طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب    كأس إفريقيا لكرة القدم للسيدات المغرب 2024.. لبؤات الأطلس في المجموعة الأولى مع الكونغو الديمقراطية والسنغال وزامبيا    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين        الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    السجن المحلي بالقنيطرة ينفي تدوينات يدعي أصحابها انتشار الحشرات في صفوف السجناء    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال        مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية في مجموعة "قل لهم أن يتمسكوا بأحلامهم" لخديجة برعو"
نشر في بيان اليوم يوم 10 - 08 - 2023

تنتظم المجموعة القصصية "قل لهم أن يتمسكوا بأحلامهم" للشاعرة والقاصة خديجة برعو، التي سنتناولها في هذا المقال بالدراسة والتحليل، في أربع وستين صفحة وتتضمن عشرَ قصص قصيرة هي على التوالي:
* قل لهم أن يتمسكوا بأحلامهم
* فزاعة
* إنك أنا وأنا أنت
* أنا الثلج
* عقول عمياء
* طباع إنسانية
* تمترس
* شيء ما سلب مني
* سحر الأرقام
* الضمائر الحية
قبل الولوج إلى متن المجموعة القصصية، لا بد من المرور عبر عتبة أو عتبات هذه المجموعة، والغلاف هو أول ما يجذب انتباهنا في هذه العتبات، حيث تتوسطه لوحة فنية تشكيلية تتضمن أشكالا هندسية متداخلة تمتزج فيها ألوان حارة (الأحمر والأصفر والبرتقالي) وألوان باردة (الأخضر والأزرق والبنفسجي)؛ والأكيد أن لكل لون دلالة نفسية معينة، وتدل على معنى واضح، فاللون الأحمر يرتبط بلون الدم وهو من الألوان الجريئة التي تعبر عن التضحية. أما الأصفر فهو لون الشمس ويرمز للدفء والطاقة والحيوية ومزيج من التميز والقوة. ويرمز اللون الأزرق إلى السقم بسبب تلون الكدمات بلونه، ولكنه أيضا لون السماء الجميل الصافي ولون البحر، وهو يدل على الهدوء والرقة والطمأنينة. أما البنفسجي فينسب إلى زهرة البنفسج وهو ناتج عن خلط اللونين الأحمر والأزرق، وهو لون يشعر بالخيال والرومانسية وتدفق الأفكار.
ننتقل من لوحة الغلاف إلى عنوان المجموعة: "قل لهم أن يتمسكوا بأحلامهم"، فمنذ الوهلة الأولى نلاحظ أن هذا العنوان عبارة عن جملة إنشائية طلبية صيغتها الأمر، وإعرابها كالتالي:
قل: فعل أمر مبني على السكون فاعله ضمير مستتر تقديره أنت والجملة مستأنفة.
لهم: اللام حرف جر، الهاء ضمير متصل في محل جر اسم مجرور، والميم للجماعة.
أن: جرف نصب وتوكيد.
يتمسكوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون نيابة عن الفتحة لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
بأحلامهم: جار ومجرور وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه، الميم دالة على الجمع.
عرف جيرار جينيت العتبة العنوانية بقوله: إنها «نقطة ذهاب وإياب إلى النص..» أي إشارات دالة ورامزة تفتح مغاليق النّص وتكشف عن غموضه!! وعرفها بقوله إنها «علامات دلالية تشرع أبواب النص أمام المتلقي للولوج إلى أعماقه» أي إنها مداخل قِرائِية لكي نصل إلى أعماق النص.
إن العنوان، وإن كان حَمال أَوجه، لا يكون صادقا دائما. فالعناوين مخاتلة وربما صادمة، وعنوان مجموعة الأديبة خديجة برعو "قل لهم أن يتمسكوا بأحلامهم" هو نفس عنوان نصها السردي الأول، وكما قلنا سابقا هذا العنوان هو جملة إنشائية طلبية بصيغة الأمر، وهي تفيد النصح والتوجيه، وحري بنا أن نضع هذا العنوان في السياق الذي أوردته الكاتبة في نصها كقفلة له:
"صاح اليراع:
– الأحلام… الأحلام
دوت الكلمة في رأسي، كان وقعها قويا، نهضت من مقعدي مشدوها وكأنها ما كنت أبحث عنه منذ زمن بعيد… بدا اليراع ينظر إلي مستغربا، بداخلي صوت يقول صدقت أيها اليراع… من لم يحلم لن يقرأ، أجل لن يقرأ… عدت إلى مكتبي، أخذت القلم، بدا فرحا وطوع أناملي، قلت له:
– هيا لنكتب، كان العنوان: قل لهم أن يتمسكوا بأحلامهم…
قلت للقلم:
– هذا عنوان مقالة الغد…" (1).
الواضح أن العنوان يحمل في صورته الصوتية أو اللفظية دلالات عميقة تجد لها صدى قويا في الانطباعات الذهنية التي تكونها حواسنا لخلق وحدة لغوية عقلية تتكون من جزئيين هما الدال والمدلول، وطبعا العلاقة بينهما هي علاقة اعتباطية. فكيف يتلقى القارئ هذه الصورة اللفظية المتمثلة في عنوان المجموعة "قل لهم أن يتمسكوا بأحلامهم"؟ قل: كلمة ترتبط بالقول والقول يرتبط باللسان؛ لهم: ضمير دال على الجماعة.
أن: مصدرية، يتمسكوا: مصدر الفعل تَمَسك أي تَعَلق، بأحلامهم، الأحلام لها أبعاد متعددة ومدلولات يصعب حصرها فقط فيما يراه النائم في نومه، بل تتجاوز ذلك إلى الرجاء والتمني في الوصول إلى هدف قد يكون قابلا للتحقق بعد عسر، وقد لا يتحقق ولكنه يظل وسيلة إشباع عاطفي.
الرؤيا السردية
تعددت الأصوات السردية عند الكاتبة فتوزعت بين استخدامها لضمير الغائب (الرؤيا من خلف) حيث يكون السارد أو الراوي عالما بكل شيء عن الأحداث وتطورها في القصة، وعدد نصوص ضمير الغائب سبعة؛ أما ضمير المتكلم (الرؤيا مع) فيكون السارد عارفا بقدر ما تعرف باقي الشخصيات ولكنه لا يعرف باطنها، وعدد نصوص هذا الضمير ثلاثة.
وقد لجأت الراوِية إلى استخدام ضمير الغائب بنوعيه المذكر والمؤنث في أكثر من قصة، وتراوح استخدامها لضمير الغائب بين الفعل المضارع الذي يدل على الحال والاستقبال، وبين الفعل الماضي الذي يدل على انقضاء الحدث ليصبح مجرد ذكرى، تقول الكاتبة في قصة "عقول عمياء" مستعملة فعل المضارع:
"تعيش كالفراشة حرة طليقة، ترقص، تغني، تقرأ أشعار أليش شتيغير وغونتر كراس وبابلو نيرودا وكتب كابرييل كارسيا ماركيز وتشيكوف وتستمع لناس الغيوان". وتقول في قصة "إنك أنا وأنا أنت" مستعملة الفعل الماضي: "جلس أمين في الحديقة كعادته بعد دوام عمله، مسترخيا مطمئنا، كان يحب هذه الحديقة دون غيرها من حدائق القرية، شيء ما فيها يعيد له هدوءه وتوازنه بعد كل يوم عمل، إنه التمثال"
الحبكة في المجموعة
يمكن تعريف الحبكة في القصة القصيرة على أنها عبارة عن نقطة الذروة وتصاعد الأحداث والتي تتأزم فيها أيضا الأحداث المكونة للقصة القصيرة، كما وتعتبر هي العنصر الرئيس الذي يبنى على أساسه عنصر التشويق، حيث أنه كلما زادت الأحداث تأزما زادت نسبة التشويق المكونة للقصة القصيرة..
أنواع الحبكة:
أ) الحبكة المتوازنة: وهي الحبكة التقليدية المعتادة التي يبدأ القاص بعرض الأحداث حتى تبلغ الذروة درجة الأزمة ثم تأخذ بالتفكك تدريجيا حتى نصل إلى نهاية القصة.
ب) الحبكة العكسية: حيث يبدأ الحكي من نهاية الأحداث ويستعمل الكاتب تقنية الفلاش باك لاسترجاع الأحداث السابقة.
ج) الحبكة من منتصف المتن: ويبدأ الحكي من مرحلة ذروة الأحداث.
فأي نوع من الحبكة استعملته الكاتبة في نصوصها العشرة؟
الملاحظ أن هناك 8 نصوص استعملت القاصة خلالها حبكة متوازية تقليدية تبدأ بمقدمة ثم عرض للأحداث حتى بلوغ مرحلة الذروة ثم المرور إلى مرحلة التنوير تدريجيا، ولعل ما يميز قفلة هذه النصوص هي المفارقة والنهاية الغير متوقعة وهي على التوالي كالتالي: ("قل لهم أن يتمسكوا بأحلامهم"، "الفزاعة"، "إنك أنا وأنا أنت"، "أنا الثلج"، "طباع إنسانية"، "تمترس"، "شيء ما سلب مني"، "سحر الأرقام").
وكنموذج سنختار قصة "إنك أنا وأنا أنت"، ففي هذه القصة تقدم لنا الكاتبة شخصية أمين الذي دخل في علاقة صداقة مع تمثال برونزي يتواجد بحديقة القرية، حتى أنه أصبح كاتم أسراره والمستمع لهمومه ومشاكله، تقول القاصة على لسان أمين:
"هل تعلم يا صديقي، ينبغي أن أجد لك اسما أناديك به، آه أيها التمثال، لقد كان يومي شاقا، تشاجرت مع رئيسي في العمل، بل هو من تشاجر معي حين طالبته بتوزيع عادل للمهام داخل إدارتنا… أنا من يقوم بكل شيء، نسخ ورقن وكتابة الإرساليات والتقارير بل حتى تنظيف المرافق أحيانا… حتى خَطي الجميل جلب لي وابلا من العمل الإضافي لا أنهيه إلا ليلا بمنزلي، لقد أصبحت مرهقا جراء كل هذا، ربما أصبحت أشبه الموظف "أكاكي أكاكيفتش" بطل رواية "المعطف" أليس هذا ظلما أيها أه وجدتها، سأسميك سيكي (الروح الطيبة)"
وتتطور الأحداث عندما يقترح أمين على زميله في العمل خالد اطلاعه على سره الدفين، فيصحبه إلى الحديقة ليعرفه على كاتم أسراره وتكون المفارقة أنهما يجدان التمثال قد سرقَ.
بالنسبة للحبكة العكسية نلاحظ أن هناك نصين هما: "عقول عمياء" و"الضمائر الحية" حيث تلجأ الكاتبة لاستعمال تقنية الاسترجاع لاستعادة الأحداث السابقة.
وسندرج كنموذج نص "عقول عمياء"، وهو نص عميق وذو حمولة إنسانية واجتماعية قوية لأنه يكشف الغطاء عن ظاهرة المرأة المثقفة التي يضرب بشهاداتها عرض الحائط ويتم اختزال وجودها وكينونتها في غرفتي النوم والمطبخ، وهذا لعمري منتهى الشذوذ العقلي والتنمر الذي عفى عنه الدهر، تقدم لنا الكاتبة في مقدمة النص شخصية زينب السيدة المسماة تجاوزا عانسا الحاصلة على شهادات عليا ومنصبٍ سامٍ، وتلجأ خديجة برعو لتقنية الاسترجاع لمحطات من حياة زينب في علاقتها بالمجتمع وبالرجل باعتباره الركن الثاني في الحياة الأسرية، وفشلها الذريع في ربط علاقة متوازنة مع رجل يحترم إنسانيتها وعقلها ولا يمارس عليها لعبة التشييء المقيتة التي تحصر كينونة المرأة في الجسد.
وأرى أن القفلة التي استخدمتها الكاتبة في آخر قصتها على لسان البطلة زينب، وهي ترد على زميلتها أسماء، تلخص الغبن الذي تحس به مئات النساء المثقفات، إزاء وضع شاذ وغير مقبول يكرسه المجتمع.. تقول زينب:
"أكل هذه المناصب تخيف؟ أليس حريا أن يحتفى بهذا المسار الهائل لا أن يتم رفضه؟ ثم ما الجدوى من المدارس والجامعات؟ ألا ندرس فيها من أجل أن يكون لنا عقل عظيم ومستقبل زاهر؟ أغلقوها إذن وأوقفوا تعليم البنات إن كان هذا يروق لحضرة الرجل… والنتيجة؟ صدقوني ستكون رائعة وهائلة: تراكم للجهل والتخلف، امرأة تعيش في الظلام، أطفال متعثرون، أسرة مفككة، مجتمع في ذيل الترتيب… برأيكم أليس هذا مجتمعا للعميان؟ يخيل لي أنني أنا من سَقطت في وادي العميان وليس البطل (نونيز)"….
الشخصيات
تعتبر الشخصية هي العنصر المهم في القصة القصيرة، فهي من تدور أحداث القصة حولها، وهي التي يوصل الكاتب من خلالها أفكاره للقارئ والمتلقي، وعبر هذه الشخصية نستخلص العبر ونتشبع بالقيم وهي نوعان:
شخصيات رئيسية وشخصيات ثانوية.
يعرف الناقد ضياء غنى العبودي الشخصيات الرئيسية فيقول: "هي التي تحظى باهتمام، يكون لها دور مميز في الأحداث والعمل. تكون قوة الأحداث وحركة الصراع مركزة عليها، فهي نقطة ارتكاز البنية الروائية أو القصصية.. منها تنطلق الفعاليات المختلفة، إذ يتجلى دورها في إثراء الحدث ونمو الفكرة وعادة ما يكون هناك نوع من العلائقية المستمرة بين الشخصية الرئيسية وبقية الشخصيات، ويأتي هذا من خلال التفاعل في شد الأحداث، ودفع عجلة السرد إلى الأمام، وهذه الشخصيات مبنية بناء مركبا، فبعض صفاتها من الواقع وبعضها الآخر من نسج خيال الروائي أو القاص.. وتكون هذه الشخصية مركز إشعاع داخل النص وتتمحور عليه الأحداث والسرد، وهي الفكرة الرئيسية التي تنسج حولها الأحداث"(2).
أما بالنسبة للشخصيات الثانوية فيقول غسان كنفاني: "هي التي تضيء الجوانب الخفية للشخصية الرئيسية وتكون إما عوامل كشف عن الشخصية المركزية وتمثيل لسلوكها وعما نبع لها، تدور في فلكها وتنطق باسمها فوق أنها تلقي الضوء عليها وتكشف عن أبعادها" (3).
وهذا يؤكد أن القاص يعتمد كذلك على الشخصيات الثانوية في تطور الأحداث وسيرورتها.
جل شخصيات خديجة برعو هي من الشريحة التي تعرضت للاضطهاد من قبل المجتمع؛ وعدد من هذه الشخصيات ينتمي للفئة المثقفة. فكانت عناوين قصصها مدخلا لنقد ظاهرة ما أو حالة سلبية بسخرية أو على لسان أشياء قامت بأنسنتها ومررت خطابها على لسانها وألبستها ثوب الرافض لواقع إنساني بشكل يخدم المراد من الدلالة التي أرادت أن توصلها إلى المتلقي سواء كانت تلك الدلالة توصِل إلى المدلول باعتبارها الوعاء الذي ينقل المعلومة من العالم الخارجي إلى العالم الداخلي أو العكس كي يوصل المعنى، ومن أبرز النصوص التي لجأت فيها الكاتبة إلى أنسنة الأشياء ذلك النص الذي تحمل المجموعة عنوانه "قل لهم أن يتمسكوا بأحلامهم"؛ وهو واحد من أجمل نصوص المجموعة، حيث تدخل الراوية في حوار مع "يراع" وتلبسه ثوب شخصية ناطقة، تقول القاصة على لسان بطل النص: "صحيح أنا لست طبيبا أو شرطيا أو قاضيا… وكل تلك المهن التي لا تعجبني، مهن تزين المجتمع لا غير… أنا كاتب، كاتب، أتدري ما معنى كاتب؟… أنا من ينير ظلمة العقل البشري يا قلم".
ويرد القلم على بطل النص:
"لا تفرح يا عزيزي، كل ما تقوله كان في الماضي، الآن لم تعد للكاتب تلك المكانة التي كان يتمتع بها، فلا أحد يقرأ ولا أحد يشتري ولو جريدة فبالأحرى كتابا… فلماذا إذن تكتب؟ ولماذا تزعجني كل وقت وحين، والأدهى هو حينما تستيقظ ليلا وتأتيني مهرولا بدعوى أن أفكارا جديدة راودتك… هون عليك ودعني أستريح"..
وفي نص "الفزاعة" لجأت الكاتبة إلى اختيار طائرين كبطلين لقصتها، وهي شخصيات تنتمي إلى غير العاقلين، إضافة لشخصيتي الفلاح وابنه المنتميين لفئة العاقلين، هناك تفاعل بين هذه الشخصيات الأربع بشكل مبني على تناقض أساسه ثنائية حزن (الفلاح وابنه) / فرح (الطائر ذي الريش الأزرق وابنه)، يفرق جيرار جنيت بين الصوت الذي ينتمي للسارد والرؤية المطروحة في النص السردي التي تنتمي للشخصيات. وهذا ما نلمسه من خلال قفلة نص "الفزاعة" حين يقول صاحب الحقل لابنه: "اسمع يا مسعود، أحيانا في قلب الموت توجد الحياة، حسبك فقط بعض الخطى من الشجاعة" (4).. السارد هنا مجرد ناقل لما يرى، أما صاحب الفكرة والرؤية المطروحة فهي الشخصية، وتعتبر ثنائية الصوت / الرؤية من أهم ثنائيات النظرية السردية لأنها تفرق بين من يتكلم وهو الراوي وبين من يرى وهو الشخصيات التي تعمل على تطوير الأحداث بشكل يخدم الحبكة والتنوير.
الأحداث
تقوم القصة القصيرة على سلسلة من الأحداث تشد انتباه المتلقي وتجعله يتتبعها بلذة وشغف، وتنبني الأحداث على الصراع الدرامي الذي يدور بين الشخصيات أو بين الشخصية الرئيسة ونزعة من نزعات النفس أو فكرة معينة، وطبعا هذه الأحداث هي التي يرتكز عليها بناء القصة وتطورها، وكل ذلك يتم وفق خطاطة سردية تتكون من بداية يتم خلالها تقديم الأحداث، ثم وًسَطٍ يشتد أثناءه الصراع إلى أن يبلغ الذروة، وأخيرًا "النهاية" وتتجمع فيها عدة عوامل وقوى تتطور وتتشابك إلى أن يتم كشفها.
الكاتبة خديجة برعو حرصت في نصوصها العشرة على جعل الأحدث تتطور وفق نسق تصاعدي يرتكز على بسط الفكرة والرؤية اللتين ستسير على نهجهما، والعمل على خلق تفاعل درامي ينبني على صراع بين الشخصيات الرئيسية والعنصر المعارض الذي قد يكون إنسانا أو حيوانا أو جمادا وأيضا قد يكون فكرة أو نزعة من نزعات النفس.
اِخترنا، هنا، نص "سحر الأرقام" لتحليله وفق النموذج العاملي لغريماس، وهو عبارة عن خطاطة لدراسة النصوص السردية والحكائية.
يحدد النموذج العاملي بناء على الأدوار السردية والعلاقات بينها في ستة عوامل وثلاثة علاقات هي:
الذات/والموضوع – المرسل/ والمرسل إليه – المساعد/ والمعيق.
تربط بينها ثلاثة أنواع من العلاقات أو المحاور، هي: علاقة الرغبة – علاقة التواصل – علاقة الصراع.
في هذا النموذج تعد الشخصية أيضا مفهوما مجردا يتمثل في الوظائف التي تؤديها داخل النص، فميز غريماس، بناء على ذلك، بين العامل الذي يدل على الوظيفة المحَددة للشخصية (والممثل) الذي يشير إلى شخصية محددة إنسانية أو غير إنسانية، إذ أن العامل الواحد قد يتم تمثيله بأكثر من ممثل، كما أن الممثل الواحد قد تكون له أكثر من وظيفة وعامل، ومن ثَم، فإن النتيجة التي يمكن الانتهاء إليها من ذلك: أن العوامل محددة في ستة، بينما الممثلون لا حدود لهم.
وإضافة إلى ذلك، فقد وسع غريماس من مفهوم الشخصية لتصبح شاملة، من خلال النموذج العاملي للشخصيات الإنسانية والحيوانية والأفكار والقيم والعواطف والمؤسسات… أي لكل ما يؤدي وظيفة من الوظائف الستة التي تساهم في تحريك الأحداث.
في نص "سحر الأرقام" يواجه العربي ظروفا صعبة بعد إحالته على التقاعد فيدخل في حالة اكتئاب، يَضطر للكذب على زوجته وهو يخرج في اليوم الموالي لتقاعده مبكرا، يلتقي المتشرد سعيد الذي يفتح عينيه على حقيقة كانت غائبة عليه وهي سحر الأرقام ويمنحه دعما قويا للخروج من أزمته، تقول الكاتبة على لسان سعيد وهو يخاطب العربي: "عمرك الآن كما قلت اثنان وستون سنة، قم بقلب الرقم عندها ستصبح الستة على اليمين والاثنان على اليسار وها قد صار عمرك ستا وعشرين سنة، ها قد صرت شابا في العشرينات من عمره".
وعندما تساءل العربي عن نظرة الناس رد عليه سعيد: "اعتبرهم صفرا، أي لا شيء، فلا قيمة لما يقولون أو يعتقدون".
لتطبيق النموذج على هذه القصة سنصل إلى ما يلي:
العامل الذات: العربي.
العامل الموضوع: التغلب على الشعور بالاكتئاب بعد التقاعد.
العامل المرسل: التحرر من الكآبة، استعادة النشاط.
العامل المرسل إليه: العربي، المتقاعدون، كبار السن.
العامل المعاكس: نظرة الناس، الشيخوخة.
العامل المساعد: سعيد المجنون، الأرقام.
نلاحظ من خلال ما سبق أن العامل المساعد يطغى على العامل المعاكس مما أدى إلى نجاح الذات في تحقيق الموضوع وكانت النهاية مرضِية بعد تغلب الذات على العنصر المعاكس وتحقيق الرغبة في التحرر من الكآبة.
نستنتج أن العلاقة بين العامل / الذات "العربي"، بالعامل / الموضوع "التغلب على الشعور بالاكتئاب بعد التقاعد"، هي علاقة رغبة وتواصل؛ والعلاقة بين العامل / المرسل، والعامل / المرسل إليه، هي علاقة إرسال.
دلالة الزمن والمكان في المجموعة
أبرز تعريف للمكان هو لجوليا كريستيفا والتي تطلق عليه اسم "الفضاء الجغرافي"، وهو بمعنى المكان الذي تدور فيه أحداث النص. وترى كريستيفا أن هذا الفضاء يجب أن يدرس دائما في علاقته بمكونات النص الأخرى، من جهة، وبالثقافة السائدة في عصره، من جهة أخرى، إذ أن لكل عصر ولكل مجتمع ثقافته ورؤيته للعامل، وبذلك تربط الفضاء بالتناص. أي أن دراسته يجب ألا تكون دراسة نَصية مغلقة، بل يجب أن تتم في علاقته بالنصوص الأخرى وبثقافة العصر عامة وتكمن أهمية الفضاء الجغرافي "المكان" في أنه يخلق الإيهام بواقعية الأحداث.
بالنسبة للزمن يتم التمييز داخل النص السردي بين زمنين هما: زمن القصة الذي يخضع للتتابع المنطقي للأحداث، وزمن السرد الذي لا يخضع له بالضرورة، ويستند في الغالب على المفارقة. جيرار جنيت يدرس زمن السرد من خلال محورين هما: المفارقة والإيقاع الزمني، بحيث تتحقق المفارقة بواسطة تقنيتين تكسران التتابع الخطي للأحداث هما: الاستباق والاسترجاع.
فالأول يشير إلى انتقال السرد نحو المستقبل وسرد أحداث لم تقع بعد. أما الثاني فيركز على سرد أحداث وقعت في الماضي بالاعتماد على الذاكرة.
ويقترح جنيت لدراسة الإيقاع الزمني أربع تقنيات لتكسير التطابق بين زمن السرد والزمن الواقعي للأحداث هي: الإيجاز والاستراحة والقطع والمشهد. فالإيجاز يعتمد على تكثيف أحداث ذات امتداد زمني طويل في أسطر قليلة. وتدل الاستراحة على التوقف عن السرد، واللجوء للوصف. أما الحذف فيتم بتجاوز فترات زمنية. بالنسبة للمشهد فيقصد به المقطع الحواري الذي نستعمله في سياق السرد (5).
فكيف إذن وظفت القاصة خديجة برعو هذين المكونين في مجموعتها القصصية "قل لهم أن يتمسكوا بأحلامهم"، وذلك في ترابط مع باقي المكونات؟ وإلى أي حد استطاعت أن تتحكم في تناغمهما مع ما تقتضيه خصائص القصة القصيرة من إيجاز وتكثيف؟
تقول خديجة برعو في نصها "إنك أنا وأنا أنت": "جلس أمين في الحديقة كعادته بعد دوام عمله، مسترخيا مطمئنا، كان يحب هذه الحديقة دون غيرها من حدائق القرية، شيء ما فيها يعيد له هدوءه وتوازنه بعد كل يوم عمل، إنه التمثال، وسط هذه الحديقة نصب تمثال عظيم من البرونز لرجل يجلس فوق صخرة إسمنتية ثابتة، كان التمثال مهيبا، هائلا وأخاذا… ذقنه الرفيع، عيناه الواسعتان، أنفه المستقيم ويداه المتشابكتان.. كلها توحي بالعظمة والثقة والسكون" (6).
في هذا النص اختارت الكاتبة الحديقة كفضاء جغرافي تدور فيه أحداث قصتها، ومكان للاستراحة والاستمتاع بجمال الطبيعة، أمين الشخصية الرئيسية في النص يلجأ للحديقة بعد "دوام" عمله، نهاية دوام العمل تكون عادة في الساعة الرابعة والنصف، يعني بعد العصر أي أن زمن السرد يبدأ في هذه الساعة، استطاعت الكاتبة في هذا النص أن تربط بين البعد الزمني والمكاني، بشكل يعكس حجم الاطمئنان الذي يحس به بطل القصة.
في نصها "طباع إنسانية" تقول الكاتبة: "في قارة ما، في عاصمة ما، في قرية ما… كان الشيخ سعيد يسكن قصرا محصنا في أعلى الجبل وكأنه يخشى هجوما مسلحا، لا أحد في القرية يعرف طبيعة عمله، كل ما يروج عنه أنه رجل أعمال، يغدق على القرية أمولا طائلة خلال الأعياد الدينية والمناسبات الوطنية، كما أنشأ مستشفى وثلاث مدارس لأبناء ومرضى القرية.
اليوم في قصره وكعادته، ينتظر أصدقاءه على العشاء، المحامي كريم وصديقه سليم حيث دأب على استقبال أصدقائه من حين لآخر خاصة حينما يحل بقصره. وصل المحامي وصديقه سليم في الوقت المحدد، كان الصالون فخما وباذخا.. وعلى طاولة العشاء الطويلة قدمت أفخر أنواع الطعام التي لم تخطر لهما على بال، وفي زوايا الطاولة الأربعة يقف أربعة خدم بلباس أنيق لا يشبهون خدم أهل القرية" (7).
الفضاء الجغرافي في هذا النص حصرته الكاتبة في قرية ما تنتمي لعاصمة ما في قارة ما. ورد اسم "قرية" نكرة أي أنها تبقى في نطاق غير محدد، وغير معروف، الشخصية الرئيسية وهي الشيخ سعيد الذي يعيش بقصر محصن، بالنسبة للزمن هناك زمن السرد المحدد في "اليوم" الذي يرد معرفا، وهو يوم لقاء الشيخ بأصدقائه، وتلجأ الكاتبة لتكسير التطابق بين زمن السرد والزمن الواقعي للأحداث إلى تقنية الاستراحة والإيجاز مستعملة الوصف والتكثيف لتجاوز هذا الأمر، والملاحظ أن الكاتبة في هذا النص تعاملت مع المكون المكاني بشكل عام وعابر، إذ يبقى مكون الزمن هو المؤثر في تطور الأحداث وسيرورتها.
خاتمة
يتضح لنا مما سبق أن مضامين هذه المجموعة القصصية تتمحور حول مواضيع متنوعة يغلب عليها الطابع الاجتماعي والوجودي، كما تحضر أيضا اللمسة الرومانسية التي تغدق على بعض النصوص الكثير من الشاعرية، دون أن ننسى الحضور الوازن لنون النسوة في تجسيد جلي لمعاناة المرأة في المجتمعات المنغلقة التي لا تعترف لها بقيمتها الإنسانية وتعمل على تشييئها.
إن نصوص مجموعة خديجة برعو تتميز بتنوع وثراء جمالي، يشوبه نوع من الغموض الفني المقصود، الهادف إلى فتح باب التأويل أمام القارئ للمشاركة في عملية تشكيل النص وبناء معماره، كما أن لغتها شعرية، تتكئ على التكثيف والإيجاز، وتبتعد عن المباشرة، ولم تخل بعض نصوصها من الترميز والتناص، سعيا لتوسيع المعنى وتجويع اللفظ بأسلوب بلاغي قوي.
الدار البيضاء: 27 يوليوز 2023
هوامش
* برعو خديجة مجموعة "قل لهم أن يتمسكوا بأحلامهم" نشر دار الموجة 2023 ص 8
* ضياء غنى العبودي، شواغل سردية دراسات نقدية في القصة والرواية ، طباعة نشر وتوزيع تموز، دمشق ص 173
* غسان كنفاني، جماليات السرد في الخطاب الروائي، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، ط 1، 2005 ص 132
* برعو خديجة "قل لهم أن يتمسكوا بأحلامهم" نشر دار الموجة 2023م ص 13
* منهج تحليل النص السردي الأستاذ عبد الغني حسني الكلية المتعددة الاختصاصات الناظور
* برعو خديجة قل لهم أن يتمسكوا بأحلامهم نشر الموجة 2023ص 14
* نفس المصدر ص 23


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.