تعيش مدينة تارودانت هذه الأيام، على إيقاع رحلة خلق وإبداع ستغير وجه أحد فضاءاتها العمومية إلى الأبد مانحة إياه لمسة الخلود ومسحة الجمال، وذلك بمناسبة انطلاق السمبوزيوم الدولي الخامس للنحت الذي تجري فعالياته تحت الرئاسة الشرفية لسمو الأميرة لالة مريم، وبشراكة مع المجلس البلدي وعمالة تارودانت وبدعم من مجلس جهة سوس ماسة درعة، خلال الفترة الممتدة من الثاني حتى السادس عشر من أكتوبر الجاري، بمشاركة نخبة من النحاتين العالميين المتميزين الذين تمت دعوتهم من طرف النحاتة المغربية إكرام القباج مؤسسة السمبوزيوم الدولي للنحت بالمغرب والتي دأبت على تنظيمه منذ الدورة الأولى، عبر استدعاء نحاتين عالميين ليؤثثوا الفضاء العمومي للمدن المغربية بتحف فنية رائعة ستزداد قيمتها مع الزمن ولكن إلى ذلك الوقت يجب على مجالس المدن وعلى السلطات المحلية أن تعمل على حماية وصيانة هذه الأعمال باعتبارها قطعا فنية ذات قيمة عالية وباعتبارها كذلك أصبحت بحكم الأمر الواقع ملكا للمدينة وسكانها، ويتوجب كذلك على وزارة الثقافة أن تضطلع أيضا بدورها المتمثل في احتضان هذه المنحوتات التي ستصدر عن أيدي ومخيلات فنانين عالميين وتقدمها بكرم نادر للفضاء العام للمدن المغربية لتتحول إلى خطاب جمالي مفتوح على عامة المواطنين وثروة ثقافية تحيل على النموذج المغربي في التعايش بين مختلف الأعراق خصوصا على مستوى الإبداع، وجب التعامل معها وتكريمها بما يليق بها. بالنسبة للدورة الخامسة للسمبوزيوم الدولي للنحت، استثناء، وعلى غير العادة قررت إكرام القباج الدخول في شراكة مع جمعية أرت بوان التي يرأسها الإيطالي جيامبييترو موريتي القاطن بمدينة تارودانت وهي جمعية ذات طبيعة فنية وثقافية مستقلة غير ربحية تتكون من فنانين وازعهم خلق تبادل ثقافي على المستوى الدولي. وبكامل الكرم تجاه وطنها المغرب ومنتهى الأريحية كانت النحاتة المغربية إكرام القباج على الدوام تدعو النحاتين من مختلف أنحاء العالم لإقامة السمبوزيومات في مدن المغرب وتقديمها هدايا لهذه المدن ولمواطنيها كقطع إبداعية ستبقى شاهدة لفترة طويلة من التاريخ على الثقافة والفن المغربيين وعلاقة الحوار بيننا وبين العالم فنيا. وهذه الدورة لم تشذ عن القاعدة، إذ تم استدعاء فنانين لهم صيتهم ومكانتهم في هذا المجال من أمثال اليابانية هروكو ياماشيتا والايطالي فرانشيسكو مازوطا البلجيكي باتريك كرومبي، البلغاري بيتر بيتروف واليوناني ميرودياس أو التركي كمال طوفان والإيراني طاهر شيخ الحكما المصري هاني محمود فيصل وبطبيعة الحال بمشاركة النحاتة المغربي إكرام القباج. كل هؤلاء يحتضنهم فضاء تارودانت حتى حدود السادس عشر من الشهر الجاري وهو يشتغلون في الهواء الطلق، تحت أنظار المواطنين الرودانيين، بينهم ممثلة المغرب، النحاتة المغربية إكرام القباج، على تقطيع الرخام والحجارة 15 يوما سينفخ خلالها هؤلاء الفنانين من روحهم الإبداعية في الحجارة الصلدة والرخام لتتجسد ككائنات إبداعية هائلة تنبض بالحياة والجمال. وتقول إكرام القباج أنه تقرر عرض المنحوتات في إحدى الحدائق العمومية بتارودانت وأن النهج الذي يشتغل عليه السمبوزيوم ليس موضوعاتيا وبالنسبة للدورة الحالية يبقى الهدف الدخول في تجربة فنية جديدة من شأنها تأهيل فضاء مدينة تارودانت المالك الوحيد لما ستسفر عنه الدورة التي يبقى أثناءها لكل نحات مشارك كامل الحرية في إبداع ما تجود به قريحته الفنية دون أي قيد أو شرط. وتضيف القباج أن أسفارها الكثيرة والدعوات التي كانت تتلقاها بين الحين والآخر للمشاركة في سمبوزيومات تقام في بلدان مختلفة كان هو الباعث الرئيسي للتفكير في نقل التجربة للمغرب وهكذا كان ميلاد السمبوزيوم الدولي الأول للنحت بمدينة الجديدة سنة 2000، بعده جاء الثاني بمدينة طنجة 2001، ثم الثالث بفاس 2002، ثم الصويرة 2003 وأخيرا الدورة الخامسة بتارودانت 2011 . وأهداف هذه التظاهرة حسب إكرام القباج تتلخص في منح المدينة متحفا للنحت المعاصر في الهواء الطلق وجعل الفن والنحت خصوصا جزءا من فضاء المدينة العمراني، مع يتضمنه ذلك من خلق نوع من الشراكة الثقافية ودعوة كل الفنانين إلى التفاعل مع الفضاء العمومي ونشر نوع من الثقافة الذوقية تجاه الفن. ويعتبر السمبوزيوم الدولي الخامس بتارودانت لبنة أخرى على درب سمبوزيومات النحت الدولية السابقة التي أسست لها هذه الفنانة الكبيرة بكثير من الغيرية ونكران الذات ومازالت المنحوتات التي أسفرت عنها بكل من الجديدة، طنجة، فاسوالصويرة شاهدة على هذا الحدث الفني المتميز. مر الآن ما يزيد على عقد من الزمن على إطلاق السمبوزيوم الدولي الأول للنحت والفنانة إكرام القباج أكثر إصرارا على ترسيخ هذا الفن الرائع وتقاليده في بلادنا، أكثر إصرارا أيضا على غزو فضاءات مدن أخرى على درب رسالتها للتعريف بما للنحت من قدرة على حفظ ثقافة وهوية المجتمعات والتأريخ لسيرورة الحضارات. ومع أن وضعية النحت في المغرب ليست على ما يرام إذا ما قورنت بالفنون التشكيلية، تقول الفنانة إكرام القباج «إن النحت ليس غريبا عن ثقافتنا ولأنه قد غاب طويلا يلزمه بعض الوقت ليوجد مكانته الحقيقية والجديرة به.