حظيت زراعة النخيل المنتج للتمور بأهمية كبيرة ضمن استراتيجية التنمية الفلاحية التي اعتمدها المغرب خلال السنوات القليلة الماضية، سواء في شقها المتعلق بمخطط المغرب الأخضر، أو في إطار المبادرات وخطط العمل المختلفة التي تم إطلاقها من أجل تأهيل هذا القطاع الإنتاجي، وجعله يضطلع بدوره كاملا، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو البيئي. ويأتي تنفيذ هذه الإستراتيجية التنموية في أعقاب التدهور المتواصل الذي عرفته واحات النخيل بشرق المملكة وفي مناطق الجنوب الشرقي، وذلك بفعل موجات الجفاف المتلاحقة والتغيرات المناخية الطارئة خلال العقود الأخيرة، فضلا عن انتشار الأمراض المضرة بالنخيل وفي مقدمتها مرض «البيوض»، الشيء الذي قضى على حوالي 500 ألف نخلة. ووعيا من الجهات المعنية بمكانة سلسلة إنتاج التمور ضمن النشاط الفلاحي الوطني على الخصوص، وفي إطار النسيج الاقتصادي المغربي والمنظومة البيئية الوطنية عموما، اتخذت سلسلة من الإجراءات الفعلية، والمبادرات العملية، مما يؤشر إلى أن إنتاج التمور سيعرف خلال السنوات القليلة القادمة تحولا نوعيا، وكذلك الشأن بالنسبة للوضع البيئي بواحات المنطقة الشرقية، وفي الجنوب الشرقي للمملكة. * مخطط المغرب الأخضر: العمود الفقري لاستراتيجية النهوض بسلسلة إنتاج التمور وتأتي في مقدمة هذه المبادرات العملية، الإجراءات المتخذة في إطار مخطط المغرب الأخضر، في الشق المتعلق منه بتنمية نخيل التمور الذي يشغل حاليا مساحة إجمالية تقارب حوالي 48 ألف هكتار، توجد بها حوالي 8،4 مليون نخلة، حيث وضع المخطط كهدف له غرس 9،2 مليون نخلة إضافية في أفق سنة 2020، وذلك بما يحقق مضاعفة الإنتاج ليصل إلى 185 ألف طن في أفق سنة 2030، مع العمل على تثمين المنتوج عبر تحسين النوعية وتطوير شروط التسويق. وحظيت هذه الإستراتيجية الوطنية بما يلزم من العناية ضمن المخططات الجهوية للمغرب الأخضر، حيث يصل الغلاف المالي الإجمالي المخصص لتنمية سلسلة التمور بواحات فكيك إلى 171 مليون، و283 ألف درهم خلال الفترة الممتدة بين 2010 و2014، حيث ستشمل هذه الإستراتيجية الجهوية إنقاذ الواحة، والرفع من المنتوج وتثمينه، وتجهيز 254 هكتار بتقنيات الري بالتنقيط، وتكثيف وتنقية أغراس النخيل على مساحة ألف و140 هكتار، وإنشاء وحدة للتلفيف والتبريد، وإحداث مركز للتكوين بالتدرج وغيرها من الإجراءات العملية الأخرى. وبخصوص المخطط الأخضر الجهوي المتعلق بمنطقة تدخل المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لورزازات والتي تشمل على الخصوص واحات درعة، فإن الأهداف المحددة في هذا الإطار تتمثل بالدرجة الأولى في الرفع من إنتاج هذه المنطقة من التمور بمعدل 7،3 في المائة سنة 2013، أي بإضافة 250 طنا. ثم العمل بعد ذلك على الإرتقاء بهذا المعدل ليصل نسبة 3،27 في المائة بحلول سنة 2020، أي بزيادة ألف و873 طنا إضافية. أما على صعيد منطقة تافيلالت، فسبق أن أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس في شهر نونبر من سنة 2009 بالجماعة القروية السيفة (إقليمالرشيدية)، انطلاقة إنجاز مشروع غرس مليون نخلة في أفق سنة 2015 في هذه المنطقة، والذي رصد له غلاف بمليار و250 مليون درهم. ويتوخى هذا المشروع، الذي يندرج بدوره في إطار مخطط المغرب الأخضر، ويستفيد منه ستة آلاف فلاح، توفير 450 ألف يوم عمل، وضمان تلفيف وتخزين حوالي خمسة آلاف طن من التمور محليا، والرفع من الإنتاج من 26 ألف طن خلال سنة 2010، ليصل إلى 95 ألف طن سنة 2030. ويشمل هذا المشروع، الذي يندرج في إطار برنامج عام لتنمية قطاع النخيل بمنطقة تافيلالت ويسعى إلى غرس مليونين و250 ألف نخلة بحلول سنة 2020، توسيع مساحة الواحات بإضافة 4 آلاف هكتار من خلال غرس 750 ألف فسيلة، وإنشاء وحدة لإنتاج الفسائل وخمس وحدات لتلفيف وتخزين التمور. كما يتضمن إعادة إعمار الواحات التقليدية عبر غرس 250 ألف فسيلة، وهيكلة واحات النخيل عبر تنقية 110 آلاف عش نخيل، وتثمين المنتوج مع إنشاء شارة تمييزية لصنف «المجهول»، والرفع من نسبة تنظيم القطاع من ثلاثة بالمائة إلى عشرة بالمائة. وبالموازاة مع الإجراءات العملية المتخذة في إطار مخطط المغرب الأخضر، فقد تم إطلاق مبادرات أخرى مواكبة تصب كلها في اتجاه خلق نقلة نوعية في مجال إعادة الإعتبار للواحات، والاهتمام بالجانب البيئي لهذا الموروث النباتي الوطني، فضلا عن تطوير وتثمين إنتاج التمور. * الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان: آلية لتنسيق الجهود وتوحيد الرؤى وضمن هذه الإجراءات الموازية يأتي إحداث الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان التي يشمل مجال تدخلها الواحات الموجودة في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية للمملكة، وكذا المجال الجغرافي لشجرة الأركان. وقد عهد إلى الوكالة في ما يتعلق بواحات النخيل بمجموعة من المهام، من ضمنها العمل على صون وحماية وتنمية الواحات، ولاسيما من خلال وضع مشاريع اقتصادية واجتماعية، والسعي طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها إلى صون وحماية وتنمية أشجار النخيل لتحسين الإنتاج كما وكيفا، وتشجيع الاستثمار الفلاحي وهيكلة سلسلة إنتاج وتسويق وتثمين منتوجات أشجار النخيل، خاصة في إطار الشراكة مع مختلف المتدخلين، وكذا تشجيع عقلنة تدبير الموارد المائية وتثمينها ومحاربة التصحر وزحف الرمال. كما أنيط بها العمل على تشجيع البحث العلمي المتعلق بحماية وتنمية أشجار النخيل وتثمين منتوجاتها، وكذا بالأنظمة بالبيئية للواحات وعلى وضع منظومة لتوقع المخاطر وتأثير التغيرات المناخية على هذه المناطق، إلى غير ذلك من المهام. * البحث العلمي في خدمة نخيل التمور وفي سياق توفير الشروط الضرورية لتنفيذ برامج مخطط المغرب الأخضر، خاصة في الشق المتعلق منه بتوفير ما يلزم من شتائل نخيل التمور، وقعت وزارة الفلاحة، ممثلة بالمعهد الوطني للبحث الزراعي اتفاقيتين مع مختبرات إنتاج شتائل النخيل المثمر خلال شهر فبراير من السنة الماضية. وتهدف الاتفاقيتان إلى الإكثار من هذه الشتائل عن طريق تسخير التقنيات الزراعية المخبرية التي تستخدم التلقيح الاصطناعي، وذلك بما يضمن تأمين تزويد السوق بحاجياتها خلال الفترة الممتدة ما بين 2010 و2020، بما مقداره 9،2 مليون شتلة من أصناف النخيل المكيفة والمقاومة ل»البيوض» وغيره من الأمراض الأخرى، فضلا عن كونها تتمتع بقيمة مضافة كبيرة من الناحية التجارية. * التمويل وقود فعال وضروري من أجل تحقيق الأهداف المسطرة التمويل بدوره حظي بما يلزم من الاهتمام ضمن الإستراتيجية الوطنية لتطوير سلسلة إنتاج نخيل التمور. وتأتي في هذا الإطار مبادرتان اثنتان، تتعلق أولاهما بالتوقيع على اتفاقية من طرف مجموعة القرض الفلاحي مع الدولة ممثلة في وزارة المالية والاقتصاد ووزارة الفلاحة, ومع الوكالة الوطنية لتنمية الواحات وشجرة الأركان. وستتولى مجموعة القرض الفلاحي بموجب هذه الاتفاقية تكليف فرعها «تمويل الفلاح» بمواكبة مجهود الدولة في تغطية حاجيات الفلاحين الذين يصعب عليهم ولوج الاقتراض من البنوك والبالغ عددهم حوالي 35 ألف فلاح موزعين على 47 ألف هكتار في كل من الرشيدية وطاطا وكلميم وفكيك. وتهم هذه الاتفاقية 37 مليون درهم على مدى 10 سنوات. أما المبادرة الثانية فتتمثل في توقيع «وكالة الشراكة من أجل التقدم» على عقدي تمويل بقيمة 1،46 مليون درهم بهدف تزويد فلاحي الواحات ب150 ألف شجيرة نخيل. * التكتل المهني أداة فعالة لضمان الالتقائية ولم يستثن التنظيم المهني المرتبط بإنتاج التمور من عملية التأهيل ضمن هذه الإستراتيجية الوطنية الطموحة، حيث أقدم مهنيو القطاع خلال شهر أبريل من السنة الماضية بمدينة ورزازات على تأسيس «الفدرالية البين مهنية المغربية للتمور»، وذلك بحضور ممثلين عن مختلف الفئات المتدخلة والفاعلة في القطاع من منتجين ومسوقين وباحثين وغيرهم. واعتبر البشير سعود المدير العام ل»وكالة تنمية مناطق الواحات وشجرة الأركان»، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن تأسيس هذه الفدرالية «يأتي ضمن حلقة من المبادرات الأخرى الهادفة إلى النهوض بقطاع التمور بالمغرب، معلنا حرص الدولة على وضع عقدة برنامج لتنظيم القطاع، وتحديد الأهداف المتوخاة في هذا الإطار في أفق سنة 2020». وشدد سعود على «أهمية العامل التنظيمي في تنمية قطاع نخيل التمور»، مبرزا كذلك «أهمية انخراط مختلف المتدخلين من تجار وتعاونيات ومختبرات ومنتجين في الفدرالية البين مهنية»، حيث أكد أن «من شأن ذلك أن يخلق نوعا من الترابط بين مختلف المتدخلين في إطار تكاملي يغني السلسلة ويساعد على إنتاج أكبر قسط ممكن من الثروة».