يتأمل الفنان التشكيلي برتران موشون في معرضه المعنون «نظرة حول العقل»، الذي افتتحت به المكتبة الوطنية للمملكة المغربية ، مساء الخميس الماضي، أنشطتها الثقافية، في معنى وجوهر الأشياء والحياة. ولوحات موشون، التي يستمر عرضها إلى غاية 30 شتنبر الجاري ببهو المكتبة، بحث وتساؤل متواصلين ورغبة في امتلاك جوهر الأشياء، إذ يسلك موشون بذلك طريقا عبدها قبل قرن من الزمن فنانون آخرون، منهم موندريان، أحد رواد المدرسة التجريدية، الذين أضحت إبداعاتهم لغة عالمية، تغوص في الحقائق وتنبذ المظاهر. كل شيء في أعمال موشون يجسد بحثه عن كل ما هو روحاني، انطلاقا من المادة الخام التي اختارها للوحاته (ورق الجرائد)، التي يقدسها كما لو أنها مخطوط يعود لأزمنة غابرة، ينتقيها بعناية خاصة، قبل أن يعمد إلى تقطيعها إلى جزيئات، واستخدامها كسند للوحاته بإلصاقها يدويا وبتركيز كبير (طريقة الكولاج) مواصلا تساؤله الأبدي عن كنه الأشياء. تحمل أعمال برتران موشون إبداعات كبيرة من أشياء بسيطة، تتميز باختلاف أشكالها، من مستطيلات ومربعات إلى أسهم مصوبة نحو جميع الاتجاهات، وأبواب عتيقة وسط مربعات، وعيون أنثوية مغمضة عبر المستطيلات وكأنها ترفض رؤية بشاعة العالم، وأجساد تمشي وكأنها تركض أو واقفة وكأنها تتأمل أشياء غير واضحة. قد لا يستعمل برتران موشون الصباغة، مقتصرا على ألوان الجرائد، محاولا إعادة تشكيل وجه المجتمع، وإبراز الأشياء المرحة والممتعة عندما يكون الأمر عاديا والأشياء القاسية والمقيتة عندما يلاحظ ما يعكر صفو الحياة العادية، كل ذلك في إطار بحثه الدؤوب عن معنى وجوهر الأشياء من خلال تيمتي «المعنى» و»الزمن». سعي برتران موشون لتحقيق فن عالمي من دون حدود ومفهوم من الجميع، إذ يردد دائما أن الإنسان « لم يخترع العجلة بل اخترع المربع»، الذي أضحى شكلا يدركه العقل البشري، مما يجعل لوحاته تظهر وكأنها «تجل حقيقي للعقل».