يستغرب المرء فعلا كيف أن المغرب كلما ولج محطة إصلاحية أساسية خرج علينا من يتربص بالتجربة ويحاول وقف العجلة. اليوم لا شك أن الجميع يدرك دقة المرحلة في بلادنا، بالنظر إلى تحدياتها الوطنية ومميزات المحيط المغاربي والعربي، لكن مع ذلك، وبدل الانخراط في مقاربة شمولية لهذه المرحلة، والتشبث بالمداخل الصحيحة لتنزيل المضامين المتقدمة للدستور الجديد، وفي مقدمة ذلك تنظيم انتخابات تقطع مع تجارب الماضي، هناك من يخرج علينا اليوم ويطل برؤوس من فساد وسوء نية إما ليجر المرحلة كلها إلى الخلف وإلى اللامعنى، وإما ليشكك في كل شيء قبل أن يقع أي شيء، وإما ليفتعل توترا وتصعيدا متوهمين، سعيا لما يتمناه من «انزلاق الوضع الوطني نحو أزمة سياسية» قد توقف كل شيء، وتعيدنا إلى أصفار البدايات والمجهول. اليوم بلادنا في حاجة إلى استمرار الاقتناع بحتمية التغيير، وبأن كل تراجع أو تباطؤ أو تلكؤ قد يفتح الأبواب لكل المخاطر، في حاجة إلى تنظيم انتخابات تجري في مناخ من الشفافية وتكافؤ الفرص والحياد المسؤول للإدارة، وتحظى بمشاركة شعبية واسعة، وتسمح ببناء مؤسسات قوية ومؤهلة، تدمج كل القوى والتيارات الحية، وتتشكل من أطر وكفاءات جديدة ومؤهلة سياسيا وأخلاقيا. إن هذا الرهان بقدر ما يقتضي من الدولة الإصرار على شجاعة الاستمرار في الإصلاح والتحديث، فإنه أيضا يفرض على الأحزاب الالتزام بكثير من الوضوح تجاه شروط التنافس الديمقراطي، وبالتالي فان «التشيار» اليوم ذات اليمين وذات الشمال بأن الانتخابات القادمة ستكون مزورة أو بلا مصداقية ما لم يفز بها الحزب الفلاني، يعتبر كلاما بلا سياسة، وسلوكا فيه كثير من الطيش واللاديمقراطية. بعض التيارات السياسية تصر على إقران مباركتها لنتائج أي اقتراع بما ستجنيه هي من غنيمة، وتعلن عن ذلك قبل إجراء الاقتراع نفسه، كما لو أنها في تفاوض حول صفقة ابتزاز، تعلن من الآن عن المطالب بتصعيد لفظي، وتحدد الموقف النهائي بعد تلقي الثمن، وهذا السلوك لا يختلف في شيء عن سلوك الأوساط الأخرى التي تحاول جر المسودات والنصوص من الخلف لإفراغها من كل مضمون إصلاحي، حتى إذا دخلت البلاد، لا قدر الله، في مناطق التوتر انفضت عناصرها هي من على الطاولة، وعمدت إلى الرحيل والاختفاء. في الحالتين معا نحن أما خصوم التغيير، وهنا الحاجة إلى القوى ذات المصداقية وذات التاريخ وذات الأصل، لأنها هي القادرة على إعادة الثقة لشعبنا في المستقبل، وعلى محاربة الشك والتيئيس والعدمية، وهي التي تحرص في المشاورات على «حسن توظيف الآليات والقوانين، بما يضمن تحقيق الأهداف السياسية السامية، المتمثلة في تعزيز الديمقراطية، وتقوية المؤسسات، وإعادة الثقة، وفتح آفاق المستقبل». المرحلة دقيقة، والمغرب غير مسموح له اليوم بألا يكمل مسلسله الإصلاحي، والعالم كله يتطلع إلى استثنائيته بقصد إثمارها نجاحات ديمقراطية وتنموية. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته