الوقاية من التعذيب ومناهضة مختلف ضروب المعاملة أو العقوبة السيئة أو اللاإنسانية أو المهينة بإفريقيا وتعزيز قدرات المؤسسات الوطنية الإفريقية لحقوق الإنسان، وجعلها في مستوى مواجهة مختلف هذه التحديات التي تضرب في العمق مبادئ حقوق الإنسان بالقارة السمراء... تعد من الأهداف الرئيسية التي من أجلها نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان المؤتمر الرفيع المستوى بالرباط وذلك بدعم من سفارة بريطانيا بالمغرب وجمعية الوقاية من التعذيب في إفريقيا والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان. وأكد رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ادريس اليازمي في افتتاح هذا اللقاء أن المؤسسات الوطنية الإفريقية لحقوق الإنسان تلعب دورا رئيسيا في العمل المباشر للقضاء على ممارسات التعذيب، بفضل الاختصاصات المخولة لها ومجالات عملها، مبرزا أن هذا الدور تم الاعتراف به صراحة من قبل الجمعية الإفريقية للوقاية من التعذيب التي تعد فاعلا رئيسيا في هذا المجال. وأضاف اليازمي في تدخل ألقاه في هذا المؤتمر الذي حضر افتتاحه، صباح أمس الأربعاء بالرباط، المدير التنفيذي لشبكة المؤسسات الوطنية الإفريقية لحقوق الإنسان، ووزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الناصري، ورئيس مؤسسة الوسيط عبد العزيز بنزاكور، وممثلين عن العدل ووزارة الداخلية والمندوبية السامية للسجون والمدير التنفيذي بسكرتارية شبكة المؤسسات الوطنية الإفريقية لحقوق الإنسان، وعدد من الخبراء الأجانب والمغاربة، أن جهودا حثيثة بذلت على مستوى القارة من أجل مناهضة التعذيب، حيث أعلنت عدد من الدول عن انضمامها للآليات الدولية والجهوية للوقاية من التعذيب عبر المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وكذا الإعلان عن الالتزام بالمبادئ التوجيهية لروبن إيسلند الخاصة بحظر والوقاية من التعذيب بإفريقيا، فضلا عن إقرار اللجنة الإفريقية للوقاية من التعذيب والآليات الوطنية الخاصة بهذا المجال. وأقر رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان بأن القضاء على ممارسات التعذيب بالقارة ليس بالأمر الهين اعتبارا لارتباطه بوجود مجموعة من مظاهر الاختلال، قائلا «إن الجهود الهامة التي يتم بذلها ساهمت في الوقاية من التعذيب بإفريقيا بل وتقوية قدرات الأطراف الفاعلة الوطنية والمحلية، حيث أن 11 دولة من أصل 60 أصبحت طرفا في البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، فيما وقعت عليه سبع دول من أصل تسع وستين دولة، لكن القضاء على ممارسات التعذيب بإفريقيا لازال بعيد التحقق، وهذا لا يعود فقط لعدم التزام الدول بذلك بل نتيجة إهمال الأسباب الأساسية من مثل الفقر والتمييز والإقصاء الاجتماعي والرشوة والجهل وغياب سياسة وطنية طموحة ومتكاملة للتربية على حقوق الإنسان، والتي أصبحت كلها مظاهر تنافس عدم الاستقرار السياسي في المنطقة»... موجها في هذا الصدد ما يشبه نداء إلى المؤسسات الوطنية للاضطلاع بالمهام المخولة لها قانونا وذلك عبر تذكيره بمبادئ باريس التي تخص المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والتي تخول لهذه الأخيرة اختصاصات هامة سواء على مستوى حماية حقوق الإنسان أو مراقبة مختلف انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها مناهضة التعذيب ومختلف الممارسات القاسية واللإنسانية والمهينة والانضمام إلى الآليات الدولية والجهوية الخاصة بهذا المجال وملاءمة القوانين الوطنية، مشيرا إلى أن هذا اللقاء الذي يحمل عنوان «دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في الوقاية من التعذيب» يدخل في إطار إعمال اتفاقية الشراكة الموقعة بين الشبكة الإفريقية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وجمعية الوقاية من التعذيب سنة 2010 بالرباط وجنيف، والتي تمتد على مدى ثلاث سنوات، والتي من بين أهدافها تقاسم الخبرات وتوفير المهارات والمعارف اللازمة لدعم المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان للتخطيط وتنفيذ أنشطة ملموسة للوقاية من التعذيب في بلدانهم، ولا سيما من خلال مراقبة أماكن الاحتجاز. واستنادا إلى ورقة تقديمية وزعها المنظمون، فإن هذا المؤتمر الإقليمي الذي امتدت أشغاله على مدى يومي الأربعاء والخميس الماضيين، يروم إظهار الالتزام المشترك لأعضاء الشبكة الإفريقية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان عبر إعطاء الأولوية لمناهضة التعذيب في أنشطتها، ووضع خطة عمل تتضمن الوسائل والإجراءات اللازمة لتنفيذ المبادئ التوجيهية والتدابير التي تم اعتمادها بجزيرة روبن لحظر التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والوقاية منها في إفريقيا بشكل فعال، فضلا عن تحسين التفاعل بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وآليات الوقاية الوطنية. وأوضحت ذات الورقة، أن الشبكة الإفريقية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان التي يرأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان (المغرب) تعد فاعلا رئيسيا في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في إفريقيا، وهي تضم حاليا 36 مؤسسة عضو، ويمكن أن تشكل تجربتها مصدر إلهام لآليات الوقاية الوطنية من التعذيب في إفريقيا وتدفعها إلى النظر في إنشاء شبكة إفريقية على هذا المستوى. أما جمعية الوقاية من التعذيب في إفريقيا فتعد فاعلا رئيسيا في إعداد واعتماد الصك الإفريقي الوحيد المتعلق بحظر التعذيب والوقاية منه في إفريقيا، ويتمثل في المبادئ التوجيهية والتدابير التي تم اعتمادها بجزيرة روبن لحظر التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والوقاية منها في القارة السمراء، وقد صادق الاتحاد الإفريقي على هذه المجموعة من المعايير غير الملزمة قانونيا في 2002. وهذه المبادئ التوجيهية تتألف من مجموعة من التدابير والتوصيات التي يجب أن تتبعها الدول الإفريقية من أجل مناهضة التعذيب والوقاية منه بشكل أفضل، بما في ذلك المصادقة على المعايير الدولية وتنفيذها لمواءمة التشريعات الوطنية مع الصكوك الدولية، مثل تجريم التعذيب في القانون الوطني أو المراقبة المنهجية لجميع أماكن الحرمان من الحرية. وعلى هذا النحو، فإن هذه المبادئ التوجيهية تشكل تقدما كبيرا في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان في أفريقيا.