في حيز زمني محدود، تشهد عدة مدن كما تشهد المدينة الواحدة، تنظيم عدة مهرجانات في السينما والموسيقى والمسرح وغيرها من المجالات. يمكن القول إن بلادنا لم تشهد هذه الحركية وهذا الزخم من التظاهرات بغض النظر عن تفاوت قيمتها، منذ عدة عقود. فبعد أن عانت بلادنا كما سائر البلدان من إكراهات الوباء والحجر الصحي وانعكاس ذلك على مختلف الأنشطة، بات من الملاحظ ترتيب مواعيد مكثفة لتفعيل الحركة الثقافية ببلادنا. هناك قائمة طويلة يصعب حصرها في هذا الحيز؛ لمهرجانات على اختلاف الأشكال والألوان، جرى تنظيمها خلال أسبوع واحد فقط، ليتم ضرب موعد مع مهرجانات أخرى مشابهة الأسبوع الموالي، وهكذا دواليك، إلى حد أن المتتبع، سواء حضوريا أو عن بعد لهذه الملتقيات، قد يصاب بالدوار إن لم أقل: بالجنون. وبالفعل، فإن الوتيرة السريعة والمتوالية للمهرجانات في أجناس إبداعية بعينها، هي وتيرة مجنونة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الكثير منها يجري تنظيمه في المدينة الواحدة وفي التوقيت ذاته. هل سيتم الحفاظ على هذه الوتيرة ما تبقى من هذه السنة، وكذا خلال شهور السنة الموالية؟ أغلب المواعيد التي تم الإعلان عنها حتى الآن هي ذات مدى متوسط إن لم نقل قصيرا، لكنها مع ذلك تشي بحفاظها على الوتيرة المجنونة ذاتها. لم نعتد على هذه البرمجة المكثفة للملتقيات الثقافية والفنية إلا في شهر بعينه في السنة وهو شهر رمضان، حيث كل جماعة حضرية أو بلدية تحرص على تسطير برنامج لإحياء ليالي رمضان، على غرار ما تسلكه التلفزة المغربية حيث تعد برمجة خاصة بالشهر نفسه، تشمل إنتاجات درامية وسواها من الإنتاجات المغربية. هل بات تنظيم المهرجانات والملتقيات الثقافية والفنية سهلا إلى الحد الذي يجعل أي جمعية أو مؤسسة، كبر شأنها أم صغر، لا تتردد في حسم قرارها بالقيام بذلك؟ يمكن أن نعزو هذه البرمجة المكثفة والمثيرة للانتباه، إلى كون أغلب المواعيد كانت مؤجلة بسبب حالة الطوارئ الصحية، وبما أنه تقرر رفع هذه القيود جزئيا أو كليا، الأمر سيان؛ فإن النتيجة هي ما صرنا نراه خلال المدة الأخيرة، من تزاحم المواعيد واصطدام بعضها مع بعض، دون مراعاة التنسيق في ما بين اللجان المنظمة، حتى تكون البرمجة معقولة وقابلة للمتابعة دون حصول تفريط. إن تنظيم مهرجانات بهذه الكثافة، يمنح الانطباع باقتراب نهاية العالم أو كارثة ما لا قدر الله. هذا الأمر، يذكرني بأحد الطيور الذي يطلق أجمل تغريدة في حياته عندما يوشك على الهلاك. أعتقد أن هذا الطائر اسمه: ققنس. والظاهر أن ما يهم العديد من منظمي تلك المهرجانات، هو صرف الميزانية المخصصة لهم، قبل أن تسقط من أيديهم. هذا كل ما في الأمر. لكن السؤال الأساسي والجوهري الذي ينبغي طرحه بهذا الصدد، هو ما الأثر الذي تخلفه هذه المهرجانات التي ما أن تنتهي حتى تنطلق مهرجانات أخرى مشابهة لها؟ نأمل أن لا تكون هذه المهرجانات مجرد كلام ليل يمحوه النهار، أو كما قال أحد الشعراء الوجوديين: قطرة أو بالأحرى قطرات لمعت في الضحى.. قليلا على ضفة المشرع.