من منا لا يملك ذكريات من الماضي ما تزال مختزنة في ذاكرته يقدم صورها للغير عند الطلب أو عند المشورة لتقريب صورة أحداث ووقائع وطرائف سجلها الماضي القريب أو البعيد .. وتبقى ذكريات الشخصيات التي تطبع مسار التاريخ في كل المجالات الأكثر شدا للانتباه، ومنها ذكريات أبطالنا الرياضيين الذين غيبهم الاعتزال عن الميادين. لاعبون مروا بالملاعب وأثثوا المشهد الرياضي ببلادنا، لكن أخبارهم توارت إلى الخلف عن الجماهير .. جماهير لا تعرف عنهم الكثير فيما يتعلق بالجانب الشخصي وتتشوق إلى معرفة كل كبيرة وصغيرة .. فكيف إذا تعلق الأمر بأطرف المواقف التي مر بها هؤلاء اللاعبون في مسيرتهم مع أسود الأطلس، نعلم كل شيء عن مسيرتهم، ألقابهم الشخصية، أهدافهم، الأندية التي جاوروها .. لكننا لا نعلم ما هو أطرف، مواقف تعرضوا لها بقميص المنتخب وخارج الحياة الاعتيادية. في سبرها لأغوار صور الماضي، اختارت «بيان اليوم»، طيلة هذا الشهر الفضيل، التقرب من لاعبين سابقين بالمنتخب الوطني داعبوا كرة القدم بسحر ومهارة. لن نقف عند صولاتهم وجولاتهم في المستطيل الأخضر، أو بالقرب من دكة الاحتياط، أو داخل غرفة تبديل الملابس .. بل سنركز أيضا على ما جرى أيضا بالمستودعات وخلال الرحلات بل وخارج الإطار العام للممارسة كرة القدم. إنها سلسلة حلقات رمضانية نجول من خلالها وعبرها لتقطف من بساتين لاعبي كرة القدم المعتزلين نوادر وطرائف تزيل غبار النسيان عن ماضي جميل لأسماء كبيرة لن تغادر الذاكرة الجماعية للمغاربة. خبر حزين تحول إلى فرحة لقاء من الوقائع التي حدثت لنجم المنتخب الوطني وهدافه خلال مونديال المكسيك سنة 1986 عبد الرزاق خيري الذي سجل هدفين تاريخيين في مرمى منتخب البرتغال برسم آخر مباراة من الدور الأول حيث النتيجة النهائية بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد لصالح المغرب وبالتالي تزعم الصدارة في تلك المجموعة القوية التي كانت تضم انجلترا وبولونيا والبرتغال حيث يتذكر خيري هذا حادث مؤثر وصعب أكثر منه طريفة أو دعابة. « بعد هذا التأهل للدور الثاني كنا نستعد لمواجهة المنتخب الألماني بقيادة النجم كارل هانز رومنكي في مباراة حاسمة برسم الدور الثاني، ليصل إلى علمي عبر بعض الأشخاص بأن والدي عبد الكبير الذي كان من اللاعبين القدامى بفريق المغرب الرباطي، ربما في حالة صحية جد حرجة وأنه يرقد في غيبوبة بإحدى المصحات، حامت شكوك حول صحة الخبر الذي نزل على كالصاعقة. إلا أنه من الأمور التي كانت إيجابية بعض الشيء هو أن الحديث عن هذه الواقعة لم يكن معي بشكل مباشر من طرف مسؤولي البعثة الرياضية المغربية وكل الطاقم التقني بقيادة المدرب المهدي فاريا، الذين أصروا على عدم الحديث معي في هذا الموضوع، خصوصا أن مباراة قوية كانت تنتظر المنتخب الوطني ضد ألمانيا، لكني كمعني بالأمر كانت الشكوك تساورني رغم تأثري، حيث ووضعت الخبر ضمن دائرة الشك على أمل كبير أن يكون والدي بصحة جيدة. ظلت الأمور على هذا النحو، وجرى اللقاء الحاسم بين المغرب وألمانيا وشاركت في هذه المواجهة، وقمت كباقي اللاعبين بلقاء جيد، وفي الأنفاس الأخيرة من الوقت القانوني للمقابلة اصطاد المنتخب الألماني ضربة خطأ مباشرة على مشارف مربع عمليات مرمى الحارس الدولي الكبير الزاكي، ليسجلها النجم ماتيوس بسبب خطأ في الجدار المغربي، حيث استبسل اللاعبون المغاربة وكادوا يجبرون ألمانيا على الاحتكام للشوطين الإضافيين، وكانت الهزيمة الصغيرة هدف مقابل لاشيء. أتذكر أنه وبعد نهاية كل مباراة كان المرحوم جلالة الملك الحسن الثاني يتصل بأعضاء الوفد الرياضي المغربي، يتوجه بالتهنئة للجميع على حسن تمثيل المغرب في هذا المونديال التاريخي، وكان لهذا الاتصال الوقع الكبير في نفوس اللاعبين، وشخصيا كنت أتفاءل بكلمات جلالته، متمنيا أن يكون والدي على قيد الحياة، خاصة وان الاتصالات لم تكن متاحة بالشكل الحالي، مع العلم أن مسؤولي البعثة كانوا يحاولون ما أمكن إبعاد اللاعبين عن كل ما من شأنه التأثير على نفسيتهم والتركيز كان كله على المباريات. وبعد العودة إلى أرض الوطن ومباشرة بعد وصولي إلى الرباط، وبالضبط بحي يعقوب المنصور، لم أجد والدي بالمنزل، إلى جانب أفراد العائلة ومن بينهم والدتي وإخواني وأخواتي الذين عاشوا لحظات جميلة بعد تسجيلي لتلك الأهداف التاريخية، حيث أن الجماهير الرياضية نساء ورجالا وشبابا بالحي كانوا يرمون باب المنزل بالورود والزهور تلك الليلة المعروفة ليلة الانتصار على البرتغال. عندما سألتهم عن سبب غياب والدي، أجابوا بأنه يرقد في مصحة معروفة بالعاصمة «بارو كبير» لم تعد موجودة حاليا، توجهت على وجه السرعة إلى المصحة المذكورة فوجد والدي يستعد لإجراء لعملية جراحية لاستئصال الزائدة الدودية. وهكذا ظلت الشكوك تصاحبني حتى رأيت بأم عيني والدي حيا يرزق، لقد كانت مرحلة عصيبة عشتها وأنا بمونديال سنة 1986 اختلط فيها الفرح بالحزن، لكن أحسن لحظة هي العناق الحار مع والدي عبد الكبير الذي يظل كبيرا في عيني لحسن تربيته وتوجيهه لي ولكافة إخواتي». غدا الغرف بين خصومة فاريا والاختفاء عن عيون رجال الدرك