بدأت الحكومة الإيطالية رحلة جادة للبحث عن سبل أمنية تمكنها من التعامل بحزم مع ملف الهجرة غير الشرعية، وقامت بعقد اجتماعات ذات طابع أمني مع مسؤولين في مصر وليبيا للتوصل إلى اتفاقات تدعم تضييق الخناق على مافيا التهريب. وعقدت روما مباحثات رفيعة المستوى مع القاهرة بمشاركة قيادات أمنية في البلدين، فضلا عن وفد من وزارة الخارجية المصرية، بحضور سفير القاهرة لدى روما، والمدير المركزي للهجرة وشرطة الحدود في وزارة الداخلية الإيطالية. وقالت مصادر أمنية ل"العرب" إن الاجتماع هو الثالث من نوعه وشهد تنسيقًا يتعلق بتبادل المعلومات، وآليات التعامل مع عصابات التهريب، وطرق سد المنافذ التي يصل منها المهاجرون غير الشرعيين إلى ليبيا ومنها إلى أوروبا. وأضافت المصادر ذاتها أن الهدف المرجوّ هو وضع منظومة أمنية متكاملة مع الجهات الإيطالية وإتاحة أكبر قدر من المعلومات والتفاهم حول خطط مجابهة المهربين، وتسليط الضوء على البؤر التي تنطلق منها مراكب الهجرة غير الشرعية والمناطق التي تنشط فيها مافيا التهريب، وأعداد الفارين عبر الحدود المصرية. وزار وفد أمني إيطالي طرابلس، وناقش عملية تأمين الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية وجرى تبادل المعلومات وبحث آليات التنسيق والتواصل وبرمجة دورات للتدريب، وتزويد ليبيا بإمكانيات تساهم في الرفع من مستوى مكافحة الجريمة. ويرى متابعون أن التحركات الإيطالية تختبر إمكانية إقدام الاتحاد الأوروبي على إبرام اتفاق مع مصر والحكومة الليبية على غرار اتفاق وقّع مع تونس عبر منح معونات مالية وقوارب ورادارات نقالة وكاميرات وعربات للمساعدة في تعزيز ضبط الحدود البرية والبحرية، خاصة أن الاجتماعات الأمنية تأتي مقدمة لتعاون أكبر. وتراجعت وتيرة التنسيق الأمني بين القاهرةوروما منذ حادث مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني عام 2016 في مصر، وشهدت العلاقات بين البلدين تذبذبا. وتيقنت الحكومة اليمينية في إيطاليا حاليا أن تجميد التعاون في ملفات أمنية واستخباراتية لم يكن في صالح روما مع تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين إليها. وتشير أرقام إيطالية إلى ما لا يقل عن 7789 مواطنًا مصريًا وصلوا إلى إيطاليا عن طريق البحر، من إجمالي 87883 مهاجرًا وصلوا بشكل غير قانوني منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية شهر يوليو الماضي عن طريق الإبحار من سواحل ليبيا. ويقتصر الحديث عن التعاون الأمني بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي على تقديم مساعدات مالية وتكنولوجية لمراقبة الحدود، مثل قرار الاتحاد بدعم مصر بنحو 80 مليون يورو لرفع كفاءة قوات خفر السواحل دون تطرق لأزمات أخرى ترتبط بكيفية التعامل مع وقف عمليات وصول المهاجرين إلى السواحل الليبية، وانتشار عصابات التهريب التي وسعت نشاطها في مصر وليبيا. وكانت دوائر أوروبية أشادت بالدور المصري السابق في تقويض الهجرة غير الشرعية عندما أحكمت سيطرتها على منافذها البرية والبحرية لمكافحة الإرهاب، وعندما جرى تفكيك أواصر التعاون بين مهربي البشر للهجرة والإرهابيين للتسلل داخل الأراضي المصرية أخذت القبضة الأمنية تتراجع قليلا والتعاون مع بعض الدول الأوربية يخفت، ما يدفع للعودة إلى تعظيم خيار التنسيق الأمني مع القاهرة سريعا. التحركات الإيطالية تختبر إمكانية إقدام الاتحاد الأوروبي على إبرام اتفاق مع مصر والحكومة الليبية على غرار اتفاق وقّع مع تونس وقال رئيس المنتدى العربي – الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان أيمن نصري إن قطع علاقات التعاون الأمني مع مصر لم يكن في صالح إيطاليا كدولة مستقبلة للمهاجرين، ما جعل القاهرة ترفع يدها عن ملفات ذات علاقة بالتعاون الأمني ارتكانًا على موقف روما، ما دفع جهات أمنية إيطالية للمطالبة بأهمية العودة لتعزيز التعاون المشترك. وأكد نصري أن التعاون الأمني يفتح الباب بشكل مباشر أمام المساعدات المالية واللوجستية ووضع منظومة تضيّق الخناق على المهاجرين غير الشرعيين، وأن دول الاتحاد الأوروبي على قناعة بأن المواجهة المصرية المستقلة قلصت تدفقات الهجرة بشكل كبير، ولذلك من المهم تنحية الخلافات السياسية والتصدي لرحلات الهجرة التي تشكل تهديداً لأمن بعض الدول الأوروبية مباشرة. وشدد نصري على أن جهات أمنية أوروبية لا تتعامل مع ملف المهاجرين باعتبار أن هؤلاء فروا من بلادهم لعدم توافر فرص عمل لهم، لكنها تخشى من اندساس عناصر لديها توجهات أيديولوجية أو أفكار متطرفة بينهم، ما يجعل الشق الأمني حاضراً لإبعاد الأخطار من المنبع قبل وصولها إليهم لتخفف الضغط على سوق العمل في ظل مشكلات اقتصادية متفاقمة ومجابهة تهديدات أمنية متصاعدة. وليس من المستبعد أن تتجه إيطاليا إلى تنسيق ثلاثي مشترك مع مصر وليبيا بسبب التداخل الكبير في عمليات الهجرة غير الشرعية القادمة إليها، لاسيما أن روما لديها اتفاقية تنسيق وتعاون أمني مع طرابلس تمخض عنها تشكيل لجنة أمنية مشتركة. وتشير إحصاءات رسمية إلى أن عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى الحدود الأوروبية عبر البحر المتوسط بلغ نحو 90 ألف مهاجر ولاجئ العام الماضي، غادر معظمهم من ليبيا وتونس مع جنسيات مختلفة منها مصر بزيادة 50 في المئة العام السابق. وتدفع الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها دول في جنوب المتوسط للمزيد من إجراءات التعاون، وتتعلق المخاوف الأوروبية بوصول أعداد هائلة من المهاجرين غير الشرعيين في السنوات الخمس المقبلة، وتحاول الوصول إلى حلول استباقية تحد من الضغط على ميزانيتها وتخفف من الضغوط على أجهزتها الأمنية. وذكر عضو المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان (حكومي) ولاء جادالكريم أن توجهات الاتحاد الأوروبي بمنح أولوية لملف التعاون الأمني يرجع إلى صعود تيارات يمينية تميل لتفضيل المواجهة الأمنية في ملف المهاجرين، لكن ذلك قد لا يخدم المواجهة الشاملة للهجرة غير الشرعية ولن يسفر عن نتائج إيجابية، حال اقتصر فقط على البعد الأمني، والأفضل التوصل إلى تعاون تنموي وسياسي. وأوضح أن التعاون في ملف الهجرة غير الشرعية يجب أن يتعدى النطاق الأمني، وأن تراجع معدلات النمو للدول المصدرة للمهاجرين يجعل هناك حاجة ماسة لتقديم الدعم المادي واللوجستي واستعادة التعاون السياسي المفقود، والاقتناع بأن ما تعانيه دول جنوب المتوسط يرجع إلى مخزون غربي تاريخي، ونتيجة لتراجع أوجه التنسيق وعدم احترام دول أوروبية خيارات الشعوب الأفريقية. ولدى دوائر مصرية قناعة بأن التدخلات الغربية في الملف الليبي دفعت لتتحول أجزاء من الأراضي الليبية إلى معبر للمهاجرين إلى أوروبا، وأن استمرار الصراعات المسلحة يجعل هناك مناطق رخوة أمنية تتحرك فيها عصابات التهريب، ما يتطلب أن تتحول الدول الأوروبية إلى شريك حقيقي في حل الأزمات السياسية وترسيخ الاستقرار.