فوز فيلمين مغربي وجزائري بالجائزة الكبرى للمهرجان وحجب جائزة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حصل شريط «همسات الأعالي» للمخرج المغربي الشرقي عامر, وفيلم «لغة زهرة» للمخرجة الجزائرية فاطمة سيساني, مناصفة, على الجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم الأمازيغي, الذي أسدل الستار على فعالياته, الأحد الماضي بأكادير, بعد أربعة أيام من التباري. وعادت جائزة لجنة التحكيم لشريط «إيزن زارن, كلمات كالسلاح» لمخرجه الفرنسي, كريستيان لار, فيما تم حجب جائزة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية, لعدم توفر معايير المسابقة التي حددها المعهد مسبقا, علما أن لجنة المعهد كانت قد أعلنت أن المسابقة ستشمل أعمال سنة 2010 فقط. وأراد الشرقي عامر من خلال شريطه «همسات الأعالي» الذي دخل المنافسة ضمن صنف الأفلام الوثائقية, أن يكرم الشعر والشعراء القدامى بالجهة الجنوبية الشرقية للمملكة, وذلك في محاولة منه للحفاظ على فقرات من الذاكرة المغربية. ويطرح فيلم «لغة زهرة» الذي دخل التباري في نفس الصنف, إشكالية الهجرة عند الرعيل الأول من المهاجرين ومشكلة الأمية التي خلقت هوة بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه, حيث أصبح بالتالي مهووسا بالعودة إلى بلده. من جانبه, يستحضر شريط «إيزن زارن, كلمات كالسلاح» المسار الفني لهذه المجموعة منذ السبعينيات, وحضورها القوي في الساحة الفنية الوطنية واكتساحها للسوق من حيث حجم المبيعات, وذلك بفضل التوليفة الموسيقية التي جمعت بين قوة الكلمة التي تهز الأحاسيس واللحن الشجي. يذكر أن الدورة الخامسة للمهرجان الدولي «إسني ن ورغ» للفيلم الأمازيغي, كانت قد انطلقت يوم الخميس الماضي بعرض 20 فيلما موزعا بين البانورامي (خارج المسابقة) والقصير والوثائقي, وكان ضيف الشرف فيها المخرج البيروفي ثيسار غاليندو الذي جاء بأعمال فريدة تنهل من الحضارة القديمة لشعب الأنكا. ولا يختلف إثنان في أن الدورة الخامسة لمهرجان «إسني ن ورغ» للفيلم الأمازيغي (6-9 أكتوبر)، رسخت مكانة المهرجان كنافذة مشرقة لإبداعات شباب جهة سوس- ماسة- درعة، التواق لإبراز المؤهلات التي تزخر بها جهته، وغنى تراث متجذر في القدم . وتعكس الأعمال التي قدمتها هذه الفئة الشابة من المخرجين التي تعج بهم الجهة، المتشبعة بالقيم والمبادئ الإنسانية، الرغبة الطافحة لتحقيق الذات، وإبراز عبر الفن السابع توجهات تصب في مجملها في تجسيد واقع بكل حمولاته الثقافية، وكسب مزيد من التجربة في المجال السينمائي الذي تعشقه حتى النخاع . المخرجون الشباب بذرة زرعت لتحصد الجهة ثمارها مستقبلا هذه الإشراقة من إبداع الشباب وكما عبر عنها المخرج البيروفي، ثيسار غاليندو، ضيف شرف الدورة الخامسة لمهرجان «إسني ن ورغ « للفيلم الأمازيغي، هي «بمثابة بذرة زرعت في حقل خصب ستعطي ثمارها في المستقبل». ويرى غاليندو إلى أن ما حاول هؤلاء المخرجين الشباب إبرازه، يكمن في مكونات ثقافة غنية سيعمل من جهته على نقلها إلى بلده نظرا لأهميتها، والتي اختزلها في فتح قنوات للتواصل. واعتبر أن الأمر لا يتعلق بالحرية أوالانعتاق كما ذهب البعض في تفسيراته، بل بالعمل على فرض احترام متبادل، مبرزا أن هذا الحراك الذي تشهده الساحة السينمائية لدى هذه الفئة، تعكس إرادة راسخة لإبراز معالم ثقافتهم. وتابع المخرج البيروفي «ربما لن تصيب الهدف في المرة الأولى، لتصل إلى النموذج الفني المطلوب، لكن سيتأتى لها ذلك بفضل الإصرار وأخذ المبادرات، وبالتالي ستتمكن من إيجاد المنظومة التقنية المنشودة، علما بأن تعلم الأشياء يتحقق عبر الممارسة، و مع مرور الوقت ستصقل موهبتها». وقال غاليندو إنه لامس بشكل جلي تشابها كبيرا بين المغرب والبيرو من حيث العادات والتقاليد، وخاصة حرارة الاستقبال من طرف ساكنة هذه الجهة التي تشكل إحدى مكونات الشعب المغربي، والتي استقبلته بكل عفوية على عكس ما يحدث له عندما يسافر إلى بعض الدول الأوروبية حيث تسبقه الكليشيهات الجاهزة. دسترة اللغة الأمازيغية مثار اهتمام بلدان أمريكا اللاتينية ووصف غاليندو دسترة اللغة الأمازيغية التي تدخل ضمن الإصلاحات التي باشرها المغرب، ب`»الخطوة الجريئة»، لاسيما عندما يتعلق الأمر بإرادة سياسية تهدف إلى إبراز ثقافة انطلاقا من طرح أفقى نموذجي، مشيرا إلى أن هذا لا يتوفر في بلده رغم وجود قانون مماثل، لا يرقى طبعا، إلى درجة الدسترة، لذلك بقي حبرا على ورق من حيث التطبيق، كما هو الشأن في بوليفيا والإيكوادور . وتابع، بأن هذه الخطوة دفعته إلى أن يزور المغرب الذي يعتبره نموذجا يحتدي في أمريكا اللاتينية. وأكد أن مثل هذه الخطوات تجعل اللغة الأمازيغية تتموقع في الساحة الثقافية دون أن يكون الهدف هو فرض نفسها، بل العمل على التواصل والتبادل القائم على الاحترام وقبول الآخر، لافتا بأنه كلما كان الاختلاف والتنوع، إلا وتحقق الغنى والتقدم وازدهار الشعوب والطموح إلى حياة أفضل قوامها المودة وقبول الرأي الآخر. تزايد الاهتمام بالسينما الواقعية المتجذرة في القدم وحرص المخرج البيروفي على أن يحمل إلى المهرجان أعمالا سينمائية أماطت اللثام عن ثقافة تنهل من الحضارة القديمة لشعب الأنكا عبر أحد أفلامه « أورا تاريمانتا « الذي تجاوب معه الجمهور نظرا لمضمونه الذي يحكي عن نمط عيش سكان قرية معزولة في جبال الأنديز. ويحكي هذا العمل السينمائي كيف تمكنت هذه القرية بوسائل بسيطة من المزاوجة بين الممارسة القديمة في العمل الجماعي والتضامني وبين تطبيق الديمقراطية على المستوى المحلي، من خلال التكافل الاجتماعي والتوافق والاستشارة في أبسط الأمور. وينقل المخرج تفاصيل وسط قروي صعب يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة المريحة، لكن رأسماله الوحيد هو شغفه وكرامته المتمثلين في الحفاظ على لغته «الكيتشوى» وفي ممارسة الديمقراطية. ونظرا لأهمية الشريط ارتأى المنظمون عرضه للمرة الثانية في مدينة تيزنيت العريقة التي تماهى معه الجمهور الذي رأى «نفسه فيه» باعتبار أن واقع الجهات المجاورة لها ينطبق مع بعض القرى المتواجدة في أماكن معزولة بل في أعالي الجبال يصعب ولوجها. كما انعكس هذا التجاوب غير المسبوق في عمل سينمائي في مستوى المناقشة التي شاركت فيه مختلف الفئات العمرية (أطفال ونساء ورجال ) استهوتهم مضامين الفيلم الذي تم عرضه في فضاء جميل يعبق بنسيم موروث ومكونات تاريخ هذه المدينة العريقة، الذي استهوى المخرج البيروفي وحلق به بعيدا في سماء الفن السابع. ويشمل برنامج هذا المهرجان عرض ما يقارب 20 فيلما موزعا بين الأشرطة الوثائقية والقصيرة فضلا عن تنظيم ورشات من قبل جمعية (إسني ن ورغ) بشراكة مع المهرجان الدولي للفيلم الشرقي بجنيف.