أجمع مختلف المتدخلين في ندوة «الدارالبيضاء أي تنمية محلية؟» التي نظمتها مقاطعة سيدي بليوط بالدارالبيضاء، بتعاون مع الائتلاف المغربي للثقافة والفنون، على أن العاصمة الاقتصادية للمملكة، توجد حاليا في نفق مسدود، بسبب الأعطاب التي يعاني منها مجلس المدينة. واستهل الإعلامي خالد الكيراوي الذي تولى تسيير هذه الندوة ليلة الخميس الماضي، بالمركب الثقافي سيدي بليوط، والتي شارك فيها نخبة من أعضاء مجلس مدينة الدارالبيضاء، بالقول إن العبور إلى التنمية الشاملة لا بد أن يتم عن طريق التنمية المحلية، مذكرا بالظرفية الاستثنائية التي تجتازها بلادنا حاليا، المتمثلة في المصادقة على الدستور الجديد، في ظل الجهوية الموسعة بأسسها ومعاييرها لتنظيم التراب الوطني. وأشار الكيراوي إلى تخلي الدولة المركزية عن دورها في التنمية، كما أكد على المشاكل التي يتخبط فيها التدبير الجماعي بمدينة الدارالبيضاء، ومن ثم طرح السؤال على كافة المتدخلين في هذه الندوة، حول السبيل للخروج من هذا النفق المسدود. وذكر كمال الديساوي رئيس مقاطعة سيدي بليوط وعضو مجلس المدينة، أن هناك اختلالات في ما يخص تنزيل مفهوم مجلس المدينة، حيث انعدام توزيع الأدوار بين المؤسسات المكونة للمدينة الواحدة. وشدد على أهمية أن تكون للمدينة هويتها، غير أنه يستنتج أن مدينة الدارالبيضاء لم تستطع بعد أن تكرس هذه الهوية: هل هي مدينة صناعية؟ أم خدماتية؟ أم ماذا؟. وانتقل بعد ذلك إلى التأكيد على أن سؤال الهوية، يتمخض عنه التساؤل حول ما ينبغي فعله، وما هي المشاريع التي ينبغي أن تعطى لها الأولوية، وشبه بهذا الصدد مدينة الدارالبيضاء، بتلك القاطرة الاقتصادية التي أخذت منحى منحدرا. واعتبر أنه من الضروري ترسيخ الهوية الصناعية للمدينة، مستحضرا نموها الديمغرافي وإشكالية التشغيل التي يتخبط فيها قاطنتها، ومن ثم دعا إلى ضرورة توفير مناخ للاستثمار. وتحدث الديساوي كذلك عن الخلل القائم في المنظومة الانتخابية، معتبرا أنها أفضت إلى مجلس غير منسجم. وشدد على أن الاختلال الأساسي الذي تشكو منه الدارالبيضاء هو أن هناك تحالفا في غياب مشروع ظرفي. وبالتالي فهو يرى أنه من الضروري أن يكون هناك نظام انتخابي يؤدي إلى أغلبية مريحة، لأجل بلوغ رؤية مشتركة. واعتبر الديساوي أنه بعد الدستور الجديد وتفعيل الجهوية، على النخب المحلية أن تقتنع بأن التوجه الجهوي قادر على إعطاء قيمة مضافة للدار البيضاء. كما أنه ينبغي التفكير في توزيع أدوار حقيقية بين كافة المؤسسات المنتخبة، مع استحضار البعد الاجتماعي للقرب باعتباره شيئا أساسيا. وانتهى إلى القول إن تجاوز الأزمة التي يتخبط فيها مجلس المدينة، يمر بالضرورة عبر تنظيم دورة استثنائية. وأشار أحمد بريجة النائب الأول لرئيس مجلس المدينة ورئيس مقاطعة سيدي مومن، إلى أن وحدة المدينة، يعد جيلا جديدا من الإصلاحات السياسية، مذكرا بأن هذا النموذج مستلهم من القانون الفرنسي. وذكر أنه مع تنزيل نظام وحدة المدينة، حدثت اختلالات، وبالتالي فهو يرى أنه لم يكن من المفروض وضع هذا النظام. في مقابل ذلك، ذكر أن نظام المجموعة الحضرية كان ناجحا، ودعا في هذا السياق إلى وجوب إعادة النظر في التدبير المحلي لمدينة كبيرة مثل الدارالبيضاء ولكافة المدن الكبرى. واعتبر بريجة أن مجلس المدينة لا يتولى تسيير الدارالبيضاء، على جميع المستويات، وإن كانت له اختصاصات معينة وله مسؤولية وله مخطط للتنمية. ووضع أصبعه على الجرح الحقيقي للمجلس، وهو أنه يعاني من أزمة سياسية حيث إن الضباب يسود الأغلبية والمعارضة، ومن مظاهر ذلك أن هناك من ينتمي إلى الأغلبية ومع ذلك فهو ضد التسيير، مما أفرز في نهاية المطاف نخبا غير متجانسة. وقام بعد ذلك بسرد مجموعة من النقط السلبية التي ترتبت عن هذا الوضع المختل، منها غياب التخطيط الاستراتيجي، وعدم إعادة النظر في التدبير المفوض، وعدم تقوية المقاطعات وعدم الربط بين المسؤولية والمحاسبة، إلى غير ذلك من السلبيات، دون أن يغفل الإشارة مع ذلك إلى بعض المكاسب التي تحققت، منها التطور الحاصل على مستوى التنقل، وإعادة تأهيل المساحات الخضراء وتوسيع رقعتها، وتقليص نسبة السكن غير اللائق.. ومن جانبه نفى بوشتى الجامعي العضو في مجلس المدينة، أن تكون وحدة المدينة باعتبارها نظاما، غير مجدية بصفة مطلقة، مذكرا في هذا الصدد بمجلس مدينة فاس الذي اعتبره نموذجا يحتذى به، وأشار إلى أن سر نجاحه يكمن في إشراك جميع رؤساء المقاطعات وأنه لا يسير وحده، وبهذا الصدد شدد على أهمية تحقيق العدالة بين المقاطعات لأجل إنجاح مهمة مجلس المدينة. وتحدث بأسف عن بعض السلوكات الشاذة التي طبعت عمل مجلس مدينة الدارالبيضاء المكون في سنة 2009، حيث جرى الفتك ببعض الأحزاب. وأبدى الجامعي قناعته بأن مدينة الدارالبيضاء مؤهلة وباستطاعتها أن تكون قطبا اقتصاديا وسياسيا وخدماتيا، غير أن السبب يكمن في عجز مجلس المدينة على وضع مخطط للتنمية سواء على المدى القريب أو البعيد. وخلص بعد ذلك إلى ضرورة خلق كتلة برلمانية بيضاوية للدفاع عن مصالح هذه المدينة، عبر تبادل الآراء وطرح الملفات الكبرى ومحاربة جماعات الضغط التي تعرقل عمل المجلس. وذكر عبد الصمد حيكر العضو بمجلس المدينة، أنه من المفروض على الدارالبيضاء أن تضاهي العواصم العالمية، بالنظر إلى أنها أكبر تجمع ديمغرافي في المغرب، وأنها مدينة قطبية من حيث قوة تأثيرها في محيطها، وبالتالي فإن النظر إلى هذه المدينة يجب أن يقوم على هذا الأساس. ودعا في هذا الإطار إلى ضرورة إعداد مخطط جماعي للتنمية، الكفيل بالإجابة على عدة تساؤلات: تحديد هوية المدينة، تشخيص المؤهلات التي تتوفر عليها الجماعات، والوقوف على الفرص المتاحة والتهديدات المحدقة. كما أشار حيكر إلى أنه لا يمكن تسيير المجلس في ظل تضارب المشاريع وغياب التنسيق بين مختلف المتدخلين، لتسطير الأهداف. وانتهى إلى القول بوجوب إعادة تشكيل مكتب مجلس المدينة وفق تحالف طبيعي.