دافع رؤساء كنائس القدس عن مشاركتهم في لقاء مع الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، مؤكدين أنهم طالبوا خلاله ب"وقف شلال الدم" في غزة. وأعلنت الرئاسة الإسرائيلية عقد هذا اللقاء التقليدي ونشرت صورا له. ونقل بيان عن هرتسوغ قوله إن "قوى الشر من أسوأ الأنواع نفذت هجمات همجية وسادية" في إشارة إلى هجمات حماس في السابع من أكتوبر. وأضاف "أتوقع من زعماء العالم المسيحي أن يدينوا بشدة فظائع حماس وأن يدعموا جهودنا للقضاء على الشر" في الأراضي المقدسة. وشارك الكاردينال بيير باتيستا بيتسابالا بطريرك القدس اللاتيني، وبطريرك القدس للروم الأرثوذكس ثيوفيلوس الثالث، وحارس الأراضي المقدسة فرانشيسكو باتون. واستنكرت حركة حماس هذا اللقاء الذي أثار انتقادات شديدة في صفوف الفلسطينيين، تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي توضيح، قال بطاركة ورؤساء الكنائس في بيان مشترك إن اللقاء "لم يكن لتبادل المعايدات بل كان هدفه الرئيسي نقل الموقف الكنسي العالمي، المطالب بوقف شلال الدم في غزة". وبحسب البيان فإن "كل ما يتم تناوله خارج هذا الإطار هو بهدف تشويه صورة المسيحيين والكنائس وخدمةً لأجندات سياسية تترفع الكنائس عن الخوض فيها أو مخاطبتها". من جانبها، استنكرت حركة حماس في بيان اللقاء. وقالت "صدمتنا صورة القادة المسيحيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وهم يجتمعون مع رئيس الكيان الصهيوني بمناسبة أعياد الميلاد (..) لاسيما أنه لم يتحدث أيّ منهم عمّا يمرّ به شعبنا من أوقات عصيبة بسبب جرائم الإبادة وجرائم التطهير العرقي". ورأت حماس "نحن نعتقد أن هذه القيادة المسيحية، بهذا السلوك، لا تمثل أبناء شعبنا بكل طوائفه". واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس في 7 أكتوبر نتيجة هجوم غير مسبوق نفذته الحركة الفلسطينية على إسرائيل من قطاع غزة وأسفر عن مقتل 1140 شخصا، معظمهم من المدنيين قضى غالبيتهم في اليوم الأول، بحسب السلطات الإسرائيلية. وردت إسرائيل على الهجوم الأسوأ في تاريخها بعملية جوية وبرية على غزة، وتعهدت بالقضاء على حركة حماس. وخلفت العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة حتى الآن 20057 قتيلا، معظمهم من النساء والأطفال، وأكثر من 50 ألف جريح، وفق أحدث حصيلة لحكومة حماس. ومع ارتفاع عدد القتلى من المدنيين في غزة إلى أكثر من 20.000 شخص، فإن المدينة المحاصرة، التي تحولت فعليا إلى أنقاض بسبب القصف الإسرائيلي، تتعرض أيضا للدمار بسبب الجوع والمجاعة. وفي تقديرات جديدة صدرت في الحادي والعشرين من ديسمبر، قال التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، وهو شراكة عالمية تضم منظمة الصحة العالمية، إن غزة تواجه "مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، مع تزايد خطر المجاعة كل يوم". وجاء في تقرير نشره موقع إنتر برس أن 93 في المئة من سكان غزة، وهو رقم غير مسبوق، يواجهون مستويات أزمة الجوع، مع عدم كفاية الغذاء، ومستويات عالية من سوء التغذية. وتواجه أسرة واحدة على الأقل من كل 4 أسر "ظروفا كارثية" إذ تعاني من نقص شديد في الغذاء، وتلجأ إلى بيع ممتلكاتها وغيرها من التدابير القاسية لتوفير وجبة بسيطة. ويحذر برنامج الأغذية العالمي من أن هذه المستويات الحادة من انعدام الأمن الغذائي لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث وأن غزة معرضة لخطر المجاعة. وقالت شذى المغربي، المتحدث الرسمي باسم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، "لقد اطلعت على العديد من تقارير التصنيف المرحلي المتكامل في بلدان مختلفة طوال فترة وجودي في برنامج الأغذية العالمي ولم أر شيئا كهذا من قبل. إن مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد غير مسبوقة من حيث الخطورة وسرعة التدهور والتعقيد". وأضافت المغربي أن "عدد السكان الذين يقعون ضمن تصنيف 'الكارثة' للأمن الغذائي في غزة أو المستوى الخامس من التصنيف الدولي للبراءات يزيد بأكثر من أربعة أضعاف عن إجمالي عدد الأشخاص الذين يواجهون حاليا ظروفا مماثلة في جميع أنحاء العالم". وتابعت "نحن بحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، وفتح جميع المعابر الحدودية، واستئناف الشحنات التجارية لتقديم الإغاثة، ووضع حد للمعاناة، وتجنب التهديد الخطير للغاية المتمثل في المجاعة. لا يمكننا الانتظار حتى إعلان المجاعة قبل أن نتحرك". وفي بعثاتهم الأخيرة إلى شمال غزة، يقول موظفو منظمة الصحة العالمية إن كل شخص تحدثوا إليه في غزة يعاني من الجوع. أينما ذهبوا، بما في ذلك المستشفيات وأقسام الطوارئ، كان الناس يطلبون منهم الطعام. وقالوا "إننا نتنقل في أنحاء غزة لتوصيل الإمدادات الطبية ويهرع الناس إلى شاحناتنا على أمل أن يكون هناك طعام"، ووصفوا ذلك بأنه "مؤشر على اليأس". وفي الوقت نفسه، في تقرير جديد صدر هذا الأسبوع، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش الحكومة الإسرائيلية باستخدام "تجويع المدنيين كأسلوب حرب في قطاع غزة، وهو ما يعد جريمة حرب". وقالت المنظمة "القوات الإسرائيلية تتعمد منع إيصال المياه والغذاء والوقود، في حين تعرقل عمدا المساعدات الإنسانية، وتدمر على ما يبدو المناطق الزراعية، وتحرم السكان المدنيين من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة". ومنذ أن هاجم مقاتلو حركة حماس إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، أدلى مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى، بمن فيهم وزير الدفاع يوآف غالانت، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير الطاقة يسرائيل كات، بتصريحات علنية أعربوا فيها عن هدفهم بحرمان المدنيين في غزة من حقوقهم. وقالت هيومن رايتس ووتش إن الغذاء والماء والوقود تعكس سياسة تنتهجها القوات الإسرائيلية. وقد صرح مسؤولون إسرائيليون آخرون علنا بأن المساعدات الإنسانية لغزة ستكون مشروطة إما بالإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم حماس بشكل غير قانوني أو بتدمير حماس. وقالت آبي ماكسمان، الرئيس والمدير التنفيذي لمنظمة أوكسفام أميركا، إن الأرقام المروعة التي تصف المستويات المرتفعة للمجاعة في غزة هي نتيجة مباشرة ومدمرة ويمكن التنبؤ بها لخيارات إسرائيل السياسية، والدعم غير المشروط للرئيس الأميركي جو بايدن والنهج الدبلوماسي. وأضافت ماكسمان "لا يمكن لأي شخص مهتم أن يفاجأ بهذه الأرقام بعد أكثر من شهرين من الحصار الكامل، والحرمان من المساعدات الإنسانية، وتدمير الأحياء السكنية والمخابز والمطاحن والمزارع وغيرها من البنى التحتية الضرورية لإنتاج الغذاء والمياه". منظمات صحية عالمية تؤكد على أن غزة تواجه مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي مع تزايد خطر المجاعة كل يوم وأشارت "لإسرائيل الحق في الدفاع عن شعبها من الهجمات، لكن ليس من حقها استخدام التجويع كسلاح حرب لمعاقبة جماعية لجميع السكان المدنيين.... هذه جريمة حرب". وتابعت "باعتبارنا عاملين في المجال الإنساني، فإننا نعلم أنه لا يمكن لأي قدر من المساعدات أن يعالج هذه الأزمة المتصاعدة بشكل هادف دون وضع حد للقصف والحصار، ولكن من غير المعقول حرمان العائلات الفلسطينية التي تتضور جوعا من هذه المساعدات". ويحظر القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، تجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب. وينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن تجويع المدنيين عمدا من خلال "حرمانهم من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك تعمد إعاقة إمدادات الإغاثة" يعد جريمة حرب. ولا يتطلب القصد الإجرامي اعتراف المهاجم، ولكن يمكن أيضا استنتاجه من مجمل ملابسات الحملة العسكرية. ويرى حقوقيون أن الحصار الإسرائيلي المستمر على غزة، فضلا عن إغلاقها منذ أكثر من 16 عاما، يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي للسكان المدنيين. ويشير هؤلاء إلى أن بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، فإن من واجب إسرائيل ضمان حصول السكان المدنيين على الغذاء والإمدادات الطبية.