بورصة الدار البيضاء تسجّل ارتفاعًا طفيفًا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    ارتفاع أسعار النفط    صحيفة إسبانية تشيد باحتضان المملكة ل"كان 2025"    كان المغرب يعانق العالم: 180 دولة تبث البطولة وتكرس الإشعاع الكوني للكرة الإفريقية    الأرصاد تحذر من طقس بارد وتقلبات جوية    تيسة تحتضن إقامة فنية في الكتابة الدرامية والأداء لتعزيز الإبداع المسرحي لدى الشباب    تفاصيل جديدة بشأن "مجزرة بونداي"    إعلام إسرائيلي أمريكي: نتنياهو يسعى لتفويض من ترامب لمهاجمة إيران    اغتيال جنرال روسي في انفجار قنبلة    انقلاب حافلة يودي بأرواح 16 شخصا في جزيرة إندونيسية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات اسفي إلى 40 واطلاق برنامج ملكي لاعادة التاهيل        مصر تفتتح مشاركتها في الكان اليوم وتطمح للفوز على زيمبابوي    مدرب جزر القمر: المغرب قوي جدا.. وهذه هي الحقيقة    الذهب والفضة يسجلان مستويات مرتفعة قياسية    كيوسك الإثنين | مطارات المملكة تحطم كل الأرقام عشية انطلاق كأس إفريقيا    الدار البيضاء.. مرصد يحذر من مخاطر "مغاسل الميكا" على صحة المواطنين    جريمة قتل مروعة تهز منطقة بني يخلف نواحي المحمدية    سعر الذهب يسجّل مستوى قياسيا جديدا    وفاة الممثل الأمريكي جيمس رانسون انتحارا عن 46 عاما    الركراكي: المباراة عرفت توترا كبيرا خاصة في الشوط الأول بسبب تضييع ضربة الجزاء وخروج سايس مصابا لكننا حققنا المهم    الجديدة تستضيف الدورة الأولى للمؤتمر الدولي حول الفيزياء الكمية والابتكار الطاقي    المنتخب يرفع نبض الجماهير في وجدة    انتصار البداية يعزز ثقة "أسود الأطلس" في بقية مسار كأس إفريقيا للأمم    الاستيطان يتسارع في الضفة الغربية ويقوّض فرص قيام دولة فلسطينية    رصيف الصحافة: النيابة العامة تنتظر نتائج تشريح جثة رضيعة في فاس    المديرية العامة للأمن الوطني ترفع جاهزيتها لإنجاح العرس الإفريقي    تعليق الدراسة بعدد من المؤسسات التعليمية بإقليم الحسيمة بسبب الامطار والثلوج        تصعيد خطير بعد دعوات لطرد الإماراتيين من الجزائر    فرض مبالغ إضافية دون مقابل يثير الجدل في مقاهي طنجة خلال كأس أمم إفريقيا    في الذكرى الخامس للتطبيع.. تظاهرات بالمدن المغربية للمطالبة بإسقاطه ووقف الجرائم في فلسطين    القوات المسلحة الملكية تنشئ ثلاث مستشفيات عسكرية ميدانية بأقاليم أزيلال والحوز وميدلت    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وأمطار قوية أحيانا رعدية وهبات رياح من اليوم الأحد إلى الأربعاء المقبل    وكالة بيت مال القدس الشريف تقدم إستراتيجيتها لدعم قطاع التجارة في القدس برسم سنة 2026    دليلة الشعيبي نمودج الفاعلة السياحية الغيورة على وجهة سوس ماسة    أدب ومحاكمة ورحيل    "مجموعة نسائية": الأحكام في حق نزهة مجدي وسعيدة العلمي انتهاك يعكس تصاعد تجريم النضال    "محمد بن عبد الكريم الخطابي في القاهرة من خلال الصحافة المصرية" موضوع اطروحة دكتوراه بكلية عين الشق    أزمة المقاولات الصغيرة تدفع أصحابها لمغادرة الحسيمة ومهنيون يدقون ناقوس الخطر    مسلحون مجهولون يفتحون النار على المارة في جنوب إفريقيا    حركة "التوحيد والإصلاح" ترفض إعلانًا انفصاليًا بالجزائر وتدعو إلى احترام سيادة الدول    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    "تيميتار" يحوّل أكادير عاصمة إفريقية    مهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي في دورته الثانية يشرع في تلقي الأفلام    الفنانة سمية الألفي تغادر دنيا الناس    فتح الله ولعلو يوقّع بطنجة كتابه «زمن مغربي.. مذكرات وقراءات»    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    7 طرق كي لا يتحوّل تدريس الأطفال إلى حرب يومية    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعض ذكرياتي فترة الدخول المدرسي
نشر في لكم يوم 20 - 09 - 2020

مع بلوغ أواسط شهر ماي،مع تأكيد منسوب المحرار بكل حدوس الحواس،أن مراكش صارت كعادتها خلال هذه الفترة؛وطيلة أربعة أشهر تقريبا،تحت رحمة جحيم صيف،لا يشق له غبار،يطاق على أية حال مع أنسنة الزمان والمكان إبان سياقات تلك الحقبة،عبر حوارات الصداقة المنسابة باستمرار بين المدينة وأهلها.لاحديث تتداوله الألسن سوى العطلة الصيفية؛أو العطلة الكبيرة أو الثلاثة أشهر،بحيث اشتهر أساسا توقف الدراسة بهذين النعتين الأخيرين.
يشرع بعض المدرسين في تهيئنا لأجواء حفل نهاية السنة الدراسية،بالتحضير للأنشطة الفنية والثقافية التي ستغمر فضاء المدرسة خلال يومها الاستثنائي؛والأهم ضمن سياق ذلك،أولا وأخيرا،وليمة الطاولة المعروضة داخل قاعة كبيرة،وقد وضعت فوقها قوارير المشروبات الغازية باختلاف ألوانها و تلاوينها، السوداء والصفراء والبرتقالية والبنية، وإبريق أو برادين كبيرين من الشاي المنعنع،ثم صحون صغيرة من قطع الحلويات.
تناط إلى تلميذ أو تلميذة مهمة جمع المساهمات وتوثيقها.ثم،يبدأ تقاطرها حسب الإمكانات المالية لأسرة كل واحد منا،مع إعفاء اليتامى وأبناء دور الإيواء والقادمين من البوادي؛كما جرت العادة دائما،وإن كانت وضعيتنا الطبقية متقاربة جدا في عمومها،باستثناء حالات تبقى استثنائية،وأغلبنا يتنافس كي ينتقل بجلده وأسرته عبر جسر المدرسة،من وضعيته تلك صوب أخرى أفضل.
دأبنا ونحن أطفال في الطور الابتدائي وبعض السنوات من الإعدادي، أن نحضر باستمرار إلى المعلم لاسيما المفضل لدينا بامتياز ؛عربونا عن حبنا له،بعض الفواكه حسب ماتجود به موسميا من أنواع،أعراص وجنان وحدائق مراكش.غير أن ظفرنا يتجه أكثر نحو المتوفر في وجه الجميع و بأثمنة زهيدة، لذلك ينحصر اختيارنا بين غلال البرتقال والعنب والمشمش و الإجاص والخوخ والبرقوق،بينما أخرى من نوع التفاح والموز،فيصعب جدا نيلها،أو مجرد استدعاء صورتها؛"ده في المشمش"على حد مزحة إخواننا المصريين،ولم يكن بوسعنا الوقوف على سرها سوى فيما ندر،بمناسبة دعوة عابرة لأعراس واحتفالات الميسورين من القوم، أو الأهم إن وجدت نفسك ذات يوم ممددا فوق سرير داخل المستشفى لسبب من الأسباب، حينئذ تتحسس فعلا هذا النوع الثمين،إضافة إلى الحليب و الأجبان،لكن المفارقة،ربما افتقد حينئذ تذوقها معنى حلاوته،نظرا للظرفية غير السعيدة التي تكتنفك. لذلك تمكث ذليلة بائرة عند رأسك،إلى أن يتكفل أهل المكان بحصدها جملة وتفصيلا؛إما في غفلة منك أو عن طيب خاطر،حسب مقامك وفصيلتك المجتمعية.
ينتقي المعلم أحيانا عيّنة من المعروض فوق مكتبه،ويشرع في تذوقه أمامنا،وقد ألزمنا بإنجاز تمرين أو إعادة مراجعة ما كلفنا باستظهاره،ثم يشرع في بث ملاحظات عامة حول جودة الفاكهة المنتقاة من عدمها،ثم من الضروري طرحه استفسارات بخصوص هوية صاحب الهدية التي وقع عليها الاختبار،حينها يغمره بسلسلة أسئلة وتقييمات،وأحيانا يكتفي بتعابير إيمائية تتقلص خلالها ملامحه أو تتمطط،حسب طعم مايقضمه.في نهاية الحصة،يجمع المحصول اليومي ويرسله مع أحدنا إلى منزله على وجه السرعة إن تواجد بمحاذاة المؤسسة،أو توضيبه جيدا في جيبي دراجته النارية ذات الهيكل المتين رغم قدمها المتحفي و تهالكها السيميائي.
تزدهر أساسا عطايانا للمعلم،بفضل ازدهار نتاج الفاكهة المقدور على أمرها،خلال فصل الصيف حيث العطلة على الأبواب،وتراجعت حدة أجواء الفصل الدراسي،لأن القيظ الشديد من جهة بدأ يفعل مفعوله المسرنم في الأجساد،ولأن تعامل المعلم معنا صار أكثر ليونة من ذي قبل؛ربما ساعة الفراق لمدة ليست قصيرة قد دقت،واستشراف اللحظة بحمولة حنينها،يتيح مجالا أوسع للسكينة.
إنها العطلة الصيفية،إذن،يختلف وقع مفهومها باختلاف طبيعة علاقة كل تلميذ بمرجعية المدرسة وماتعنيه له حمولة هذا الفضاء.فئة،تعتبرها نعمة لأنها تحررت أخيرا من رتابة التزامات عسكرية طيلة شهور،وبالتالي،تعني العطلة استعادة الحرية.في حين تضمر بالنسبة لجماعة أخرى نقمة،لأنها تحرمهم من مباهج كثيرة في طليعتها متعة الجلوس إلى المعلمين والتعلم والتنافس وتحقيق نتائج جيدة. على ضوء هذين المعيارين،تتحدد طبيعة المشاريع الممكنة،بحيث يحضر بقوة،أو يغيب بما يكفي محور العودة إلى المدرسة خلال بداية فصل الخريف.
ارتبطت العطلة عموما والصيفية خاصة،في المخيال الجماعي بالاستجمام وأساسا السفر ومغادرة المكان.لكن هاجس السفر،بمعنى حزم الحقائب لمجرد الموضة والإسراع نحو امتطاء وسائل النقل في إطار الحروب الرمزية للرياء،لم يكن بالنسبة للحقبة التي أستعيد ذكرها،متداولا بأي شكل من أشكال ذات التباهي والتفاخر والعبء المادي الثقيل كما حال الراهن.اكتفت هواجس سكان مراكش،بالانتقال صوب مياه بحر مدينة الجديدة،فاستمرت الرحلات العكسية ربيعا وصيفا بين المدينتين،غاية حدوث جفاء طويل جراء اشتعال أحداث شغب بين شباب الطرفين عقب مباراة في كرة القدم حادة التنافس،حينها دشن الطرفان لمدة ليست بالهينة سلسلة لامتناهية من استحضار المنظومة الحربية لداحس والغبراء.
عموما لم تكن قضية مغادرة مدينتنا حتى في عز الصيف،بالمطلب المستعجل،بل تكيف الناس مع تلك الأجواء بالتحصن نهارا داخل رحابة منازل بنيت أساسا على مر العصور بكيفية تبعث كثيرا من الرحمة،ثم التدفق مع أولى بداية انقشاع الشمس خارجيا؛نحو ليل مراكش بكل آفاقه الشاعرية،فيستعيدون ثانية أنفاسهم،وتتطهّر دواخلهم من أجل استقبال صبيحة اليوم التالي.
يوم الحفل،من الضروري التقاط صورة جماعية وسط ساحة المدرسة.يتوسطنا تلميذ اختير بعناية كي يشهر لوحة صغيرة؛تكشف عن التاريخ والمكان والمستوى.قبل أن يتفرق الجمع،يسرع المدير إلى تناول الكلمة،قصد إخبارنا بأن بيانات نتائجنا ستصلنا إلى منازلنا عن طريق البريد،متمنيا لنا عطلة سعيدة مع تنبيهه إلى عدم التغافل عن الاستعداد منذئذ للدخول المقبل،مع تخصيص ساعات يومية للقراءة الحرة وكذا الاطلاع على محاور السنة المقبلة.
وصية رغم جدتها؛لم تكن بالاكتشاف العظيم،لأننا أساسا دأبنا منذ زمان ضمن جماعة أبناء الحي على سن أعراف توارث تراتبي لإصدارات أحمد بوكماخ في أجزائها الأربعة(التحضيري، الابتدائي الأول، المتوسط الأول، المتوسط الثاني )،ثم سلسلة هنري ترانشار لتعليم اللغة الفرنسية.فالسابق يعبِّد الطريق أمام اللاحق،من ثمة لاخشية تذكر فيما يتعلق بخريطة خطوات التوجه المدرسي.كنا نتبادل بشغف وتلقائية كل شيء،مادمنا قد تآلفنا وجعلنا الحياة أبسط مما كانت بسيطة،ضمن إطار وحدة أسروية كبيرة جامعة وحامية لعرى أواصر الناس وعريهم من الطوارئ والنوازل غير الرحيمة، لاتفصل بين خاصة خصوصياتنا؛ سوى هيكل أسوار وجدران صورية.
نشرع في التبادل والمقايضة بعد التأكيد الرسمي للنتائج النهائية،بل غالبا قبل ذلك، بناء على التقديرات والتخمينات المنطقية حدسيا،لأن مآلات الاستحقاق تكون معلومة ضمنيا حسب معرفة كل واحد من أبناء الحي بنوعية وطبيعة ماراكمه طيلة السنة،اجتهادا أو إهمالا.
بعد هذه الخطوة الأساسية بخصوص تحقيق جانب كبير من الاستعداد اللوجيستيكي للدخول المقبل،يلزمني أن أتدبر عملا موسميا،حتى أوفر إيرادات اقتناء ثياب جديدة ومستلزمات أخرى،وربما أيضا إتمام بعض العناوين المتبقية من كراسات المقرر الدراسي،بشرائها من سوق الكتب في ساحة جامع الفنا بداية،قبل أن تكتسحها مرضيا شراهة البطن اكتساحا مع جل تبعاته؛وتفقد حسها الفني العميق لصالح البهرجة الفارغة،ثم حديقة "عرصة البيلك" ثانيا،وأمام مسجد الكتبية في مرحلة ثالثة،انتهاء برحبة باب دكالة.
قد يستغرق إيجاد عمل،أياما عدة. يصعب الانتظار،لذلك أبادر إلى ممارسة تجارة صغيرة جدا،في أقرب سوق يتاخم حينا،فأنوّع المعروض كل صباح من البيض المسلوق إلى الثوم والحلويات أو قوارير الشامبو ...لايساورني الحظ بالكيفية المطلوبة،مادام هامش الربح لايشجع كثيرا؛على مواصلة الرهان،لذلك أمنح نفسي استراحة يومين أخصصهما لإعادة اكتشاف متعة القاعات السينمائية أو الذهاب إلى أحد المسابح العمومية.
رغم كل المجالات التي طرقتها،ومختلف الحرف التي امتهنتها خلال عقود طويلة من العطل الصيفية،آثرت دائما الاشتغال في المقاهي أو المطاعم الشعبية،لاسيما الأولى.صحيح، طيلة اليوم وأنت جلمود صخر أمام صنبور وحوض صغير لغسل الكؤوس والأواني، غير أن الجلوس بين الفينة والأخرى للاستراحة من أجل ارتشاف فنجان قهوة مقطرة جدا، أو تلك اللذة التي لاتقاوم حين إضافة حليب دسم على الطريقة الإيطالية،يجعل من تعب السابق مجرد طاقة كامنة تتربص سرا بمكامن الإفصاح عن هويتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.