قليلة هي الكتابات إن لم أقل نادرة، تلك التي يتحدث فيها الأدباء عن خبايا تأليفهم لإنتاجاتهم الأدبية، سواء كانت هذه الإنتاجات مجموعات شعرية أو قصصية أو روايات أو سوى ذلك من الانتاجات. إننا نجهل تماما كيف تخلق العمل الأدبي لدى هذا الكاتب أو ذاك. في أي ظروف تم تأليفه؟ وما هي طبيعة المعاناة التي اجترحها الكاتب قبل أن يدفع عمله إلى الطبع؟ ما هي المراحل التي قطعها؟ إلى غير ذلك من التساؤلات التي من شأنها أن تغني معرفتنا بالعمل الأدبي في حد ذاته. وفي اعتقادي أن الحديث عن كل ما يحيط بخبايا الاشتغال على أي منتوج أدبي، يمكن أن يعد أكثر أهمية ومتعة من هذا المنتوج في حد ذاته. يحز في النفس أن العشرات لا بل المئات من العناوين في شتى مجالات الإبداع الأدبي، قد خرجت إلى الوجود دون أن يفكر أصحابها في الحديث عن الظروف التي أبدعوا فيها تلك الإنتاجات. يمكن أن يدخل ذلك في خانة سيرة الكتابة. إنه شكل من أشكال السير الغيرية، يتحدث فيها الكاتب عن كائن آخر، متمثل في ما أنتجه من كتابات، وإن كان هذا الكائن من صلبه. لا يمكن أن نفصل الكاتب عن ما يكتبه. ولذلك درجنا على القول إن الكاتب هو الأسلوب. أكيد أننا عندما نقرأ عملا أدبيا ما، نستطيع أن نتعرف-خاصة إذا كنا قراء حاذقين- على أسلوب كاتبه، ونميزه عن أسلوب غيره من الكتاب حتى وإن لم يضع توقيعه عليه. وإن كان قد حدثت تغيرات على مستوى وسائل الكتابة. أغلب الكتاب اليوم صاروا يكتبون نصوصهم الأدبية مباشرة على الحاسوب. هناك من يكتب بأصابع يديه معا وهناك من تعود على الكتابة بأصبع واحد، وهذه الفئة الأخيرة غالبا ما تكون من الشعراء، لأن الروائي على سبيل المثال لن ينهي عمله إذا اعتمد على أصبع واحد فقط، في حين أن الشاعر يكفيه أن يكتب شذرة مؤلفة من ثلاثة أسطر، لكي يسميها شعرا أو هايكو موروكو، وهو جنس إبداعي تم استنباته أخيرا في المغرب. وهذا ليس من باب المزاح كما قد يعتقد البعض. مع هذه الوسائل الجديدة في الكتابة، غابت الكثير من الأشياء عن الوجود. أبرز غياب يتجلى في المسودة، من من الكتاب لا يزال يخلف مسودات ورقية؟ وما أدراك ما المسودات. لقد قام بعض الباحثين بدراسة هذا النوع من مخلفات الكتابة، مما يدل على قيمتها المعرفية والعلمية. هناك من يكتب الدراسات الفكرية والنقدية على الحاسوب، لكن حين يتعلق الأمر بالإبداع الأدبي، نجده يفضل الكتابة على الورق قبل أن يتكفل بنقله إلى الحاسوب. لكل كاتب ظروفه الخاصة في الإنتاج الأدبي. غير أننا لا نعرف شيئا عن هذه الظروف، وعن أسرار الكتابة وخباياها ومعاناتها، مع أنها تصلح أن تكون مادة قابلة للقراءة والتأويل.