كل المؤشرات تؤكد أن الموقف الإسباني الداعم لخطة الحكم الذاتي لن يتغير أكد عبد الحميد البجوقي، الكاتب والباحث في الشأن الإسباني، في حواره مع "العلم"، على أن تراجع الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني في الانتخابات الجهوية والمحلية كان منتظرا، رغم مشاركة رئيس الحكومة الإسبانية وزعيم الحزب الاشتراكي في الحملات الانتخابية بكل الجهات. وأوضح الباحث في الشأن الإسباني، أن التداعيات المحتملة لنتائج هذه الانتخابات على علاقات البلدين، رهينة بالفوز المحتمل للحزب الشعبي في الانتخابات المقبلة، مضيفا أنه منَ المحتمل أن يدخل بحكومة يمينية ائتلافية. وفي سياقِ حديثه عن العودة المحتملة للعلاقات الإسبانية الجزائرية، أشار المتحدث ذاته، إلى أن الجزائر قد تستغل صعود اليمين الشعبي لتبرير عودة علاقاتها مع إسبانيا، بغرض التقليل من عزلتها. وكشف البجوقي، أنه بضغط من حزب "فوكس" الذي يمثل أقصى اليمين، ستعمل حكومة اليمين المحتملة على تشديد قوانين الهجرة والحقوق الاجتماعية للمهاجرين والقاصرين الأجانب وغيرها، مبرزًا أن قوة الحزب تكمن في سياساته الداخلية، ولن يكون له أي تأثير في السياسة الخارجية، وبالأخص على العلاقات المغربية الإسبانية. .بداية؛ تابعتم ما أسفرت عنه الانتخابات البلدية والجهوية الإسبانية، ما هي قراءتكم الأولية؟ تراجع الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني في هذه الانتخابات الجهوية والمحلية كان منتظرا، لكن ليس بهذا الحجم، ومشاركة رئيس الحكومة الاسبانية وزعيم الحزب الاشتراكي في الحملات الانتخابية في كل الجهات والنزول بكل ثقله الشخصي جعل من هذه الانتخابات بمثابة الدور الأول للانتخابات التشريعية القادمة يوم 23 يوليوز والتي كانت منتظرة في ديسمبر القادم، وكان السجال السياسي في هذه الانتخابات الجهوية والمحلية وطنيا، وبعيدا عن المشاكل المحلية. من جهة أخرى يجدر التوضيح أن الحزب الاشتراكي يقود تحالفا حكوميا مع شريكه اليساري "بوديموس" بدعم من حركات يسارية جهوية في جهة الباسك وكاطالونيا وفالنسيا، ولو أن الهزيمة يتحملها معنويا الحزب "الاشتراكي العمالي" مقابل صعود قوي للحزب الشعبي اليميني والحزب اليميني المتطرف "فوكس"، هذا الأخير حصل في هذه الانتخابات الجهوية والمحلية على مليون صوت إضافي، لكن الأرقام والنتائج النهائية تؤكد أن الخاسر الرئيسي في هذه الانتخابات هو تحالف اليسار وبالخصوص "بوديموس"، الذي عرف تراجعا مدويا في أغلب الجهات وفي بعضها حصل على صفر مقعد منها مدريد التي عرفت ولادته. تراجع تحالف اليسار حليف "الحزب الاشتراكي" وتقدم "فوكس" أعطى للحزب الشعبي فرصة تشكيل الحكومات الجهوية بدعم من اليمين المتطرف، ويَحولُ دون استمرار حكومات اشتراكية في ست جهات والعديد من البلديات كانت معقلا تاريخيا للاشتراكيين ولتحالف اليسار. الخلاصة أن الهزيمة بالدرجة الأولى كانت من نصيب تحالف اليسار لكن نتائجها طالت الحزب الاشتراكي الذي سيفقد أغلب الحكومات والبلديات المهمة باستثناء برشلونة التي تقدم فيها بشكل ملحوظ، كما تقدم في بعض الجهات والبلديات وحافظ في أخرى على نتائجه السابقة. .برأيكم كيف ستنعكس نتائج الانتخابات العامة على العلاقات المغربية الإسبانية؟ فيما يتعلق بالتداعيات المحتملة لنتائج هذه الانتخابات على العلاقات بين الرباطومدريد، هي أولا رهينة بالفوز المحتمل للحزب الشعبي في الانتخابات المقبلة، وفي حالة فوزه لن يكون بأغلبية مطلقة ما يفتح المجال أمام احتمال تشكيل حكومة يمينية ائتلافية يقودها الحزب الشعبي اليميني المعتدل، وكل المؤشرات تؤكد أن العلاقات بين الرباطومدريد لن تتأثر فيما يتعلق بما هو استراتيجي والالتزامات المشتركة بين البلدين، وأن القرارات المتعلقة بملف الصحراء والموقف الاسباني الجديد الداعم للمغرب لن يتغير، بل ربما ستعرف العلاقات بين البلدين دفعة أقوى في مجالات التعاون الاقتصادي والعلاقات التجارية بالإضافة إلى الملفات التقليدية الثابتة كالأمن وملف محاربة الهجرة غير النظامية والإرهاب وغيرها. .في حالة فوز الحزب الشعبي الإسباني بالانتخابات العامة، هل سيراجع علاقته مع المغرب بما في ذلك مبادرة الحكم الذاتي؟ الحزب الشعبي لم يعبر حتى الآن عن رفضه للموقف الجديد الذي تبنته الحكومة الإسبانية في موضوع الصحراء المغربية والذي فتح المجال لانطلاق علاقات جديدة وواعدة بين البلدين، فقط كانت هناك بعض الانتقادات للطريقة والشكل الذي تم بهما تغيير الموقف الإسباني، حيث عاب فقط زعيم الحزب الشعبي على رئيس الحكومة عدم التشاور في هذا القرار مع حزب المعارضة الأول، الذي هو الحزب الشعبي، كما أن الحزب الشعبي القريب من رجال الأعمال لن يغامر بمصالح إسبانيا الاقتصادية والتجارية إلى جانب العناصر التي تؤسس لعلاقات استراتيجية بين البلدين بالغة الأهمية كالأمن المشترك ومحاربة الهجرة غير النظامية والإرهاب التي أصبح المغرب حجر الزاوية في ضمانها. الحزب الشعبي حزب تقلَّد المهام الحكومية لعديد من المرات ويعرف أن الموقف الجديد لإسبانيا قرار دولة والسياسة الخارجية سياسة دولة نادرا ما تتأثر بتغيير الحكومات، والزعيم الحالي للحزب "ألبرتو نونييث فايخو"، رجل دولة بامتياز، خبر المسؤوليات الحكومية، وكان رئيس حكومة جهة غاليسيا لأربع ولايات، تتلمذ على يد الزعيم التاريخي اليميني المؤسس للحزب الشعبي "مانويل فراغا"، و "فايخو" معروف بوسطيته واعتداله على غررا رئيس الحكومة السابق، كذلك من غاليسيا،"ماريانو راخوي"، كلها عناصر تؤكد أن الحزب الشعبي لن يتراجع في علاقته مع المغرب وفي دعم مبادرة الحكم الذاتي للصحراء التي اقترحتها المملكة كحل لهذا الصراع المفتعل. .كيف ترون، في ما يذهب إليه بعض المتتبعين للشأن الإسباني في أن الحزب الشعبي قد يميل نحو الجزائر على حساب المغرب ؟ احتمال أقل من ضعيف أن يميل الحزب الشعبي نحو الجزائر على حساب المغرب، قد يحاول استعادة العلاقة مع الجزائر وهذا شيء طبيعي أعلن عنه حتى بيدرو سانشيز، العديد من المرات، وقد تستغل الجزائر صعود اليمين الشعبي لتبرير عودة علاقاتها مع إسبانيا، والتقليل من عزلتها، وقد تُقدم إسبانيا بعض الاغراءات للجزائر اقتصادية وتجارية ولغة تحفظ ماء وجه الجزائر، لكن إسبانيا لن تغامر بمصالحها الاستراتيجية والاقتصادية مقابل ذلك، ولن تتراجع في تقديري عن قرارها بشأن الصحراء وليس هناك أية مؤشرات على ذلك ، بل يستمر التأكيد من طرف زعماء اليمين الشعبي أن المغرب أولوية بالنسبة لإسبانيا. .صعود حزب "فوكس" اليميني في إسبانيا هل سيعزز حظوظ الحزب الشعبي الإسباني؟ أكثر من تعزيز حظوظ الحزب الشعبي، حزب فوكس ضروري لتشكيل حكومة يتزعمها الحزب الشعبي، أي حكومة يمينية ائتلافية، انتهى عهد الأغلبية المطلقة في إسبانيا ، والبديل لحكومة ائتلافية يسارية لا يمكن أن يكون إلا حكومة ائتلافية يمينية يتزعمها الحزب الشعبي مع شريكه فوكس من اليمين المتطرف، وهذا ما تم سابقا في حكومات جهوية وسيتم في أغلب الجهات التي فاز فيها الحزب الشعبي باستثناء مدريد وجهة ريوخا. .هلاّ، عرفتنا بأطروحة الحزب اليميني وانعكاساتها على المغرب والمغاربة؟ كما سبق أن أشرت، اليمين الإسباني "الشعبي المعتدل" و"فوكس" المتطرف سيغير من السياسات الاجتماعية التي نهجها الحزب الاشتراكي وحلفائه من اليسار، وسيعتمد لا محالة سياسات أكثر ليبرالية، ومن المحتمل أن يلغي بعض التشريعات والقوانين التي أثارت جدلا في إسبانيا كقانون المتحولين من الجنسين، وقانون تسقيف أثمان كراء العقارات وأخرى، وبضغط من حزب "فوكس" اليميني المتطرف ستعمل حكومة اليمين المحتملة على تشديد قوانين الهجرة والحقوق الاجتماعية للمهاجرين والقاصرين الأجانب وغيرها، ومنهم المغاربة، لكن فيما يتعلق بالعلاقة مع المغرب لن يُفرط التحالف اليميني في حالة فوزه في مصالح إسبانيا وداعميه من رجال الأعمال ومراكز القرار الاقتصادي، بل تقديري أن المهاجرين المغاربة سيتضررون من سياسات الحكومة اليمينية المحتملة لكن المغرب لن يتضرر، بل ربما ستعرف العلاقات بين البلدين تحسنا وتطورا قد يبدو مفاجئا لكنه في الواقع طبيعي ومن جينات اليمين الليبرالي القائمة أساسا على الربح والبراغماتية وتغليب الفائدة على الايديولوجيا. .ما هو تعليقكم على المغاربة الذين صوتوا لفائدة الحزب اليميني؟ عدد قليل من المغاربة يشاركون في التصويت حتى الآن في إسبانيا، بالنظر للعدد القليل من الذين يحملون الجنسية الإسبانية مقابل اللاتينيين، ما يقرب من 50 الف من مليون مغربي مهاجر –تقريبا_ مقيم في إسبانيا، وعدد المصوتين منهم على اليمين قليل جدا لكنه مؤشر لمستوى اندماج المغاربة في إسبانيا، المثير هي بعض حالات المصوتين على حزب فوكس اليميني المتطرف المعادي صراحة "للمورو" والعنصري، وتفسيرها الوحيد أنها من حالات الإصابة بداء "التوحد بالمعتدي" التي يعاني منها بعض الضحايا في علاقتهم بالمتجبر، لكنها بمحدودية العدد واعتبارات الأسباب الاستثنائية لهذه الظاهرة لا تشكل قاعدة يمكن بناء أي تحليل عليها. .هل سيكون للحزب تأثير مباشر على العلاقات مع المغرب؟ إذا كنت تعني حزب "فوكس" لا أعتقد، فلم نلاحظ أي تطرف في تصريحاته فيما يتعلق بالمصالح الحيوية للمغرب وفي مقدمتها الصحراء المغربية. في هذا الموضوع، اليسار الذي يشكل الحكومة الائتلافية مع الاشتراكيين أكثر تطرفا و مع ذلك لم يؤثر في قرار رئيس الحكومة الاشتراكي، عدا الخطاب العنصري وعلاقة هذا الحزب بالمغاربة وبعض السياسات الداخلية، لن يكون لهذا الحزب أي تأثير في السياسة الخارجية وبالأخص في العلاقة مع المغرب. .قدمت مدريد شكوى رسمية إلى الرباط لوصفها سبتة ومليلية بالمغربيتين، في وثيقة أرسلتها للمفوضية الأوروبية، هل هي بوادر أزمة تلوح في الأفق بالنظر إلى النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الإسبانية؟ بعض وسائل الإعلام الإسبانية حمَّلت وثيقة المغرب للمفوضية أكثر مما تستحق، ولأول مرة كانت لغة المغرب أكثر دبلوماسية بنعت المدينتين ب"المغربية" بدل "المحتلة" كما كان الشأن سابقا، وكذلك الأمر بالنسبة للشكوى أو الاحتجاج الإسباني الخفيف اللهجة الذي لم يوجه إلى وزارة الخارجية المغربية، بل إلى السفارة الإسبانية في مدريد تحت إكراهات الانتخابات في إسبانيا، وهذا ما يؤكد أن الدولتين والحكومتين ملتزمتين باتفاقهما في لقاء القمة الأخير بعدم التطرق للمواضيع الحساسة لكليهما ، وبالتالي الموضوع لا يتجاوز حجم فقاعة إعلامية عابرة. .أخيرًا؛ ما الذي يحتاجه بيدرو سانشيز لكي يستعيد هيمنته في الانتخابات العامة؟ تقديري؛ كما هو تقدير أغلب الملاحظين الإسبان أن بيدرو سانشيز، يحتاج إلى ثلاثة عناصر قد تخلق المفاجأة، أولا؛ تحريك الناخب الإسباني وبالخصوص الممتنعين عن التصويت من وسط اليسار ووسط اليمين من الطبقة المتوسطة، وبالخصوص في جهات تتحسس خطر اليمين المتطرف على مكاسبها في الحكم الذاتي بما فيه اليمين كجهة الباسك وكاتالونيا، ثانيا؛ يحتاج أن يستعيد حليفه من تحالف اليسار و"بوديموس" لعافيته ووحدته لإجهاض إمكانية حصول اليمينيين، "الشعبي" و"فوكس" المتطرف، على الأغلبية المطلقة لتشكيل حكومة ائتلافية، ثالثا؛ عنصر الحظ وخلق المفاجأة اللذان ميزا دائما تاريخ الزعيم الاشتراكي، خصوصا وأنه بهذه المبادرة المفاجِئة بانتخابات سابقة لأوانها في 23 يوليوز، وفي ظل الشروط السالفة الذكر وخلال العطلة الصيفية، أربكت خصومه وجعلت منها نوعًا من الاستفتاء على شخص بيدرو سانشيز، وليست فقط انتخابات تشريعية عادية أساسها البرامج الانتخابية للمتبارين، هذا وتجذر الإشارة إلى أن هذه الانتخابات ستتم وبيدرو سانشيز رئيسا للاتحاد الأوروبي وهي الرئاسة الخامسة لإسبانيا التي يتسلمها في 1 يوليوز 2023، وستعرف إسبانيا خلالها اجتماعات اللجان العشرة للاتحاد والعديد من القرارات، بعضها سيعطي إشعاعا للزعيم الاشتراكي وحلفائه.