سبق للباحث الفرنسي سيرج حليمي أن أوضح في دراسة عميقة له نشرت بأحد أعداد جريدة «لومند ديبلوماتيك» الفرق القائم بين كل من «الباليو تلفزيون» و «النيوتلفزيون»، ليخلص إلى أن التلفزيون الحالي يسعى ليكون تلفزيوناً حداثياً على النمط الجديد الذي يتجلى في الرغبة في كسب أكثر عدد من المشاهدين، خصوصاً العاديين منهم، والتركيز على القضايا التي تلقى اهتمامهم بدل التركيز على القضايا الكبرى التي قد لا تثيرهم. وهو، في الواقع ما أصبحنا نراه يغزو كل تلفزيونات العالم، حيث أصبحت البرامج التلفزيونية تسعى لخلق فرجة تنتمي إلى الواقع الذي يعيشه الناس ويعرفونه في حياتهم العادية. وتركز في هذا الجانب على الاقتراب من حياة الناس البسطاء محاولة تصويرها وتقديمها كما تقع في الواقع أو على الأقل الإيهام بكونها كذلك. وهو ما سعت إليه برامج عرفت بتلفزيون الواقع. هذه البرامج التي انتشرت في القنوات الغربية لتنتقل منها الى كل تلفزيونات العالم، مع محاولة مراعاة خصوصية كل بلد على حدة تبعا لنوعية الثقافة السائدة فيه. ترحيب هكذا وجدنا كثيراً من التلفزيونات العربية ترحّب بهذا النوع من البرامج الاجتماعية خصوصاً بعد أن لاحظت وتأكدت من رغبة المشاهدين فيها. وهو ما أصبحنا نراه أيضاً في التلفزيون المغربي. فقد حرصت كل من القناة الأولى والثانية على الاهتمام بهذا النوع من البرامج التلفزيونية. تجلى ذلك على سبيل المثال في برنامج مثل «الخيط الأبيض» الذي تقدمه الإعلامية نسيمة الحر على القناة التلفزيونية الثانية، وبرنامج «تحقيق» الذي يقدم على نفس القناة، وهو كما جاء تعريفه، «يطرح مواضيع وقضايا تهم المواطن المغربي وتلامس همومه وانشغالاته. البرنامج «يعالج المواضيع بعمق ويقدم وجهات النظر المختلفة حولها، وينقل شهادات وصورا معبرة» وهو من إعداد وتقديم محمد خاتم، وهناك طبعاً برنامج «أسر وحلول» الذي تقدمه الفنانة فاطمة خير على القناة التلفزيونية الأولى، وبرنامج «مداولة»، وهو برنامج كما ورد في تعريفه «يعالج قضايا محاكم جنحية أو مدنية» وهو من إعداد وتقديم القاضية رشيدة أحفوظ، ومشاركة ممثلين مغاربة يقومون بتجسيد أطوار القضايا. وبما أن هاته البرامج قد حققت إقبالاً كبيراً من لدن المشاهدين، وجدت بسرعة برامج اجتماعية أخرى برمجت في هذا الموسم التلفزيوني الجديد، تسير على نفس المنوال، أي الاقتراب من عالم الناس والبحث عن المثير في حياتهم. وهكذا تم تقديم برنامج جديد حمل عنوان «مدام مسافرة»، وهو، كما قدمته القناة الثانية، برنامج جديد تقوم فكرته على فصل مجموعة من ربات البيوت عن أزواجهن وتكليف الرجال بالسهر على تسيير البيت والنهوض بأعبائه بما في ذلك رعاية الأطفال، وهو من اقتباس وانتاج وإخراج كل من زكية الطاهري وأحمد بوشعالة. وقدمت القناة نفسها برنامجاً جديداً آخر يسير في نفس الاتجاه الاجتماعي والاقتراب من قضايا الناس، هو برنامج «فتح قلبك» الذي يقدمه الإعلامي رشيد حمان، وهو متعلق بطرح «المشاكل الشخصية والاجتماعية التي يتخبط فيها بعض الأفراد». اقتراب إن هذا النوع من البرامج الاجتماعية رغم أهميته في تحقيق عملية الاقتراب من المشاهدين والتركيز على الفئات الكثيرة منهم، ورغم النجاح الذي يحققه أو قد يحققه على مستوى المشاهدة، لا يمكن الإكتفاء به حيث ان المطلوب من التلفزيون في مقابل هذه البرامج ان يخلق برامج تلفزيونية أخرى متعددة تهتم بالمجال الثقافي في تنوعه وغناه، خصوصاً المرتبط منه بالكتاب وبعملية ترويجه. كما هو الشأن في القنوات الغربية حيث نجد على سبيل المثال لا الحصر برامج ثقافية عديدة، منها ما يهتم باستضافة الكتاب والمثقفين للحديث عن كتبهم ومنها ما يسعى لمناقشة قضية ثقافية معينة، ومنها ما يسعى لمتابعة الإصدارات الثقافية بشكل يومي، كما هو الشأن مع برنامج «كتاب في كل يوم» الذي يقدمه الإعلامي الفرنسي أوليفيي بارو على القناة الفرنسية «فرانس2».