قرار التوجه إلى طلب الاعتراف بدولة فلسطين في منظمة الأممالمتحدة يستهدف إشراك المجتمع الدولي برمته في إيجاد حل للقضية الفلسطينية قررت القيادة الفلسطينية التوجه إلى الأممالمتحدة خلال الشهر الجاري، للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وذلك ضمن حدود سنة 1967 استناداً إلى قرار التقسيم «181» الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 1947 والذي نص على إقامة دولتين في فلسطين التاريخية، وهي «إسرائيل» و»فلسطين» وتم تنفيذ الشق الأول منه دون تنفيذ الشق الثاني المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية. وتحظى هذه الخطوة التي ستشكل منعطفا جوهريا في تاريخ القضية الفلسطينية، بدعم عربي رسمي وشعبي واسع، بالنظر إلى شرعيتها وعدالتها، وأحقية الفلسطينيين في أن يكونوا أعضاء كاملي العضوية في الأممالمتحدة، مثل بباقي دول العالم. ويأتي قرار القيادة الفلسطينية بالتوجه إلى طلب الاعتراف بدولة فلسطين في هذه المنظمة الأممية، حسب سفير دولة فلسطين بالمغرب الدكتور أحمد صبح، بعد أن تأكد للعالم أجمع أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتانياهو، معنية أولا بالاستيطان ومصادرة الأراضي وتهويد القدس وحصار غزة واجتياح القرى والمدن الفلسطينية، بشكل يومي وتعسفي، وإقامة الحواجز للتضييق على حرية التنقل داخل الأراضي الفلسطينية، ولا تعير أدنى اهتمام لمسيرة التفاوض لإنهاء الاحتلال كما يريد المجتمع الدولي، بل على العكس من ذلك تماما، يقول السفير أحمد صبح في لقاء صحفي بالرباط، أن «حكومة نتنياهو تمعن في تحدي العالم بالإعلان المستمر عن مزيد من الاستيطان، في وقت نشهد فيه تراجعا مؤسفا في الموقف الأمريكي من هذه القضية»، مشيرا إلى أن موقف الإدارة الأمريكية من الاستيطان كان واضحا، من أنه غير شرعي ويخالف القانون الدولي، وصوتت واشنطن، بهذا المعني، على قرارات في الجمعية العامة، ضد الاستيطان، لكن مع الأسف يضيف الدبلوماسي الفلسطيني، تراجعت أمريكا عن هذا الموقف، وأصبحت تقول بأن الاستيطان يشكل عقبة في وجه السلام، دون أية إضافة أخرى، بل تراجعت مجددا وأصبحت تكتفي بالقول «إن الاستيطان أمر مؤسف» دون أن تلجأ إلى اتخاذ أي خطوة للحد منه، أو على الأقل تجميده، كما أعلن عن ذلك الرئيس أوباما شخصيا، حيث قال إنه لم يكن بمقدوره أن يقنع نتانياهو بتجميد الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر، لإتاحة المجال أمام تفاوض مكثف خاصة في موضوعي الأمن والحدود كما كان الطلب الأمريكي. أمام هذه المعطيات، يقول سفير دولة فلسطين بالرباط، «كنا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاستسلام لإرادة المحتل، وإما اللجوء إلى القانون الدولي وإلى الأممالمتحدة»، مشيرا إلى أنه قبل اتخاذ أي موقف بهذا الخصوص تمت استشارات كل الدول العربية، وعقدت لجنة المتابعة العربية اجتماعات لها حول هذا الموضوع وانبثقت عنها لجنة مصغرة للصياغة الدقيقة للطلب الفلسطيني. وأضاف أحمد صبح أن لجنة المتابعة التي تتكون من 15 وزير خارجية عربي وبرئاسة دولة قطر، مهمتها متابعة مبادرة السلام العربية أي العمل على مستوى المجتمع الدولي على تحقيق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وأنه خلال الأربعة أشهر الماضية عقدت هذه اللجنة أربعة اجتماعات خاصة بموضوع اعتراف الأممالمتحدة بدولة فلسطين. وأبرز السفير، خلال هذا اللقاء، الدور المتميز الذي يلعبه المغرب في اجتماعات لجنة المتابعة، وفي لجنة الصياغة المنبثق عنها، والتي تتكون من ستة دول عربية وهي بالإضافة إلى فلسطين، قطر، المغرب، مصر، السعودية والأردن. وخلال هذه المرحلة، قام الفلسطينيون بحملة ترافعية واسعة على المستوى الدولي، وتمت الاستعانة بالعلاقات الدولية للدول العربية، وأيضا بأصدقاء فلسطين كالصين وروسيا والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل، ودول أوروبية أخرى، تمت استشارتها في الموضوع، ولقيت كل الخطوات التي قامت بها الوفود العربية والفلسطينية وعلى رأسها الرئيس عباس أبو مازن، مزيدا من الاعتراف الدولي بدولة فلسطين ومزيدا من التشجيع للتوجه إلى الأممالمتحدة، لكن مع الأسف، يقول أحمد صبح، «اصطدم هذا التوجه الإيجابي المعلن بموقف سلبي لأمريكا وإسرائيل، ونحن نستغرب سلبية الموقف الأمريكي بشكل خاص، لأن أمريكا هي الوسيط الأساسي في عملية التفاوض وهي أدرى من غيرها بأن من عطل المفاوضات هو نتانياهو واستيطانه». وأضاف الدبلوماسي الفلسطيني، أنه بدل أن يتحمل نتانياهو والحكومة الإسرائيلية مسؤولية الفشل، ولأسباب انتخابية أمريكية، يتم التعبير عن موقف أمريكي سلبي واضح من التوجه إلى الأممالمتحدة رغم أن الخطوة التي يعتزم الفلسطينيون القيام بها هي خطوة قانونية، حضارية وسلمية بعيدة عن العنف. وذكّر أحمد صبح بخطاب بارك أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة شهر شتنبر 2010، حين وقف مخاطبا العالم قائلا إنه يريد أن يرى دولة فلسطين «عضوا جديدا في الأممالمتحدة في شتنبر 2011»، مشيرا إلى أنه ليس من الحكمة أن يعاقب الفلسطينيون لأنهم أخذوا موقف أوباما على محمل الجد في الوقت الذي يجب أن يكون الموقف سلبيا ممن عطل موقف الرئيس الأمريكي. وحول اعتبار الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية، بأن توجه الفلسطينيين إلى الأممالمتحدة، هو موقف أحادي الجانب، أوضح أحمد صبح أن الأممالمتحدة هي التعبير الأسمى للسياسات متعددة الأطراف، وبالتالي اللجوء إليها هو بالضبط عكس الخطوات أحادية الجانب، وهو إشراك المجتمع الدولي برمته في إيجاد حل للقضية الفلسطينية، أما الخطوة الأحادية المرفوضة، يقول السفير الفلسطيني، ف «هي الإجراءات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي على الأرض مستعملا قوة الاحتلال لتغيير الواقع من خلال الاستيطان والاجتياح وحرمان الشعب الفلسطيني من أبسط حقوقه المشروعة». كما اعتبر أحمد صبح إدعاء أمريكا وإسرائيل بأن اللجوء إلى الأممالمتحدة ينزع الشرعية عن إسرائيل، كلام مغلوط يحاول أن يخلط الأمور، «لأننا نريد أن ننزع الشرعية عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ولا نريد أن ننزع الشرعية عن أحد، فالاعتراف بإسرائيل شيء، والاعتراف بها كقوة احتلال على أرضنا شيئ مختلف تماما». ونفى الدبلوماسي الفلسطيني أن يكون الهدف من التوجه إلى الأممالمتحدة هو مواجهة أمريكا أو أي أحد، وقال في هذا الصدد «نحن بخطوتنا هذه، لا نريد أن نواجه أمريكا ولا مواجهة أي احد، هدفنا هو تمكين الشعب الفلسطيني من وضع سياسي قانوني جديد يمكنه من الاستمرار في مفاوضات جدية لإنهاء الاحتلال». وشدد أحمد صبح على أن الاحتلال الإسرائيلي له أصدقاء أقوياء بالرغم من مخالفته للشرعية الدولية، وبالتالي فإن الشعب الفلسطيني، من خلال السلطة الفلسطينية، بحاجة إلى تراكم مكتسبات سياسية وقانونية لإجبار الاحتلال على إنهاء احتلاله، مضيفا أن قبول دولة فلسطينبالأممالمتحدة، يعني أن الأرض الفلسطينية أرض محتلة وليست أرض نزاع كما يدعي الاحتلال الإسرائيلي. وأكد الدبلوماسي الفلسطيني أن الغاية من هذه الخطوة هي الإثبات قانونيا بأن العالم يعترف بالدولة الفلسطينية، وهذا يعني عضويتها في المنظمات الدولية المتخصصة، كالمنظمة العالمية للصحة، ومحكمة الجنايات الدولية، واليونيسكو وغيرها. وأفاد أحمد صبح أن الفلسطينيين هم الآن أمام معركة سياسية لكسب مزيد من الأصدقاء لتأييدهم في مطلبهم الشرعي والقانوني، مشيرا إلى أن قرار الوقوف ضد هذا المطلب، ليس قرارا حكيما، وهو يعني الوقوف ضد حل الدولتين، وهو خيبة أمل للشعوب العربية الطامحة للتغيير الديمقراطي في سياسة أمريكا التي تكيل بمكيالين وتنحاز إلى الاحتلال الإسرائيلي. وأوضح المتحدث أن السلطة الفلسطينية تواجه ضغوطات كبيرة من أجل ثنيها عن الذهاب إلى الأممالمتحدة، هذا الشهر، بما فيها التهديد بقطع المساعدات، وقال في هذا الصدد «نحن سنتوجه إلى الأممالمتحدة لطلب الحصول على عضوي كاملة لدولة فلسطين يوم 20 شتنبر الجاري»، وقبل ذلك سيلقي الرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن خطابا تاريخيا يوم الجمعة المقبل في الجمعية العامة. ويتوقع أحمد صبح دعما سياسيا شعبيا ورسميا من طرف الدول العربية وكل الدول المؤمنة بعدالة القضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف، رغم التهديد الأمريكي باستعمال الفيتو للاعتراض على الاعتراف القانوني بدولة فلسطين، مشيرا إلى أن المهم هو أن يحصل الطلب الفلسطيني على دعم أكبر عدد من الأصدقاء في العالم. وفي حالة استعمال الفيتو الأمريكي، تبقى إمكانية تقديم الطلب من جديد إلى الجمعية العامة واردة، من أجل الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الأممالمتحدة، وهي الصفة التي تعطي إمكانية الانضمام إلى المنظمات الدولية دون أي عائق، ولكن بصفة ملاحظ لا يحق له التصويت على القرارات، وفي نظر السفير الفلسطيني بالرباط، فإن هذه الوضعية في حد ذاتها ستكون أحسن، في كل الأحوال، من الوضعية الحالية، «بل هي خطوة متقدمة على ما نحن عليه اليوم»، يقول أحمد صبح الذي ذكر أن عدد الدول التي اعترفت بدولة فلسطين يصل إلى 126 دولة، كما أن 20 دولة أخرى رفعت من مستوى التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني، معظمها في الاتحاد الأوروبي، أي الاقتراب من الاعتراف بدولة فلسطين، لأن بها بعثات دبلوماسية فلسطينية يرأسها سفير يقدم اعتماده لدى رئاسة هذه الدول. من جانب آخر، قال أحمد صبح إن «هناك جهات دولية، تحاول أن تقدم بعض الأفكار والمقترحات، في اللحظات الأخيرة، حتى لا نذهب إلى الأممالمتحدة، ونحن نقول إننا ذاهبون إلى الأممالمتحدة، دون أن يعني ذلك رفضنا للمفاوضات» التي يتعين بحسبه، أن تكون وفق جدول زمني مضبوط ومحدد، يؤكد بشكل واضح على مرجعية هذه المفاوضات، أي قيام الدولة الفلسطينية، ووقف واضح للاستيطان، كشرط أساسي للعودة إلى المفاوضات. يشار أن فلسطين تحظى بوضعية الملاحظ في منظمة الأممالمتحدة منذ سنة 1974 عندما اعترفت هذه الأخيرة بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني، وفي سنة 1988 تم تغير اسم منظمة التحرير باسم فلسطين دون الحديث عن الدولة الفلسطينية، مع الاحتفاظ بصفة الملاحظ، وبقيت وضعية فلسطين على هذه الحال إلى غاية سنة 1997 حيث تم رفع مستوى المشاركة الفلسطينية في الأممالمتحدة بقرار جديد من الجمعية العامة، مع الاحتفاظ بوضعية ملاحظ، ولكن بتفاصيل إضافية وبمشاركة أوسع في الأممالمتحدة.