حافظ أبو سعدة: الانتخابات المصرية تعرضت للتزوير والتزييف قال حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، إن الانتخابات البرلمانية غير معبرة عن إرادة المصريين، مشيراً إلى أنها تعرضت للتزييف والتزوير، وأضاف أبو سعدة في مقابلة مع «إيلاف» أنه غير قلق على مستقبل الحقوق والحريات في مصر بعد سيطرة الإسلاميين على البرلمان، وبرر لذلك بأن الشعب لن يسمح إلا بوضع دستور يحفظ حقوق الجميع، بمن فيهم المرأة والأقباط والإسلاميون أنفسهم، ويمنع سيطرة تيار أو حزب واحد على السلطة، ويضمن تداولها بين مختلف التيارات والأحزاب. وأرجع أبو سعدة، الذي يشغل أيضاً عضوية المجلس القومي لحقوق الإنسان، الانتهاكات العنيفة من قبل الشرطة العسكرية بحق النساء إلى ما أسماه ب «ثقل قدم القوات المسلحة»، مشدداً على ضرورة محاكمة المسئولين عن هذه الانتهاكات، وعودة الشرطة لممارسة عملها في حفظ الأمن. ويعتبر أبو سعدة أن الثورة المصرية فشلت لأن الثوار صاروا خارج السلطة والبرلمان، متهماً فلول النظام السابق بالوقوف وراء أحداث العنف المتكررة من أجل إشاعة الفوضى في البلاد. كيف ترى أحداث مجلس الوزراء الأخيرة من منظور حقوقي؟ ما حدث يتنافى تماماً مع كافة مواثيق حقوق الإنسان الدولية التي وقعت مصر عليها، وأول تلك الانتهاكات كان فض التجمعات السلمية بالقوة، فالمتعارف عليه في جميع أنحاء العالم أن الفض يكون بالوسائل السلمية، وليس بالقوة المفرطة، لكن ما وقر في عقيدة قوات الأمن طوال العقود الماضية أن التعامل بالعنف هو أقصر طريق لفض التجمعات السلمية، وكان ذلك سائداً في ظل النظام البوليسي السابق، وحتى لو كانت تلك التجمعات غير قانونية فهذا لا يمنح السلطات الحق في فضها بالقوة. لابد من حماية حرية الرأي والتعبير في مصر، لاسيما أن الثورة قامت من أجل هذا الهدف، يجب أن تكون هناك قنوات لتوصيل الرأي الآخر للسلطات، وأن تعمل على تلبية المطالب الشعبية، وتحقيق أهداف الثورة. برأيك ما هي الأسباب التي خلقت حالة الاحتقان الشديدة لدى المحتجين تجاه المجلس العسكري؟ هناك الكثير من المواقف التي جعلت الثوار يشككون في نوايا المجلس العسكري تجاه الثورة، منها التباطؤ في تنفيذ مطالب وأهداف الثورة، وإهدار حقوق أهالي الشهداء والمصابين، لابد من ضمان حقوقهم، وإنشاء نصب تذكاري للشهداء في ميدان التحرير، لا يعقل استمرار المحاكمات العسكرية للمدنيين، هناك 12 ألف قضية منذ سقوط حكم الرئيس السابق في 11 فبراير الماضي، بعضها صدر فيها أحكام بالسجن لمدد تتراوح من 3 إلى 7 سنوات بسبب خرق حظر التجول مثلاً، كما أنه من المستفز جداً صدور أحكام ضد الثوار والمدنيين في أيام أو ساعات معدودة، والإلقاء بهم في السجون العسكرية، في حين أن رموز النظام السابق يعيشون في سجون خمس نجوم، ويحاكمون في تهم هم فيها أقرب للبراءة منها للإدانة. فضلاً عن خلو البرلمان المقبل من شباب الثورة، باستثناء واحد أو اثنين منهم، رغم أنهم ساهموا بالقسط الأكبر في اندلاعها. وهذا معناه أن الثورة فشلت، ومن غير المقبول أن يكون الثوار خارج السلطة. ما حدث أن إرادة الناس تعرضت للتزييف والتزوير. واستخدمت شبكة التزوير التي كان يستعملها الحزب الوطني المنحل. لكن هذه التصريحات تحمل قدراً كبيراً من الخطورة، لاسيما في ظل إشادة دول العالم والمنظمات الدولية والمحلية التي راقبت الانتخابات بالتجربة، ووصفتها بالنزيهة، من أين أتى التزوير؟ هناك نوعان من الانتهاكات ساهمت في تزوير إرادة الناس، الأول هو التزييف، أي إرشاد البسطاء لانتخاب حزب أو شخص معين، وهذا حدث على نطاق واسع مع المرأة، بالإضافة إلى التواجد غير القانوني لممثلي الأحزاب الدينية داخل لجان الاقتراع، من أجل إقناع الناخبين باختيار مرشحيهم، هناك شكاوى كثيرة جداً في ما يخص العبث في نتائج التصويت، كثير من المرشحين اشتكوا من أن أمناء بعض اللجان أعضاء في حزب الحرية والعدالة، وهناك شكاوى ضد حزب النور السلفي، وشكاوى أخرى ضد الكتلة المصرية، وضد حزب الوفد، وضد مرشحين مستقلين، فهذه الانتخابات لا تعبر عن إرادة المصريين، نتيجة العبث في النتائج وعمليات التصويت. بوصفك عضوا في المجلس القومي لحقوق الإنسان، كيف تعامل المجلس مع أزمة مجلس الوزراء التي سفكت فيها دماء كثيرة؟ عقدنا اجتماعا، وأصدرنا بياناً أدانا فيه استخدام القوة والعنف ضد المتظاهرين، ودعونا إلى تشكيل لجنة للتفاوض تضم شخصي بالإضافة إلى جورج إسحاق وناصر أمين ومنى ذو الفقار من أجل إيقاف العنف، والعنف المضاد. دعونا إلى ضرورة إجراء التحقيق وتقديم الجناة في أحداث مجلس الوزراء إلى القضاء، و إجراء محاكمات في الانتهاكات وأعمال العنف السابقة مثل أحداث ماسبيرو والسفارة السعودية، والبلون، وأخيراً أحداث محمد محمود، مع ضرورة إعادة النظر في محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. لكن الدعوات والمناشدات لم تعد كافية، ولاسيما أن نتائج التحقيقات في الأحداث السابقة لم تظهر حتى الآن، ما يضع علامات استفهام عديدة حولها، أليس من مقترحات غير تقليدية للتحقيق؟ نحن تحدثنا عما يسمى ب»العدالة الانتقالية»، وعن تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في كافة الانتهاكات التي تمت منذ اندلاع الثورة، وحتى الآن، يكون لها كافة صلاحيات التحقيق في استدعاء من لزم استدعاؤه، والتحقيق معه، وتعلن نتائج تحقيقاتها على الرأي العام. أنت ترى إذاً أن لجنة التحقيق المستقلة هي السبيل الأمثل لإظهار الحقيقة؟ يتبنى المجلس القومي لحقوق الإنسان تطبيق كافة بنود العدالة الانتقالية، التي تتطلب محاكمة عادلة وسريعة لرموز النظام السابق، ومكافحة الفساد، وتطهير البلاد من رموز وأذناب النظام السابق، وإعادة الحقوق لأصحابها، وإنشاء نصب تذكاري لضحايا الثورة، وتكريم أسرهم، ومساعدة المصابين وتوفير فرص عمل لهم أو رواتب تمكنهم من العيش الكريم. في أعقاب كل حادث، يلقي بعض المسؤولين باللائمة على جهات خارجية وفلول النظام السابق، لكن أحداً لم يقدم دليلاً على هذا الكلام، ما يجعله فاقداً للمصداقية، هل تهدف أحداث العنف المتوالية إلى الإبقاء على الوضع السياسي في مصر كما هو دون الانتقال إلى مرحلة بناء الدولة الديمقراطية؟ أعتقد أن الطرف الثالث في أعمال العنف المتكررة موجود وحقيقة قائمة، هناك بالفعل عناصر من النظام السابق تعمل على إشعال وإحراق البلاد، فكل تظاهرة سلمية تتحول إلى أعمال عنف، ويقتل الكثير من الضحايا، وإذا أجريت التحقيقات في أحداث مجلس الوزراء الأخيرة بشكل جدي سوف يظهر هؤلاء، خاصة في ما يخص مقتل الشيخ عماد عفت أمين لجنة الفتوى، لأنه قتل برصاصة من مسافة قريبة ومن الجنب أو الخلف، ما يعني أنها هناك عناصر مندسة وسط المتظاهرين بالفعل، نحن نعلم من هم بالتحليل، لكن نحتاج إلى معرفة من هم بالتحديد بالأسماء من خلال تحقيق جنائي. أركان النظام السابق تسعى جدياً إلى إسقاط الثورة وإشاعة الفوضى، وإظهار الثوار أو المتظاهرين على أنهم عملاء للخارج، إنهم يمتلكون أموالاً ضخمة، ونفوذا واسعا وجيوشا من البلطجية، ومن مصلحتهم إفشال الثورة لأنها تهدد مصالحهم، وتهددهم بالمحاكمة والسجن. فضلاً عن أن بعض هؤلاء ما زالوا يتولون مراكز في الحكومة، وما يحدث هو أحد مظاهر الثورة المضادة. تلاحظ أن الشرطة العسكرية تتعامل بفجاجة وعنف مفرط مع المتظاهرات، بدأ ذلك بما يعرف ب»اختبارات العذرية»، وانتهى بسحل الفتيات وتعريتهن في الشوارع مؤخراً، كيف تقرأ ذلك السلوك؟ هذا يعود إلى أن الجيش صاحب قدم ثقيلة، وليست لديه خبرات في التعامل مع الأمن الداخلي، لا أستطيع القول إن الشرطة العسكرية تتعمد التعامل بهذه الطريقة مع النساء أو المتظاهرين، لكن هذه الانتهاكات لها علاقة بطبيعة القوات المسلحة التي تتعامل مع الأعداء، وهي مدربة على التعامل بخشونة شديدة، وبالتالي فإن وضع القوات المسحلة في حفظ الأمن الداخلي والتعامل مع المتظاهرين أمر غير مقبول، يجب أن تعود الشرطة لممارسة عملها في حفظ الأمن، وإعادة هيكلتها بما يسمح لها بالتعامل بطريقة لائقة مع الشعب، وبما يتناسب مع المرحلة الجديدة في تاريخ مصر. هذا لا يعني إضفاء حماية على أحد، بل يجب التحقيق في كافة الانتهاكات، وتقديم الجناة إلى المحاكمة مهما كانت شخصياتهم. تشير نتائج الانتخابات إلى تفوق الإسلاميين بما يضمن لهم الأغلبية المطلقة في البرلمان المقبل، وما صاحب ذلك من تصريحات لقياداتهم أثارت قلق الكثير من الفئات منها المرأة والأقباط والعاملون في قطاع السياحة، كيف تقرأ هذه النتائج من المنظور الحقوقي؟ لست قلقاً على حقوق الإنسان من صعود الإسلاميين، لاسيما أن هذا البرلمان لن يكون نهاية المطاف، بل هو مجرد بداية في بناء الدولة الديمقراطية، ما يقلقني ألا تكون نتائج الانتخابات معبرة عن إرادة الشعب، الأهم هو وضع دستور يضمن تداول السلطة، يحفظ الحقوق والحريات للشعب، وخاصة الأقباط والمرأة، بمن فيهم الإسلاميون أنفسهم الذين عانوا لسنوات طويلة من الانتهاكات من قبل النظام السابق، لأن الدستور لم يكن يضمن لهم أية حقوق، هذه الانتخابات ليست حقيقية، الانتخابات الحقيقية هي التي ستتم بعد وضع الدستور وتشكيل النظام السياسي الجديد للدولة. سوف يضع المصريون دستوراً يضمن تداول السلطة، وعدم تمكن حزب واحد أو تيار في السلطة، بل يضمن الأوزان الحقيقية لكافة القوى السياسية، وسوف نقف ضد سيطرة أي تيار على السلطة مهما كان الثمن.