الفلسطينيون لم يلمسوا تطبيقا للمصالحة بعد لقاء عباس ومشعل ينتظر الفلسطينيون ما ستفرزه الأيام المقبلة، وسلسلة اللقاءات المتواصلة، التي أعلنت عنها حركتا فتح وحماس، في أعقاب اللقاء الذي جمع الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، للحكم بشكل مطلق على نجاح أو فشل المصالحة. ويرى سياسيون ومحللون أن هذا اللقاء يؤكد أن الطرفين معنيان بإنهاء الانقسام لأهمية ذلك وضروراته بالنسبة إلى الفلسطينيين في هذه المرحلة، فيما يرى البعض أن هذه اللقاءات لا تخرج عن إطار الشكليات والقبلات وتوسيع الابتسامات والتقاط الصور. وكان الطرفان اتفقا في لقاء القاهرة، كما أعلن، على بعض بنود ملف المصالحة في ما يتعلق بالانتخابات، وتشكيل الحكومة وملف منظمة التحرير وغيره من القضايا التي أرجئ البتّ فيها إلى وقت لاحق. وأكد الكاتب والمحلل السياسي أحمد رأفت، في لقاء خاص مع «إيلاف»، أنه من الواضح الآن أن الطرفين «فتح وحماس» باتا أقرب ما يمكن إلى تحقيق المصالحة لأسباب عدة. وقال رأفت: «إن أبرز هذه الأسباب تتمثل في أن السلطة الوطنية وصلت إلى طريق مسدود في موضوع العملية التفاوضية، بسبب التعنّت الإسرائيلي في ملف الاستيطان، كما إن حركة حماس اتجهت نحو المصالحة، بسبب التغيرات الإقليمية، والأحداث الجارية في سوريا». وأشار إلى أن الطرفين أدركا تمامًا الآن أهمية الوحدة، وضرورة الاتفاق على ثوابت محددة تضمن نجاح المصالحة، لاسيما وأن الرئيس عباس فقد الثقة بالطرف الإسرائيلي والعملية التفاوضية لغياب الجهات الضاغطة على إسرائيل لاستئناف المفاوضات، إضافة إلى أن الرئيس معني بتحقيق وإنجاز المصالحة. وأوضح رأفت أن الطرفين، بعكس التوقعات والتحليلات التي صدرت، فهما جادان بشكل حقيقي، ويعملان عبر آلية حثيثة لإنجاز المصالحة التي طال انتظارها. وأعرب عن خشيته من وجود بعض العقبات، التي تعترض سير عملية المصالحة، والتي قد تتسبب في إرجائها أو تأخير تنفيذ، وتطبيق بنودها كترتيب الوضع الداخلي وملف الأمن. بخصوص إجراء الانتخابات أكد أن إجراء العملية الانتخابية في الضفة وغزة مرهون بنجاح المصالحة، حيث لا يمكن إجراؤها من دون مصالحة حقيقية. وشدد على أهمية البناء على ما تم إنجازه، حيث تبدو المعطيات أكثر وضوحًا في جدية الطرفين تجاه تحقيق المصالحة بعد الانحياز إلى الذات الفلسطينية، في ظل فشل إقناع العالم إسرائيل بالعودة إلى المفاوضات، وفي ظل المتغيرات الدولية والإقليمية، وفي ظل الامتداد الحاصل في المنطقة للإخوان المسلمين، الأمر الذي يعزز من مكانة حماس في ظل هذا الامتداد. وعن المطلوب في المرحلة المقبلة، قال رأفت: «المرحلة المقبلة تتطلب حذرًا شديدًا، لاسيما على الصعيد الإعلامي، والابتعاد عن المناكفات السياسية على شاشات الفضائيات، وتجنب الإساءة، والعمل على تهيئة الأجواء بشكل صحيح، من خلال التضحية لإنجاز هذا الملف». المصالحة بعيون فلسطينية ويرى فلسطينيون، تبعًا لاستطلاع عشوائي، أجرته «إيلاف»، من خلال مقابلات ميدانية مع عدد من المواطنين، أن موضوع المصالحة يعدّ غاية في الأهمية، ويتطلب إنجازه فعلاً تنفيذ خطوات عملية على الأرض. ويرى معظم الذين استطلعت «إيلاف» آراءهم أن لقاء عباس ومشعل يعدّ لقاء شكليًا، رغم التصريحات الإيجابية، وذلك لغياب التنفيذ الفوري لبنود المصالحة، كالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإرجاء تشكيل الحكومة إلى وقت لاحق، والحديث عن سلسلة لقاءات أخرى. وطالب هؤلاء المواطنين الطرفين بضرورة إنجاز المصالحة في ظل هذه المتغيرات التي تجري في المنطقة، والتي تدفع الفلسطينيين باتجاه ضرورة تحقيق وتطبيق المصالحة. وأكدت المواطنة أروى نصار أن الشعب الفلسطيني يتمنى نجاح المصالحة، ولكن ما نشاهده لا يدلل على ذلك، لافتة إلى أن شيئًا لن يتغير. وقالت نصار: «حاول الطرفان كثيرًا في الوقت السابق، ولم يحصل شيء، وما شاهدناه خلال لقاء الرئيس عباس ومشعل يمكن وضعه في سياق الشكليات والرسميات، وربما ساهم الربيع العربي في سعي الطرفان إلى عقد هذا اللقاء». بدوره، أكد المواطن سامي شكعة أن ما يتم الحديث عنه بخصوص المصالحة، وكأنه ضرب من الخيال، حيث إن القلوب ليست على بعضها، وأن النوايا ظاهرية، فهم يبحثون عن مصالحهم، وليس عن مصالح المواطنين بشكل عام. وأكد حمدي أبو ظهير، عضو تجمع شباب الشخصيات المستقلة، أن الآمال بإنجاز المصالحة ستبقى قائمة، رغم انشغالات الطرفين بمواقفهم، منوها بأن الضمان لإنجاز هذه المصالحة كخطوة أولى يتطلب إفراغ السجون في الضفة والقطاع من المعتقلين السياسيين، والتلاحم صفًا واحدًا تجاه التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية. ويرى عميد أبو عدي أن الحل الجذري يتطلب الإعلان الفوري عن إنهاء الانقسام والعمل على إنجاز المصالحة، وتخطي العقبات كافة، مشيرًا إلى أن قناعته في ظل هذه الظروف تسير باتجاه أن الطرفين جادان فعلاً في تحقيق المصالحة. وقال المواطن ولاء عجاج: «لقد سئمنا الوعود، وطال الانتظار من دون أن يتحقق شيء منها، وعود كثيرة أطلقها السياسيون، يكفينا وعود، نريد خطوات ملموسة على الأرض، لأن الشارع ملّ، وسئم هذه الوعود، التي لم يتحقق منها شيء، فنحن الآن نحتاج خطوات تطبّق على الأرض». المصالحة وخيبة الأمل من جهته، أكد الإعلامي الدكتور فريد أبو ظهير أن المصالحة في هذه الظروف تعتبر أساسية جدًا لأسباب عدة. وقال أبو ظهير: «تتجلى هذه الأسباب في أن الثورات العربية الجارية تفرض على الفلسطينيين التوحّد في مواجهة الاحتلال وممارساته». وأضاف: «من ناحية أخرى، فإن تعثر المفاوضات، وانسداد الأفق أمام عملية السلام، أيضًا تفرض خيارًا قد يكون وحيدًا، وهو تنفيذ المصالحة الفلسطينية، وتوحيد الجهود الهادفة إلى تحقيق الأهداف الوطنية». وذكر أن تعثر المصالحة منذ أيار الماضي أحدث نوعا من خيبة الأمل لدى الشعب الفلسطيني، وحالة من عدم الثقة بإمكانية إتمامها وتنفيذها، الأمر الذي ظهر بوضوح على ردود الفعل الشعبية والإعلامية على لقاء أبو مازن وخالد مشعل، وهي ردود فعل اتسمت بالفتور، بل باللامبالاة. وأكد، أن تنفيذ المصالحة بحاجة إلى حسن نوايا بالدرجة الأولى، وجدية من الطرفين، منوهًا بأن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بتنفيذ بنود المصالحة على الأرض. وبحسب أبو ظهير، فإنه، وكي يشعر المواطنون بوجود أجواء بناء الثقة بين الطرفين، لابد أن يتلمسون وجود تغير حقيقي، يتمثل في وجود تغيير، طرأ على العلاقة بين فتح وحماس، وبأن أجواء الحرية السياسية قد سادت في الضفة وغزة، وأن يتم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين. وأكد أن الضمان الوحيد هو جدية الطرفين وحسن النوايا، لأن عدم تنفيذ المصالحة في الضفة سيؤدي إلى عدم تنفيذها في غزة، ولذلك، فإن المسألة تعدّ مصلحة متبادلة. وبخصوص ضمانات التطبيق، قال أبو ظهير: «للأسف لا توجد ضمانات أخرى، حيث إن الطرف المصري، والأطراف العربية لم تقدم أية ضمانات، وكذلك فإن أي طرف فلسطيني لم يتمكن لغاية الآن من ضمان تنفيذ بنود المصالحة، وليس لنا كشعب فلسطيني إلا الاعتماد على أنفسنا في هذا الشأن، من خلال تنفيذ بنود المصالحة على الأرض». وكان الرئيس محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل قد اتفقا على العمل كشركاء بمسؤولية واحدة خلال اللقاء الذي جمعهما في القاهرة. وقال الرئيس للصحافيين: «لا توجد أية خلافات إطلاقًا الآن بيننا، واتفقنا على أن نعمل كشركاء بمسؤولية واحدة»، فيما قال مشعل: «أطمئن شعبنا والأمة العربية والإسلامية إلى أننا فتحنا صفحة جديدة من الشراكة بكل ما يتعلق بالبيت الفلسطيني». وقال الرئيس: «بحثنا المصالحة بكل تفاصيلها، ونحب أنّ نقول لكم إنه لا توجد خلافات إطلاقًا حول أي موضوع، وكل هذا الأمور سترونها في الأيام والأسابيع المقبلة إن شاء الله، وبهذه المناسبة نشكر مصر، ونشكر الوزير مراد موافي على الجهود التي يبذلونها الآن وبذلوها على مدار السنوات الماضية». بدوره قال مشعل، إن جلسة المباحثات التي جمعته مع الرئيس محمود عباس، خلقت أجواء إيجابية، ومن شأنها أن تعطي القضية الفلسطينية وملف المصالحة دفعة إلى الأمام. وأضاف مشعل في تصريح مقتضب للصحافيين عقب اللقاء: «أحبّ أن أطمئن شعبنا في الداخل والخارج إلى أننا بهذا اللقاء فتحنا صفحة جديدة، فيها درجة عالية من التفاهم والحرص على الشراكة، والجدية في تطبيق، ليس بنود اتفاق المصالحة فقط، بل كل ما يتعلق بترتيب البيت الفلسطيني، والتعامل مع المرحلة الراهنة والمقبلة». وأضاف: «أريد أن يطمئن الجميع، وأن ينتظر التطورات على الأرض، وليس الكلام، وهذه الأجواء إيجابية، ونأمل بأن يساعدنا شعبنا وكل القوى لمصلحة قضيتنا، ونحن سعداء لوجودنا في مصر، وكل الشكر لمصر العزيزة». لقاءات مقبلة وأعلن كل من مفوّض العلاقات الوطنية في اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد، وعضو المكتب السياسي لحركة حماس عزت الرشق، عن عقد لقاءات استكمالية بين الحركتين في الشهر المقبل لتطبيق اتفاق المصالحة، وليتم تنظيم اجتماع موسع، يضم كل الفصائل الموقعة على اتفاق المصالحة في الثاني والعشرين من الشهر المقبل. وقال الأحمد والرشق في تصريحات صحافية: «إنه تمت مناقشة كل بنود اتفاق المصالحة الموقع في 5 ماي الماضي، والمتمثلة في: منظمة التحرير، وتشكيل الحكومة، والانتخابات، والمصالحة المجتمعية، وإعادة توحيد المؤسسات الأمنية والمدنية». وبحسبهما، فإنه تم الاتفاق على عقد لجنة منظمة التحرير الفلسطينية الخاصة بإعادة تفعيل وتطوير وصياغة هياكل منظمة التحرير القيادية، الذي أصطلح عليها الإطار القيادي المؤقت، وفق إعلان القاهرة 2005، وسيلتئم هذا الاجتماع في القاهرة في الثاني والعشرين من الشهر المقبل. وأوضح الاثنان أن هذا الاجتماع بحث خطوات بناء الثقة، وخاصة موضوع المعتقلين سواء في الضفة أو غزة، موضحًا أنه تم إطلاق سراح العديد منهم، كما اتخذت خطوات من قبل الجانبين لتخفيض القيود كمنع السفر، وعودة الذين غادروا منازلهم في غزة قسرًا بسبب الانقسام. وفي تصريح صحافي، أعقب اللقاء أيضًا، أكد زكريا الآغا عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والمشارك في حوار القاهرة أن حركة فتح قدمت إلى حركة حماس 47 اسمًا من حركة فتح معتقلين في سجون الحكومة المقالة. وقال الآغا: «قدمنا 47 اسمًا إلى حركة حماس من أبناء حركة فتح معتقلين في سجون الحكومة المقالة، كما إن حركة حماس قدمت قائمة بأسماء معتقليها في سجون الضفة الغربية». وأضاف: «أنه تم الاتفاق على إنهاء هذا الملف في الأيام القليلة المقبلة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين». وكانت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والجهاد الإسلامي رحّبت بهذا اللقاء، معربين عن أملهم في ضرورة أن يتم تنفيذ بنود اتفاق المصالحة وتجسيد الوحدة الفلسطينية في أسرع وقت ممكن.