتصادية. وأعلن يوسف بلال أن حزب التقدم والاشتراكية يدرك جيدا أن هذا المسار لا يمكنه القيام به دون مشاركة باقي القوى اليسارية الأخرى، من جهة. ومن جهة ثانية تجديد النخب القادرة على مواصلة هذا الطريق، وثم أيضا جعل الأجهزة التقريرية للحزب، وعلى رأسها اللجنة المركزية مسؤولة للعب دور المحاسبة. ودعا يوسف بلال إلى إعادة ربط العلاقة مع الحركات الاحتجاجية في الشارع، والانخراط فيها بشكل واسع، لإعادة الوهج إلى الصورة المرسومة عنه، منذ مشاركته في حكومة التناوب سنة 1998، التي لم تسجل أية نتائج إيجابية على مستوى الممارسة الديمقراطية. وقال في هذا الخصوص إننا كحزب لا يمكن أن نعمل في إطار المؤسسات وان نقطع العلاقة كليا من الشارع، بل يجب المزاوجة بينهما لربح رهان التغيير. نفس الاتجاه سار عليه هشام صادوق، عضو اللجنة المركزية للحزب، الذي أكد في مداخلته حول تشريح تاريخ الاحتقان السياسي بالمغرب، أن حزب التقدم والاشتراكية كان خلال سنوات طويلة من عمره في صف المعارضة وكان مشهودا له بالنضال إلى جانب الفئات الشعبية، إلى حدود 1998 بمشاركته في حكومة التناوب وحذر صادوق من حدوث أزمة خانقة في المغرب في السنوات القليلة المقبلة، مؤكدا أن الدستور الجديد ليس نهاية كل شيء، ولا يعني بالضرورة «أن المغرب خرج من عنق الزجاجة»، وإنما يوجد الآن في مفترق الطرق، إما مواصلة المسلسل الإصلاحي والتوفر على ما يكفي من الجرأة والذكاء السياسي للقيام بالخطوة الموالية التي ستدشن للنقلة النوعية في هذا المسار. وأشار صادوق إلى أن الدستور الجديد لا يمكن اعتباره هدفا في حد ذاته وإنما وسيلة لتحقيق هذه الأهداف، ولا يمكن أن يكون دستورا مثاليا ولا يملك العصا السحرية لإيجاد الحلول لجميع المشاكل المطروحة. ومن جهته دعا هشام صادوق الأحزاب السياسية إلى الاهتمام أكثر بقضايا المواطنين، معربا عن تخوفه من أن يمتد حراك 20 فبراير إلى احتجاجات يصعب التحكم فيها على غرار صورة الصراع بين مؤيدي الدستور وعارضيه، وهو ما يقتضي القيام بإصلاحات في جميع المجالات وعلى كل المستويات. وطالب الأحزاب السياسية بإعادة هيكلة نفسها، ومن جانب آخر دعا المواطنين إلى مواكبة كل هذا المسار الإصلاحي والتأثير فيه بقوة. واعتبر عضو اللجنة المركزية للحزب أن قرار الحزب بالتصويت بنعم على الدستور نابع من إيمانه بأن الإصلاح يتم بالتدرج، وكما انتقل المغرب من ملكية تنفيذية كما هو في السابق إلى ملكية دستورية، الآن، فهو يستطيع المرور تدريجيا إلى ملكية برلمانية، غير أن هذا المسار الإصلاحي، في نظره يقتضي مواطنين يشاركون في العملية الانتقالية فاعلين في الميدان.