تعد بحيرة وادي زم محمية بيئية، تتكون من بحيرة مائية ومجموعة من الأشجار والنباتات، يعود تاريخ تأسيسها إلى عهد المستعمر الفرنسي الذي بناها على شكل خريطة فرنسا تقريبا، هي بحيرة، لها ميزتها التاريخية، والايكولوجية، متنفس طبيعي لسكان مدينة وادي زم، لاسيما وأنها كانت ولا تزال تعيش على وقع التهميش، مدينة قاومت كل أساليب المستعمر الفرنسي، بل احتل شهداؤها الرتبة الأولى وطنيا من حيث العدد، ومن حيث التضحيات، مما جعلها تسمى مدينة المقاومة بكل امتياز بل نجد أن فن العيطة، وفن الرما، يؤرخان لهذه المدينة من خلال وصف أدوارها التاريخية والفدائية. بحيرة من الممكن أن نؤرخ للعديد من وقائع المدينة في ضوء هذا الفضاء البيئي الذي تربينا فيه منذ طفولتنا، فضاء أطر وحدد العديد من سلوكيات شباب المدينة منذ عهد الاستعمار الفرنسي. هذه البحيرة هي اليوم تعرف بعض التجديدات والترميمات في أفق تطوير خدماتها، بادرة لا يمكن للمرء إلا أن يشجعها بعيدا كل البعد عن أي رؤية انتخابوية أو حزبوية ضيقة، لأن البحيرة هي فضاء بيئي مغربي، هو رهن إشارة 35 مليون مغربي من طنجة العالية إلى أقصى نقطة في هذا الوطن العزيز، فهذه البحيرة ولدت معجما طفوليا لدينا نحن من تربى خلال فترة الستينيات بهذه المدينة. لا زلت أتذكر، وأنا أمر من وسط هذه البحيرة في اتجاه مدرسة (النصارى)، أحمد شوقي حاليا، أشعر بقشعريرات تدب في كل أطراف جسمي، أشعر بكل الروائح الجميلة والممتعة تخترق أعضائي، (أنهب)، ما تيسر من ثمارها، وأرتوي بمياهها العذبة، أستمتع بأسماكها الساكنة لمياهها الصافية، أتأمل كل شيء فيها، أشعر وكأنني أنتمي لزمن آخر غير زمني، أشعر بامتلاكي للحظة متعة، أتلذذها على الرغم من طردي منها في النهاية بصفارة حارس كان يرهبني. العديد من المدن الصغيرة والتي لا ذاكرة لها ارتقت إداريا، وأصبحت تضم بين طياتها شركات وعمالات وجهات، لكن أسطوانة هذه المدينة لا زالت تتكرر إلى اليوم، إبعادها من أي تنمية حقيقية لساكنتها، بكل تأكيد التطاحنات القبلية والسياسوية والحزبوية، جعلت من المدينة مجرد بقرة حلوب، انتفخت العديد من البطون من خيرات هذه المدينة الخام، وهنا لابد من التذكير، أنها مدينة تنهض على حركية مائية باطنية قوية، ناهيك عن كونها كانت تمتلك أغلى تربة فوسفاطية في العالم، لكن وللأسف الشديد، كل شيء اليوم يوحي بالفراغ، عنف الفراغ المعدني، حيث كل شيء انتقل إلى مناطق أخرى وبقي لأهل المدينة ذكريات أبائهم وأجدادهم المقاومين، والعمال الأوائل الذين وضعوا بصماتهم الأولى في استخراج تربة المدينة الغالية جدا، تربة سيدي الضاوي، المنجم الذي بفضله تدرج المغرب في سلم الفوسفاط، بفضل هذه التربة ذكرت المدينة. هيهات هيهات كل شيء اليوم يوحي بأن المدينة، وكأنها ولدت فقط في الأمس القريب. لمن لا يعرف المدينة، ولرموزها الوطنية والتاريخية وحكاياتها الفدائية، عليه أن يعود إلى العديد من البحوث والمقالات التي كتبت حول المدينة، فعلى الرغم من قلتها فهي تنهض على كون المدينة، ساهمت في بناء ذاكرة الوطن العزيز. وأنت تزور فضاءات هذه البحيرة تشم رائحة الخيل والبارود، أولا تستحق هذه المدينة أن تعيش على وقع تنمية بشرية حقيقية، عوض تركها ضحية صراعات قبلية مرادة ومقصودة في الكثير من الأحيان، ناهيك عن تحويلها لبؤر سوداء من البناء العشوائي الممل، والمولد للعديد من الأفكار المتطرفة، حيث هذه الأخيرة ومن زاوية سوسيولوجية تنتعش في مثل هذه الأمكنة والأحزمة المخيفة؟ مدينة وادي زم مرهونة بشكل كبير بهذه البحيرة والتي يسميها أهل المدينة ب(اللاك)، نسبة إلى اللغة الفرنسية، إلى درجة أن فن العيطة يقول في إحدى حباته خلال الاستعمار الفرنسي (إلى مشيت اللاك/دير الموت حداك)، في إشارة إلى فترة المقاومة التاريخية بهذه المدينة التي تسكنها وتحميها أرواح الشهداء. كم ستكون لهذه الأيادي البيضاء، كل الحب والتقدير، وهي تلتفت لهذه المدينة، الحالمة بربط التاريخ بين الماضي والحاضر، لأنها مدينة سليلة التاريخ ومحبة لكل قيم الوطنية وما تنهض عليه من مكونات عميقة، ألم نشر بأن زائر البحيرة، هو موجود وبالضرورة في عمق التاريخ، حيث من اللازم استحضار من مر من هنا، ومن حارب هنا في هذا المكان وهذه الأزقة وهذه السطوح. رائحة التاريخ والبارود هنا وبهذه المدينة هي موجودة اليوم في العديد من النصوص الشعرية، ومن أقواها نص جميل للفيتوري، حيث تأثر هذا الشاعر بزيارته لمقبرة الشهداء الجماعية.