خلاف في صفوف الأغلبية بسبب التقطيع الانتخابي بين من يؤيد الإبقاء على التقطيع الحالي ومن يدعو إلى تقطيع جديد وفق ما يقتضيه الدستور دخلت المشاورات السياسية حول مشاريع القوانين الانتخابية المرحلة الأخيرة للوصول إلى توافق يبدو صعب الوقوع، في انتظار ما سيسفر عنه لقاء وزير الداخلية المزمع عقده مع زعماء بعض الأحزاب السياسية أمس الجمعة أو يومه السبت على أقصى تقدير؛ بسبب تباين مواقف الأحزاب السياسية حول القضايا العالقة. ويظهر هذا التباين جليا في مواقف الأحزاب حول التقطيع الانتخابي، فيما يكاد يكون شبه إجماع على الإبقاء على العتبة كما جاءت في الصيغة الثانية لمسودة مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب، مع تعديل في نسبة العتبة بالنسبة للائحة الوطنية إلى ما بين 3 إلى 4 في المائة، خصوصا بعد الحديث عن الرفع من عدد المقاعد المخصصة لها إلى 120 مقعدا، 90 منها للنساء و30 للشباب دون 40 سنة. وبينما ينفي مسؤولو وزارة الداخلية الوصول إلى الباب المسدود بخصوص القضايا العالقة، ويعلنون عن قرب التوصل إلى توافق بين مختلف مكونات المشهد السياسي الوطني، فإن العديد من الأحزاب السياسية تقر بوجود صعوبات جمة في الوصول إلى هذا التوافق، في ظل التباين الواضح في مواقف هذه الأحزاب بخصوص القضايا الخلافية، خصوصا ما يتعلق بالتقطيع الانتخابي، والعتبة واللائحة الوطنية. هذا التباين في المواقف أفرز تيارين واضحين، الأول يدافع عن إبقاء الحالة كما هي عليه فيما يتعلق بالدوائر الانتخابية، أي الاحتفاظ بالتقطيع الحالي واعتماد مراجعة جزئية له، من خلال إدخال الأقاليم ال 13 المحدثة بعد انتخابات 2007. والثاني يدافع عن اعتماد تقطيع جديد على اعتبار أن الدستور يلزم بوضع مبادئ التقطيع في القانون. وتكاد الأحزاب السياسية، على خلاف وزارة الداخلية، تجمع أنه من الصعوبة بمكان الوصول إلى توافق بين جميع المكونات حول هذه القضايا، بسبب تمسك كل طرف بموقفه ولا شيء في الأفق يدل على احتمال تنازل هذا الطرف أو ذاك عن هذا الموقف. ويعزو محمد أمين الصبيحي، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، صعوبة التوصل إلى توافق حول القضايا الخلافية، خصوصا في مسألة التقطيع، إلى أن الخلاف ليس تقنيا بل هو خلاف سياسي. ويقول في تصريح لبيان اليوم إن كل طرف يتمسك بموقفه بشدة لاعتبارات حزبية وحسابات سياسية، وبالتالي فإنه يصعب الحديث عن توافق بين جميع الأحزاب السياسية حول هذه القضية. نفس الرأي يتقاسمه جامع المعتصم، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الذي يؤكد أنه من الصعب التوصل إلى توافق بين كل الأحزاب السياسية، مضيفا في تصريح للجريدة «أن التوافق ينبغي أن يكون لفائدة المصلحة العليا للبلاد ولفائدة المسلسل الديمقراطي وليس لإرضاء هذا الطرف أو ذاك». وشدد على أن العدالة والتنمية يدافع على ضرورة أن يكون التقطيع الجديد متوافقا مع روح الدستور الذي يلزم بوضع مبادئ التقطيع في القانون، وأن يكون المعيار الأساسي في هذا التقطيع هو حجم السكان، كما هو معمول به في مختلف الديمقراطيات. وعبر سعيد أمسكان، عضو المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية، عن استحالة التوصل إلى التوافق المنشود في ظل وجود أكثر من 30 هيئة سياسية كل منها تعبر عن مواقف متباينة. وأكد أمين الصبيحي أن اللقاء المزمع عقده بين وزير الداخلية وزعماء الأحزاب السياسية، في هذين اليومين، لا يوحي بأن هناك انفراجا في الأفق، لأن كل تيار يتمسك بمواقفه، المدافعون عن إبقاء الحالة على ما هي عليه، مع الأخذ بعين الاعتبار العمالات والأقاليم الجديدة. والمطالبون بتقطيع على قاعدة مبادئ جديدة. ويشير عضو المكتب السياسي للتقدم والاشتراكية المكلف بالانتخابات إلى أن تقطيع 2007 أبان عن العديد من السلبيات من قبيل سهولة استعمال المال في شراء أصوات الناخبين، الشيء الذي أضر ويضر بالعملية الانتخابية برمتها، وبالتالي فإن الاحتفاظ بهذا التقطيع سيكون حجر عثرة في إنجاح الانتخابات المقبلة وجعلها نزيهة وشفافة. وشدد أمين الصبيحي على أن محاربة تجار الانتخابات واستعمال المال يمر بالضرورة عبر إقرار تقطيع جديد يعتمد دوائر محلية واسعة، لإقرار التنافس الشريف بين كل المرشحين والأحزاب على حد سواء. ويتيح إمكانية بروز نخب جديدة وأطر سياسية كفأة في تشكيلة مجلس النواب المقبل. ويسعى حزب التقدم والاشتراكية، حسب أمين الصبيحي، لإيجاد صيغة مثلى مع حلفائه في الكتلة وفي الأغلبية الحكومية للوصول إلى توافق حول المسألة. هذا الموقف يتبناه كل من حزب التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والعدالة والتنمية، والاستقلال بشكل أو بآخر، بينما تؤيد أحزاب الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري والأصالة والمعاصرة الموقف الداعي إلى الإبقاء على التقطيع المعمول به في انتخابات 2007. وبالنسبة لجامع المعتصم فإن العدالة التنمية لا يرى سبيلا إلى بناء مؤسسات قوية إلا بالالتزام بمقتضيات الدستور، من خلال اعتماد مبادئ جديدة كما ينص على ذلك. وانتقد المعتصم طريقة تدبير المشاورات من طرف وزارة الداخلية ومحاولتها إيجاد توافق عريض بين كل الهيئات السياسية. وقال «إذا كانت وزارة الداخلية تريد أن تفرض رأيها على الجميع فإن ذلك ليس منطقيا، وسيشكل تراجعا عن المبادئ الديمقراطية». واعترف أمين الصبيحي أن القضايا الخلافية العالقة بينت وجود تباين في مواقف أحزاب الأغلبية الحالية، وأن الذين يلوحون بإحالة القانون على البرلمان للدراسة والمصادقة، ومن بينهم أحزاب تنتمي إلى الأغلبية تريد أن تظهر وجود تصدع في صفوف الأغلبية. ويرى سعيد أمسكان أن القضايا العالقة لازالت مطروحة بالرغم من محاولات وزارة الداخلية رأب الصدع بين الهيئات السياسية والوصول إلى توافق حولها. وعبر عن أسفه لما أسماه «أنانية بعض الأحزاب» وتفضيلها المصلحة الحزبية والسياسية الضيقة على النظرة الوطنية والمصلحة العليا للبلاد. وقال «عندما أرى مثل هذه التباينات في المواقف المبنية على هذه الحسابات يؤلمني ذلك ولا يروقني». ورغم أنه لم يحسم بعد في قضية العتبة، إلا أن الاتجاه يسير إلى تبني 6 في المائة في اللوائح المحلية وما بين 3 إلى 4 في المائة بالنسبة للائحة الوطنية. وفي الوقت الذي يدور الحديث عن لائحة وطنية موسعة تضمن تمثيلية النساء، تكون مفتوحة في وجه الشباب والأطر السياسية، فإن المؤشرات تشير إلى احتمال رفع عدد المقاعد المخصصة للائحة الوطنية إلى 120 مقعدا، سيخصص 90 منها للنساء فيما الباقي للشباب أقل من 40 سنة. ويدافع حزب التقدم والاشتراكية عن مبدإ عدم تحديد السن من أجل فسح المجال للنخب الحزبية، لأن تحديد السن ليس له ما يبرره، حسب أمين الصبيحي. وبرأي جامع المعتصم فإن المغرب اعتمد نسبة في الانتخابات التشريعية لسنة 2002 ثم رفعت هذه النسبة في انتخابات 2007، ولا مبرر للتراجع عن هذا المنحى، معتبرا أن دعوة العدالة والتنمية إلى رفع العتبة إلى 8 في المائة يسير في اتجاه ترشيد المشهد الحزبي وتفادي بلقنته، وكل تراجع عن هذا التوجه يعتبر غير مقبول. وردا على الذين يدافعون عن تخفيض العتبة بمبرر فسح المجال أمام الأحزاب الصغرى، يقول عضو الأمانة العامة للعدالة والتنمية، إن قانون الأحزاب السياسية يفتح الباب أمام الاتحادات الحزبية، وبالتالي فإن عددا من الأحزاب يمكن أن تشكل اتحادات فيما بينها. بينما يصر حزب التقدم والاشتراكية على أن مسألة تخفيض العتبة تتجاوز المقاربة الحسابية الشكلية لكونها تنطوي على عمق سياسي يعكس ضرورة توفر الإرادة السياسية في إشراك جميع الأصوات والتيارات الفكرية لتعبر عن مواقفها وتصوراتها بالمشاركة من داخل المؤسسات عوض أن نساهم في إبقائها مجرد قوى مطلبية في الشارع العام.