تستعد إسبانيا لتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في:23 يوليوز الجاري، وذلك بعد أن تعرض الحزب الاشتراكي، قائد التحالف الحكومي الحالي، لهزيمة واضحة في الانتخابات المحلية والإقليمية الأخيرة، ما دفع رئيس الوزراء، بيدور سانشيز، إلى تقديم موعد الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في 10 دجنبر المقبل إلى 23 يوليوز الحالي، وأعلن أنه "كرئيس الحكومة والحزب الاشتراكي، أتحمّل مسؤولية النتائج وأعتقد أنه من الضروري أن يتم الرد وتسليم تفويضنا الديموقراطي إلى الإرادة الشعبية...". الخطوة الحكومية الإسبانية لا تخلو، مبدئيا، من الخضوع لإرادة الشعب، وتجسد إنصات بيدرو سانشيز لرسالة الناخبين، وقراره المثول المسبق أمام الإرادة الشعبية العامة في انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، واختبار تفويض الإسبان له ولحزبه، ولكن أيضا هي لا تخلو، في نفس الوقت، من تاكتيك سياسي وانتخابي سعيا لوقف النزيف، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه في مواجهة تقدم قوى اليمين، وخصوصا الحزب الشعبي المعارض. وتبعا لما سبق، يتوقع أن تنجم عن انتخابات 23 يوليوز تحولات سياسية داخلية تتصل بالشأن الإسباني، ويرجح أن يفشل الاشتراكيون في حماية تحالفهم الحاكم أو تحقيق ولاية أخرى لهم، ولكن هذا الاستحقاق في البلد الإيبيري الجار يحمل رهانات أكبر تعني بلدان شمال إفريقيا، وخصوصا المغرب، وسيفتح مرحلة جديدة في علاقات الرباطومدريد. ويشير المحللون، بهذا الخصوص، إلى مصير موقف إسبانيا المؤيد لمقترح الحكم الذاتي المغربي لحل النزاع المفتعل في الصحراء، وهو الموقف التاريخي الذي كان قد أعلنه رئيس الوزراء الاشتراكي الحالي، وأبدى الحزب الشعبي معارضته له، ووقعت توترات بين الحزبين على خلفية ذلك، ونشبت مواجهات بينهما في البرلمان وعبر وسائل الإعلام، كما أن العلاقات الثنائية المغربية الإسبانية عانت من توترات أثناء رئاسة الحزب الشعبي للحكومة في السنوات الماضية، وكل هذا يبرر ترقب المتابعين لما ستسفر عنه انتخابات 23 يوليوز، وما ستفضي إليه على مستوى الموقف من القضايا المشتركة مع المغرب، وأساسا ما يتعلق بتطورات ملف مغربية الصحراء والوحدة الترابية للمملكة. واستحضارا لتاريخ علاقات المغرب مع الحزبين الرئيسيين في إسبانيا، الاشتراكي والشعبي، وأيضا أخذا بعين الاعتبار تحولات الأوضاع الدولية والإقليمية اليوم، وسياقات العلاقات والمصالح والمعادلات المستجدة، فإن المرحلة المقبلة لن تكون على غرار الأزمنة السابقة من دون شك، ولا يمكن توقعها أو قياسها بذات المؤشرات والأدوات التي كانت سائدة في العهود السياسية الماضية. بيدرو سانشيز لما أعلن الموقف التاريخي الإسباني الداعم لمقترح الحكم الذاتي، كان قد وضعه، حينها، ضمن سياق موقف الدولة الإسبانية، والمندرج ضمن رؤية جديدة للشراكة الشاملة بين مدريدوالرباط، ومن ثم سيكون على أي حكومة أخرى تخلفه استحضار مصالح إسبانيا أولا، وتطور علاقاتها مع المغرب، ذلك أنه في استقرار العلاقات بين البلدين ليس المغرب وحده هو الرابح، ولكن أيضا، وأساسا، إسبانيا. من المؤكد أن الحزب الشعبي سيكون، في حال عدم حصده لأغلبية واسعة بشكل منفرد، مكبلا بضغوط حلفائه، وخصوصا من اليمين المتطرف المعادي للحقوق المغربية، ولكن حتى هذه الوضعية كان قد عاشها الحزب الاشتراكي مع اليسار الراديكالي، ونجح، مع ذلك، في تدبير العلاقة مع الرباط والإعلان عن موقف تاريخي غير مسبوق، وهذا ما يرجح أن يستطيع الحزب الشعبي نفسه، في حال فوزه بالانتخابات، النجاح في تدبيره مع حلفائه، وتفادي أن يكون رهينة لدى اليمين المتطرف، وخصوصا على مستوى إدارة السياسة الخارجية ومصالح إسبانيا. وفي السياق ذاته، يرى كثير من المحللين للشأن الإسباني أن الحزب الشعبي نفسه قد يغير أسلوبه وتصعيده تجاه المغرب لما يكون على رأس الحكومة، لأنه، حينها، سيكون مسؤولا عن شؤون دولته ومصالحها وليس حزبا في المعارضة. بديهي أن اللغة والمقاربات ستتغير، وقد يحدث بعض الشد بين البلدين، وخصوصا في ملف مغربية الصحراء والموقف الإسباني من تطورات ذلك، ولكن الراجح أن حكومة يمينية، مهما كان تحفظ بعض مكوناتها، لن تستطيع إلغاء الموقف التاريخي لبيدرو سانشيز أو التراجع عنه، لأن ذلك يتصل بمصالح وملفات أخرى تعتبر جوهرية لإسبانيا، ولن تقدر على التضحية بها، كما أنها تعرف جيدا أن ما كان أعلن عنه سانشيز كان موقفا للدولة هناك، واليمين المعتدل، وخاصة الحزب الشعبي، يدرك كل هذا. وبقدر ما قد يعمد اليمين إلى بعض الضغط على المغرب لكسب بعض الامتيازات، وقد يستعمل ورقة مغربية الصحراء من أجل ذلك، فإنه من المستبعد جدا اللجوء إلى التراجع عن موقف مدريد الداعم لمقترح الحكم الذاتي المغربي لأن كلفة ذلك ستكون صعبة عليه، على مستوى ملفات ومصالح أخرى تجمع البلدين. المغرب يعيش جواره مع الجارة إسبانيا بكثير من التعقيد والحذر، كما أن العلاقات بين البلدين يحضر فيها التاريخ والتمثلات المجتمعية وتشابك المصالح والمصير المشترك، ولهذا يجب على ديبلوماسيتنا، الرسمية والحزبية والاقتصادية، حسن قراءة تفاعلات المشهد السياسي والانتخابي الإسباني، وبالتالي صياغة الأجوبة والمداخل لمقاربة ما يحدث هناك. يجب الاستعداد من الآن لتقوية الفعل المغربي في العلاقات مع مدريد، والوعي بحماية المصالح الوطنية لبلادنا ضمن سياق ثنائي ودولي لا يخلو من تعقيدات.