في نفس الوقت الذي يثير سياقنا الانتخابي الحالي اهتمام فئات واسعة من شعبنا، ويحفز على التطلع إلى الرهانات السياسية والديمقراطية للمرحلة التاريخية التي أسس لها الدستور الجديد، فإن مؤشرات أخرى تجعل الالتباس قائما وسط المجتمع. إن الانكباب اليوم على الإعداد للاستحقاقات الانتخابية والسعي لتحصين المسلسل برمته من كل ما يمكن أن يجره إلى الخلف، أي إلى ما قبل فاتح يوليوز، لا يمكن أن يبرر الجمود الواضح على صعيد الملفات الاجتماعية والاقتصادية المطروحة في الانشغال الشعبي العام. إن قضايا المعيش اليومي لفئات واسعة من شعبنا، والمشاكل ذات الصلة بالسكن والتشغيل والصحة والتعليم وتحسين دخل المستضعفين، إضافة إلى قضايا محاربة الفساد والرشوة والريع، هي أيضا أولويات ملحة إلى جانب الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، ومن هنا، فإن تعبئة أوسع فئات شعبنا للفعل في الورش السياسي والديمقراطي والتعبئة لإنجاح رهاناته، لن تتم من دون التجاوب مع المطالب الاجتماعية والاقتصادية، والتفاعل معها بمبادرات ملموسة وجريئة، وقادرة على جعل التغيير محسوسا لدى المغاربة في حياتهم اليومية. ليس من المقبول اليوم، أن ندفع الحكومة مثلا إلى نسيان برنامجها وما تضمنه من التزامات اجتماعية، وجعل كل مكوناتها غارقة، كغيرها، فقط ففي الأجندة الانتخابية، حيث أن منطق استمرارية الدولة ودولة المؤسسات يقتضي استمرار الحكومة ومؤسساتها في تطبيق تدابير وإجراءات البرنامج الحكومي، وبالتالي تفادي إدخال الشعب في مرحلة الفراغ، وانتظار من يأتي لمواصلة تنفيذ الالتزامات... ليس من المقبول أيضا أن ندخل البلاد كلها في مرحلة تنعدم فيها الرؤية لدى الجميع، ويصير الكل، في السياسة وفي الاقتصاد وفي الإدارة، يدور في المؤقت، وفي جهل لما سيأتي غدا، حيث أن التراكم المؤسساتي والسياسي للمغرب عبر تاريخه يعفيه من الركون لهذا الالتباس وجهل المستقبل. وليس من المقبول ثالثا، أن تكون الرؤية العامة للمستقبل معتمة، بل ومفقودة، كما لو أن البلد جاء من عدم، أو أنه ولد فقط بالأمس.. إن رهانات المرحلة، سياسيا واستراتيجيا وتنمويا، علاوة على الإيقاعات الساخنة والمتحركة المميزة اليوم للمحيط الإقليمي وما يشهده الشارع الوطني نفسه من حراك ومن مطالب، كل هذا يفرض اليوم التمسك بوضوح الرؤية، والإصرار على مواصلة التغيير، وعدم الخضوع للوبيات النكوص من شتى الملل والألوان. لقد مثل الدستور الجديد لحظة التأسيس لمرحلة جديدة، وهي مرحلة عنوانها الكبير هو القطيعة مع الماضي، ومن ثم فإن إضفاء الغموض والالتباس على المرحلة برمتها وتعتيم الرؤية، لن يوصلنا إلا إلى إعادة إنتاج زمن الماضي، ولن يجعلنا نقطع معه، ونؤسس بالتالي للمغرب الجديد. ليعلي الجميع إذن أسلوب الوضوح في كل شيء، في السياسة وفي الاقتصاد وفي المؤسسات وفي المجتمع.. ليعلي الكل أيضا أخلاق الجدية والالتزام دفاعا عن بلدنا، وعن مشروعه المجتمعي الديمقراطي الحداثي.. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته