رغم زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل والمملكة العربية السعودية التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة ووعده بعدم "الابتعاد وترك فراغ تملؤه الصين أو روسيا أو إيران"، يبقى حديث المنطقة السائد هو تحول محور الولاياتالمتحدة بعيدا عن الشرق الأوسط. ويعتقد القادة العرب والإسرائيليون وحتى الإيرانيين أن الرئيس الصيني شي جين بينغ في طريقه لافتكاك دور الولاياتالمتحدة كقوة مهيمنة محلية. حيث جاء أكثر من نصف النفط الخام الذي استوردته الصين في العام الماضي من المنطقة. وفي 2021 بلغ حجم التجارة الثنائية بين العالم العربي والصين 330 مليار دولار، وشهدت زيادة تجاوزت الثلث عن العام السابق. وتفتخر الصين في مبادرة الحزام والطريق الشهيرة بأكثر من 20 شريكا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد وقعت 15 اتفاقية "شراكة استراتيجية" مع الدول العربية في العقد الماضي وحده. لكن القادة الصينيين يتجنبون لعب أي دور في النزاعات الأمنية أو السياسية بين الدول العربية وإيران وإسرائيل. وتؤكد الوثائق الحكومية الاستراتيجية مثل "ورقة السياسة العربية" لسنة 2016 التي تدعم توجه بكين نحو الغرب على الروابط الاقتصادية والمساعدة الإنمائية مع التقليل من أهمية أي دور آخر قد تلعبه الصين. ويتأرجح الخبراء الصينيون على المستوى المحلي بين الحذر من المشاركة السياسية الأعمق في الشرق الأوسط والحرص على تعميق العلاقات مع مصدر مهم للنفط في وقت يتزايد فيه انعدام الأمن في مجال الطاقة. وأشارت المبادرات الأخيرة إلى أن بكين ربما تتجه ببطء نحو المزيد من المشاركة السياسية. وكان الاقتراح المكون من أربع نقاط من وزير الخارجية الصيني وانغ يي بشأن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، والذي طرحه وسط نزاع مايو 2021 بين إسرائيل وحماس، مثيرا للاهتمام في جوهره لمجرد أن الوزير تحدث عن مسائل استراتيجية جوهرية مثل حل الدولتين وأهمية تحرك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. لكن النقاط الأربع نفسها، مثل عمل مبعوث شي الخاص للسلام في الشرق الأوسط، كانت عامة تماما، فهي تحث على الحوار، وتضع حدا ل"أعمال العنف ضد المدنيين"، وغير ذلك من أسس عملية السلام. وبالمثل، فإن اتفاقية التعاون التي أبرمتها بكين لمدة 25 عاما مع طهران العام الماضي قد أثبتت كونها مجرد خطاب أكثر من كونها إجراءات، حيث أشار الخبراء إلى أن الشركات الصينية "ستضطر إلى استثمار 16 مليار دولار في المتوسط سنويا في إيران لتحقيق الهدف المرجو" بينما على سبيل المقارنة "بلغ إجمالي استثمارات الصين في إيران 4.7 مليار دولار من 2005 إلى 2020". وعززت الصين مشاركتها على الجانب الأمني، حيث ساهمت بأكثر من 1800 جندي في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في المنطقة وحولها اعتبارا من 2020 (419 في لبنان، و370 في السودان، و1072 في جنوب السودان). كما شاركت البحرية الصينية في مهمات أمنية بحرية في بحر العرب وخليج عدن وأنشأت أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي في 2017. وتوقع البعض أن بكين قد تبني قاعدة عسكرية سرية في ميناء في الإمارات العربية المتحدة ذات الأهمية الاستراتيجية. وتعاملت الحكومات العربية والإيرانية والإسرائيلية بحذر مع الصين، لكنها كانت متحمسة بشأن احتمالات شراء الأسلحة والاستثمار. وقد تكون قدرة روسيا المتراجعة على بيع الأسلحة مفيدة لبكين، وتزيد من استعداد الصين لبيع طائرات مسيرة متطورة إلى الحكومات العربية. (كانت الولاياتالمتحدة مترددة في ذلك). وتضاعفت صادرات الأسلحة الصينية إلى المنطقة تقريبا خلال العقد الماضي. كما أن عدم اهتمام بكين بالعجز الديمقراطي أو انتهاكات حقوق الإنسان جعل الصين شريكا أكثر جاذبية، لاسيما على حساب الولاياتالمتحدة التي تربط شروطا سياسية بمبيعات الأسلحة والمساعدات الاقتصادية والتنموية. وتبدو العوامل المختلفة من انخراط الصين في الشرق الأوسط الكبير تضاف إلى جهد كبير لقلب دور الولاياتالمتحدة في المنطقة. ويمكن أن يُغفر للمحللين إذا اعتقدوا أن هناك لعبة كبيرة على قدم وساق. لكن ذلك غير صحيح، والسبب بسيط للغاية. حيث تتلخص المخاوف العربية والإسرائيلية في أولوية عليا واحدة تتمثل في احتواء إيران. ولو كانت دول الشرق الأوسط مهتمة في المقام الأول بالمال والسلاح، لكان للصين نفوذ قوي كوسيط. لكن بكين غير مهتمة بلعب سياسات توازن القوى، ناهيك عن توفير مظلة أمنية للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتسترشد بكين بأولوياتها الخاصة في المنطقة، مع إيماءة عرضية فقط للمصالح الأمنية المحلية. وهذا ما يضع الصين عند تقاطع طرق التجارة الرئيسية، كمشتر لإمدادات الطاقة الحيوية، وبائع أسلحة، ومشارك غير مرتبط بالقضايا الجيوستراتيجية مثل عملية السلام والمفاوضات النووية الإيرانية. ومن غير المرجح أن يتغير دور الصين في المستقبل المنظور. وستواصل بكين القلق بشأن أمن مصادر الطاقة في الشرق الأوسط، وتسعى للاستفادة من النفوذ السياسي مع شركائها الرئيسيين، والبحث عن فرص لإبراز قوتها العسكرية بشكل أفضل. لكن بكين ستظل لاعبا ثانويا في الشرق الأوسط طالما ظل شي عازما على النزول بحزم لصالح كلا الجانبين في صراع القوة بين إيران وجيرانها الإقليميين.