يبدو أن الحوار حول إصلاح مدونة الأسرة لن يكون أمرا سهلا بل تحيط به العديد من عناصر التعقيد بالنظر للقضايا الخلافية والتي ترتبط في جانب منها أساسا بالمرجعية، وقد أظهرت فعاليات اللقاء الذي احتضنته مساء يوم السبت الماضي دار الحديث الحسنية بالرباط والذي خصص لتقديم الكتاب الجماعي حول "مدونة الأسرة بين الآنية ومتطلبات الإصلاح" ، مسألة المرجعية كإحدى القضايا الخلافية الكبرى بين الداعين إلى جعل الإصلاح محدودا بثوابت الأمة و الشريعة حصرا كمرجعية وبين الداعين إلى اعتماد مرجعية تنهل من منطوق الدستور والمنظومة الكونية لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية في تفاعل مع التحولات والتغيرات العميقة التي يشهدها المجتمع المغربي أساسا على مستوى تطور أدوار المرأة. و فيما يمكن تفسيره على أنه دعوة إلى صياغة نص قانوني حديث واضح في مضامينه، اختار محمد العلمي المشيشي وزير العدل سابقا،في كلمة ألقاها في افتتاح هذا اللقاء، "إثارة نص المادة 400 من المدونة الحالية والذي يحال عليه " في كل حالة لم يرد فيها نص بالمدونة"، مما يجعله مصدر العديد من الاختلالات ، لكون هذا المقتضى يترك الباب مفتوحا أمام صدور أحكام تعاكس غايات وأهداف إصلاح مدونة 2004 ودستور 2011″. وقال محمد العلمي المشيشي، الذي يظهر من خلال مضامين كلمته أنه يدفع في اتجاه اعتماد نص يستلهم روحه من مضامين الدستور والمرجعية الكونية،" إن مدونة الأسرة يجب أن تبقى خاضعة للاجتهاد القضائي دون الإحالة على الاجتهاد الفقهي، كما أن صياغة التعديل وكتابة التشريع يجب أن تتجاوز المصطلحات العتيقة في اللغة، والتي يصعب حتى على الباحثين استيعابها". ومن جانبها، دعت نزهة الصقلي الوزيرة السابقة، رئيسة جمعية " أوال" " إلى الأخذ في إصلاح مدونة الأسرة التغييرات الكبيرة التي يشهدها المجتمع والتطور الطارئ والعميق لأدوار النساء سواء داخل الأسرة أو داخل المجتمع بصفة عامة، مؤكدة على إقرار مدونة عصرية في فلسفتها ولغتها ومقتضياتها تعتمد أساسا لها المرجعية الحقوقية ويكون مبدأ المساواة وعدم التمييز الخيط الناظم لكل أبوابها، بحيث تأخذ بعين الاعتبار مساهمة النساء في الاقتصاد الوطني وداخل أسرهن إلى جانب الرجل، مشيرة بالنسبة للتغييرات التي يعرفها المجتمع بالقول" إن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس". وشددت على ضرورة إجراء إصلاح لا تكون النساء أو الرجال الرابحين منه، بل يكون فيها المجتمع المغربي هو الرابح، بحيث يراعي هذا الإصلاح مفهوم المسؤولية المشتركة وجعله يمتد على جميع مواد المدونة ، وأشارت في هذا الصدد إلى ضرورة إعادة النظر فيما يتعلق بموضوع النسب والولاية الشرعية ومسألة الحضانة والإرث بإيجاد حلول تمكن دول إسلامية من إيجادها، كالاجتهاد مثلا الذي يقول باحتساب مساهمة الزوجة عند القسمة، فضلا عن مسألة تزويج القاصرات اللواتي ينبغي أن لايحرمن من التعليم ومن تكوين شخصيتهن بدل الزواج هذا مع الأخذ بعين الاعتبار المصلحة الفضلى للطفل. ومن جهته أكد مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي الجهوي للشرق ، والذي اختار التقديم لرأيه الذي وصفه برأيه الشخصي ولايرتبط بأي مؤسسة رسمية،" ، بالتقعيد للحوار بالقول" بالإيمان بالحوار حيث كان المسيحيون يقصدون المساجد للنقاش مع المسلمين، على أنه" بخصوص موضوع إصلاح المدونة" لا يجب أن تكون فيه خصومات بل يجب أن يكون نقاشا بناء"، ملفتا إلى أن من يريد خصومات فهو يريد شرا بالبلد". وفي المقابل، أبدى بنحمزة تشددا فيما يتعلق بالمرجعية وبعض القضايا، حيث أكد على مرجعية الشريعة فيما يتعلق بالتعدد والإرث، وشدد على عدم منع التعدد بل استحالة ذلك بحيث ربط الموضوع بالتشريع الإلهي، فضلا عن موضوع الإرث، كما أظهر مناصرة لتزويج الفتيات دون السن القانوني، رغم أنه حاول إبعاد تهمة مناصرته موضوع زواج القاصرات. فيما أبدى بنحمزة بعض المرونة فيما يتعلق بالنسب ، لكنه لم يفصح عن تفاصيل مقترحه بهذا الشأن سوى قوله "إنه كان من أول من أحدث مؤسسة لرعاية الأطفال المولودين خارج إطار العلاقة الشرعية"، هذا ولم يعترض المتحدث عن الولاية الشرعية للمرأة على أبنائها. وفي نفس المنحى سار، ابراهيم بحماني رئيس غرفة الأحوال الشخصية بمحكمة النقض ، الذي أكد على إجراء الإصلاح في ظل المرجعية المرتبطة بثوابت الأمة والشريعة، قائلا" الموضوع له محددات ترتبط بإمارة المؤمنين ودستور المملكة الذي ينص على أن دين الدولة هو الدين الإسلامي، مشيرا أنه حتى بالنسبة لليهود المغاربة يتم تطبيق قواعد الديانة اليهودية، وقد حكمت محكمة النقض بذلك في إحدى القضايا التي تخص الإرث. وأبدى المتحدث رفضا فيما يتعلق بمراجعة أحكام الإرث وأورد في هذا الصدد سورة النساء التي تتضمن أحكاما بهذا الخصوص، فضلا عن رفضه تعديل موضوع النسب. هذا وشارك في التعقيب على مضامين الكتاب الجماعي مليكة بن الراضي، الأستاذة الجامعية بجامعة محمد الخامس بالرباط، والتي أكدت أن مطالب التعديل والإصلاح التي رفعتها الحركة النسائية والحقوقية مبنية على دراسات تم الاعتماد على في جمع معطياتها على آراء ومعلومات من مختلف مناطق المغرب بما فيها المناطق النائية، وهي بذلك استندت إلى واقع المجتمع المغربي، مؤكدة فيما يخص المرجعية على أن الاعتماد على الثوابث بما يعني الإسلام المفتح ومضامين الدستور والمنظومة الكونية لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية على مختلف ، مؤكدة على الاجتهاد لوضع نص قانوني يتجاوز الاختلالات التي تطبع النص الحالي. هاذ وشهد اللقاء مشاركة كل من الأستاذ أحمد اد الفقيه، وسمير آيت ارجدال، وبنسالم اوديجا، كما شهد حضور عددا من القامات في المجال القضائي والقانوني، وسفراء معتمدين بالمملكة، فضلا عن فعاليات حقوقية ومدنية ، ويشار أن هذا اللقاء يعد تتويجا لندوة نظمها مركز سوس ماسة للدراسات القانونية والقضائية المعاصرة، حول إصلاح مدونة الأسرة ، وهي تأتي في إطار نهج الإنفتاح و المشاورات التشاركية الواسعة، التي تضمنها الخطاب الملكي، وذلك على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين، على مسار درب إصلاح مدونة الأسرة.