اختارت منظمة ترانسبارانسي المغرب، أن تمنح جائزة النزاهة لسنة 2011، في حفلها السنوي المقام، يوم الجمعة الماضي، لمواطن عادي، ارتبط اسمه بسوق الجملة للخضر والفواكه بالدارالبيضاء، لأكثر من عقد من الزمن. يتعلق الأمر بالشاب مراد الكرطومي، الذي اشتغل في البداية كوسيط في بيع وشراء المنتوجات الفلاحية، قبل أن يستغل محلا تجاريا بنفس السوق لبيع البطاطس وكراء الصناديق البلاستيكية للتجار والفلاحين. لكن سنة 2005، ستشكل منعطفا في علاقته بهذا السوق، بعد إقدام مجلس مدينة الدارالبيضاء، على حرمانه من استغلال هذا المحل التجاري، انتقاما منه، بعد أن كشف في وقت سابق عن مظاهر عديدة لاختلاسات مالية بالسوق المذكور، وهي الاختلاسات التي ترتب عنها فتح تحقيق فيها لأول مرة من طرف محكمة الخاصة بالرباط سنة 2002 قبل إلغائها في وقت لاحق. كما أن تأخر البث في الملف، بعد إحالته على استئنافية الدارالبيضاء، سيدفع مراد الكرطومي إلى توجيه شكايات متعددة لجهات مختلفة في قطاع القضاء ووزارة الداخلية وغيرهما، مع إمدادها ببيانات ووثائق دامغة تؤكد استمرار الاختلاسات بنفس السوق، مما عجل من جهة بمتابعة 26 متهما في حالة سراح في الملف الأول، ومتابعة مجموعة أخرى في الشهور الأخيرة، ضمنهم المدير الحالي للسوق ومسؤولين آخرين من أجل جناية تبديد المال العام بنفس السوق. وهكذا كرس مراد الكرطومي جزءا من حياته لمحاربة الفساد والمفسدين واستطاع بفعل إرادته القوية وإيمانه القوي أن يجعل عشرات من مسؤولي هذا السوق يقفون اليوم أمام القضاء. لقد استطاع مراد الكرطومي، الذي لقبته الصحافة الوطنية في وقت سابق ب «فاضح الفساد»، بطرقه الخاصة، أن يدق كل الأبواب، بدءا بوزارة العدل والداخلية والمنظمات الحقوقية أوالعاملة في مجال حماية المال العام أو محاربة الرشوة أوالفساد، من أجل إشعارها بمدى الفساد المالي الذي استشرى في هذا السوق، معللا ذلك، بعشرات من الأدلة والحجج التي كان يتأبطها أينما رحل.. بل واضطر في أحيان أخرى، أن يخوض إضرابات عن الطعام وخوض اعتصامات من أجل إثارة انتباه المسؤولين إلى الفضائح المالية بهذا السوق..لقد جعل فعلا من محاربته الفساد معركته الأولى، ورغم الشكايات الكيدية التي كانت ترفع ضده والاتهامات المجانية الملفقة له، فقد ظل صامدا، والدليل على ذلك، أنه رغم قضائه لثلاثة أشهر حبسا نافدا بسجن عكاشة بالدارالبيضاء، بعد أن تلفظ بكلام في فضاء استئنافية الدارالبيضاء اعتبره أحد القضاة إهانة له، في حين أن الأمر لم يكن سوى تعبير عن التماطل الذي يعرفه الملف، ورغم ذلك، لم يتراجع قيد أنملة عن شعاره المركزي «لن أسكت عن محاربة الفساد بسوق الجملة.. ولن يهدأ لي بال إلا حين ينال الفاسدون جزاءهم».. ويبدو أنه لهذه الاعتبارات وأخرى، اختارت اللجنة المشرفة على جائزة النزاهة أن هذه السنة، في دورتها الثانية، مراد الكرطومي مكافأة له على أفعاله الشجاعة في مجال محاربة الفساد، وهذا مايستشف من بلاغ لجنتها، الذي اعتبر أن مراد الكرطومي، الذي يعمل تاجرا بسوق الجملة للخضر والفواكه بالدارالبيضاء، «أعطى بشجاعته مثالا لما يمكن لأي مواطن أن يقوم به عندما يقرر أن يندد بالممارسات المتجذرة والمخالفة للقانون». مضيفا أنه، بسلوكه هذا يكون، «مراد الكرطومي قد كسر الصمت الذي يسود في مثل هذه الأوساط، على حساب أمنه الشخصي ومكسب رزقه». في نفس السياق، أكد علي صادقي عن ترانسبرانسي المغرب، في كلمة في حفل نظم بالمناسبة، أن «مراد الكرطومي، وهو تاجر بسوق الجملة بالدارالبيضاء، مافتئ منذ 10 سنوات يشجب بصوت عال وقوي الممارسات المشبوهة المتفشية في الوسط الذي يمارس فيه عمله، مقدما بذلك، نموذجا للمواطن الملتزم والوفي لمبادئه». وبدوره، وبعد تسلمه الجائزة، أكد الكرطومي في كلمة له أن هذا التكريم «يقوي خياره لتكثيف نضاله ضد ما وصفه ب»الجرائم المالية التي أصبحت سوق الجملة بالدارالبيضاء مسرحا لها»، والتي تسببت في خسائر تقدر بملايين الدراهم. وقال أيضا في تصريح آخر لبيان اليوم، «إن هذا التتويج يزيدني قوة وإيمانا لمحاربة الفساد، وأوجه بالمناسبة رسالة إلى الحكومة الجديدة، لأن تجعل من محاربة الفساد أولى أولوياتها». ومن جهته، اعتبر طارق السباعي رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب، أن «تتويج الكرطومي العضو بالهيئة الوطنية هو تتويج للهيئة الوطنية نفسها، على اعتبار أن الكرطومي لما توصل بمعلومات على العديد من الخروقات التي عرفها سوق الجملة، توجه للهيئة التي تبنت الملف وقامت بعدة إجراءت من أجل متابعة ناهبي المال». وأضاف السباعي، في اتصال أجرته معه بيان اليوم، «كان للصحافة دور أساسي أيضا في فضح هذا الملف الذي كتب حوله مايقارب 200 مقالة، وأن فوز مراد الكرطومي بجائزة النزاهة هو تتويج كذلك للصحافة وللمجتمع المدني ولتجار سوق الجملة».