أجبرنا زلزال الحوز على الانتباه إلى دواوير ومناطق لم يكن أغلبنا يحفظ أسماءها الأمازيغية العريقة، ولا أحد كان يلتفت إلى واقعها وظروف أهلها، وذلك رغم أن الكثيرين يزورون أحيانا محيطها للاستجمام في بهاء طبيعتها الجميلة... الكارثة صفعتنا وكشفت أمامنا حجم البؤس والعوز والهشاشة بهذه المناطق الجبلية النائية وذات المسالك الوعرة جدا. غير بعيد عن مدينة مراكش العالمية، وفي محيط تارودانت العريقة، وحوالي مرتفعات الحوز، توجد هذه الدواوير والتجمعات السكانية، وتوجد هذه المعاناة المتواصلة منذ سنين. في هذه المناطق، هناك منتخبون ورؤساء جماعات وبرلمانيون، وهناك مصالح إقليمية وجهوية لكل الوزارات والمؤسسات، ورغم ذلك الزلزال هو من ينبهنا اليوم إلى الأوضاع البشعة التي يحياها السكان هناك. زلزال الحوز، من جهة أخرى، فضح غياب حكومتنا الموقرة وعجز أغلب وزرائها عن الكلام مع المغاربة، ولم يشعر شعبنا بأي قدرة لدى «حكومة الكفاءات»، ولم تبرز على أرض الميدان أي أهمية لوجود حكومة مكونة من أحزاب سياسية، ولديها أغلبية واسعة جدا في غرفتي البرلمان وفي مجالس الجهات والجماعات المحلية والغرف المهنية، أي أنها عكس كامل هذا الامتداد المدعى بدت بلا أي امتداد فعلي أو حضور سياسي أو تواصلي وسط الناس. لسنا هنا في مقام تصفية أي حساب، ولكن فقط نستعرض ما نبهتنا إليه الفاجعة. حوالي مهنتنا المسكينة ظهرت تجاوزات ومظاهر اعتداء وانتحال، وبرغم جهود الصحفيين المهنيين الحقيقيين وتميز أدائهم، فقد وجد من أشاع الرداءة والجهل والتقزز في محيطنا المهني ووسط الناس، وبذلك نبهتنا الفاجعة إلى ما ينتظرنا، وإلى ما يجب علينا القيام به إذا قفزنا كلنا على أنانياتنا المهنية المريضة وحساباتنا الصغيرة جدا قبل فوات الأوان. ومقابل ما سلف، جرت لنا الفاجعة آذاننا كلنا، ونبهتنا إلى أن شعبنا طيب فعلا، وبرغم ضربات الغلاء والجفاف والمضاربات والضيق والعوز، فهو لم يتردد في الانخراط التلقائي والطوعي للمساهمة بما يملك في إغاثة متضرري زلزال الحوز. شعبنا لما يواجه التحدي، ويتأكد أن ما يساهم به يذهب فعلا إلى وجهته المقررة، وأن التعبئة الوطنية حقيقية وصادقة، فهو ينخرط فيها بكل جوارحه، ويستنفر كامل جهده، وهذا درس جوهري يجب أن نفهمه جميعا، وأن نبني عليه لتقوية وتمتين جبهتنا الشعبية الداخلية بشأن كل القضايا الوطنية والأوراش التنموية الكبرى. العالم كله وقف مبهورا أمام تضحيات الشعب المغربي، ونوه الكثيرون بالتضامن الوطني المغربي وتلاحم المغاربة مع بعضهم في هذه المحنة القاسية. زلزال الحوز كشف للعالم أن المغرب يعتبر دولة حقيقية وليست بلا مؤسسات أو معرفة أو تاريخ، وأنها تصدت للكارثة، منذ اللحظات الأولى، بفضل حضور قوي وإرادي وفاعل لجلالة الملك الذي أشرف على اتخاذ القرارات وتابع تنفيذها على مدار الساعة، وبقي ساهرا على كل التفاصيل لإغاثة المنطقة وأهلها ودعمهم ومن أجل إعادة الإعمار. انبهر العالم وأعجب بخبرة وكفاءة وتضحيات قوات الجيش وقوات الأمن والدرك والقوات المساعدة والوقاية المدنية وأطقم الإسعاف ومصالح وزارة الصحة ووزارة التجهيز... وحتى لما يتأخر الوصول إلى مناطق نائية معينة لفترة ما، فإن ذلك لم ينقص من بطولة الأجهزة المغربية وما أبانت عنه من كفاءات وخبرات. وحتى في تدبير التفاعل مع طلبات المساعدات الدولية، أبانت المملكة عن جدية كبيرة، وعن صرامة استقتها من تجارب دولية سابقة، حيث تحولت بعض المساعدات الدولية إلى فوضى وإرباكات، وأفضت إلى عكس المرجو منها، وهو ما أصر المغرب على تفاديه، وتفهمته الكثير من الدول عدا فرنسا التي يحكمها قائد صغير جدا يفتقر إلى النضج ووضوح النظر ولباقة الأسلوب. معظم العالم وشعوبه حيوا المملكة على صمودها في وجه التعالي الفرنسي وإصرارها على قرارها السيادي المستقل. زلزال الحوز بكل هذه التنبيهات سيكون له، بلا شك، ما بعده، ومن المؤكد لن تتعامل المملكة مع الأشياء كما في السابق. من غير المعقول أن يكون لدينا شعب يبادر إلى السفر إلى مناطق الزلزال من دون أن يفرض عليه أحد ذلك ويدعم أشقاءه وأهله هناك بكل ما يملك، وفي نفس الوقت يبقى وزراء ومسؤولون يعجزون حتى عن التواصل والكلام مع المغاربة. ومن غير المعقول ألا تتعبأ كل الجهات المهنية والإدارية والاقتصادية للانخراط في مخطط عمل استراتيجي وطني لتمكين بلادنا قريبا من إعلان وطني مهني ذي مصداقية تعتمد عليه للدفاع عن قضاياها الوطنية ومصالحها، وتتصدى، من خلاله، لخصومها بكل احترافية وجودة أداء. ومن غير المعقول أن لا ينجم عن هزة الأرض زلزال آخر في تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات، وأن نبني على ذلك إعمال واقع معيشي مختلف لسكان الحوز وكل المناطق الجبلية المهمشة. للفاجعة دروس وتنبيهات وعبر، ويجب أن ندركها ونستوعبها ونعمل بما تمليه علينا. محتات الرقاص