شريحة واسعة من المواطنين تفضل الحصول على الإجازة أو العطلة خلال هذا الشهر، شهر غشت، دون ذكر العاملين في قطاع التعليم، فعطلتهم السنوية راسخة الجذور في هذا الشهر وفي الشهر الذي قبله كذلك، اللهم لا حسد. كل واحد من المعطلين، أقصد المتمتعين بعطلتهم السنوية وليس العاطلين عن العمل، كل واحد من هؤلاء له علاقة خاصة بالعطلة، يمكن أن نجد أشخاصا معينين يقضون العطلة في المكان نفسه وخلال المدة نفسها، لكن شعورهم يختلف حول درجة المتعة التي اكتسبوها من هذه العطلة في حد ذاتها. هناك من يفضل أن يؤجل وقت السفر للاستجمام، إلى حين اقتراب العطلة من نهايتها، إلى أن يتبقى أسبوع واحد على انتهائها، فبالنظر إلى ارتفاع الأسعار الذي طال مختلف الخدمات، بات المواطن يحسب ألف حساب قبل أن يجتاز عتبة بيته. بعيدا عن منطق ارتفاع الأسعار، يبدو من الأنسب تأخير فترة الاستجمام، لكي تظل هذه اللحظات الممتعة طازجة خلال العودة إلى العمل. لقد صار توثيق أنشطتنا اليومية المختلفة، يتم بصورة أقوى من أي وقت سابق، بالنظر إلى ما باتت تتيحه التكنولوجية الرقمية من إمكانيات، على عدة مستويات: التصوير، البث، التواصل.. إلى غير ذلك. صار بمقدورنا معرفة الفندق أو المنتجع الذي أقامت فيه هذه الأسرة أو تلك، نوع الطعام الذي تناولوه في مختلف أوقات اليوم، مسار تجوالهم، إلى آخر الأنشطة. فبعد أن كان هذا النوع من التوثيق والإشهار مقتصرا على بعض المشاهير في مجالات متعددة، صار اليوم بإمكان أي إنسان بسيط أن يقوم بالإخبار على نطاق واسع، بالتفاصيل الدقيقة وحتى التافهة، لحياته اليومية، ويجد مع ذلك متابعين ومهتمين، لا بل إن بعضهم جعل من ذلك فرصة للكسب المادي. صور لا حصر لها ولا عد، تمر في شريط لا نهائي بصفحات التواصل الاجتماعي: صور من داخل المسبح، صور على شاطئ البحر، في الجبل، حول مائدة الطعام، داخل السيارة، في الطريق، في المقهى، صور.. صور.. صور.. ما هي الرسالة التي يرغب أصحاب هذه الصور إيصالها إلى المتلقي، وإن كان هذه المتلقي لا تجمعه بهم أي علاقة؟ هناك من يبالغ في عدد المرات التي يذيع فيها هذه الصور، ولهذا السبب تفتق ذكاء إدارة المواقع الاجتماعية على إحداث خاصية جديدة تتمثل في إمكانية حجب رسائل الأشخاص المزعجين لمدة معينة، أو حظر حساباتهم بالمرة. عند انتهاء العطلة، تختلف مشاعر وأحاسيس العائدين إلى العمل، هناك من يعتبر العطلة دائما سريعة الخطى، هناك من يعبر عن أسفه لكونها انتهت، هناك من ينتابه الشعور بالاكتئاب، كما أن هناك من يتعجل العودة إلى العمل، ولعل هذه الفئة الأخيرة، عادة ما تكون ناجحة في عملها، لأننا عندما نحب مهنتنا، فإننا نتقنها.